الصفحات

"الشعر ما بين الزهد والتصوف والمناسبات الدينية"


* وسام أبو حلتم كاتبة

يدعو شعر الزهد إلى الإنصراف عن الدنيا وملذاتها كما شعر التصوف. وقد بزغ كلاهما في ظلال الإسلام في العصر العباسي كرد على ما آلت إليه أحوال الأمة من لهو ولعب وشرب واتباع للشهوات والملذات والمجون والترف.

حيث ضاق الحال بشعراء الإسلام واشتعلت غيرتهم على دينهم ففاضت قلوبهم وأقلامهم بشعر الزهد والتصوف الذي كان يدعو إلى الإنصراف عن ملذات الدنيا ولهوها والتقرب من الله بالزهد والتحليق في ملكوت الله والتدبر بخلقة والتفكر بنعمه.
فكان المقصود من الزهد " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وقد بث الشعراء الكثير من القصائد في التصوف والزهد وحب الخالق والإخلاص له وحده، ومن أشهر شعراء التصوف والزهد" أبو العتاهية: حين قال في زهد الدنيا:

لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛**** كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ
فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما ***يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ

وكذلك كما قال الحلاج في حب الإله:

"والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا وحبّـك مقـرون بأنفاسـي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم إلا وأنت حديثي بين جلاســي
ولا ذكرتك محزوناً ولا فَرِحا إلا وأنت بقلبي بين وسواســـي"

وهذا إبن الفارض شوقا لله يقول:

ما بينَ مُعْتَرَكِ الأحداقِ والمُهَجِ، أنا القَتيلُ بلا إثْمٍ ولا حَرَجِ
ودَّعْتُ، قبلَ الهَوى، رُوحي، لما نَظَرَتْ عيناي منْ حسنِ ذاكَ المنظرِ البهجِ
لِلّهِ أجفانُ عينٍ، فيكَ، ساهِرَة، شَوْقاً إليكَ، وقَلْبٌ، بالغَرامِ، شَجِ

إن التصوف والزهد طريقان يؤديان لنهاية واحدة ألا وهي رضا الرحمن وكسب مرضاته والذي يصل إليه المتصوف عن طريق التسامي بأخلاقه ورغباته واتخاذ القرآن والسنة منهجا ومرجعا لمعرفة الله وتحصيل علمه ونوره والتحليق في حبه وعشقه وقد عرف مذهب التصوف " بعلم التزكي" و " علم الأخلاق" وألفت فيه كتب عدة منها: " قواعد التصوف للشيخ "أحمد دروق" والحكم العطائية ل "ابن عطا الله السكندري" وإحياء علوم الدين "للإمام الغزالي".
وقد كان لشعر التصوف والزهد أثر كبير في المناسبات الدينية كشهر الصيام والأعياد، فأنشدوا الموشحات في حلقات الدين ومجالس الذكر وتغنوا بشهر الإرادة -كما أسماه البعض- وشهر العاشقين الصوامين القوامين كما وصفه المتصوفة فهذا البحتري ينشد قائلا:
بَنِي الإسْلامِ هذا خَيْرُ ضيفٍ ** إذا غَشِيَ الكَريمُ ذُرَا الكِرَامِ
يَلُمُّكُمُ على خَيْرِ السَّجَايَا ** وَيَجْمَعُكُمْ على الهِمَمِ العِظَامِ
فَشُدُّوا فيه أيدِيَكُمْ بِعَزْمٍ ** كَمَا شَدَّ الكَمِيُّ عَلَى الحُسَامِ

وقال الشاعر الأندلسي ابن الصَّبَّاغ الجُذامِي:
هَذَا هِلالُ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانِ ** بِالأُفْقِ بَانَ فَلا تَكُنْ بِالوَانِي
وَافَاكَ ضَيْفًا فَالتَزِمْ تَعْظِيمَهُ ** وَاجْعَلْ قِرَاهُ قِرَاءَةَ القُرْآنِ
صُمْهُ وَصُنْهُ وَاغْتَنِمْ أَيَّامَهُ ** وَاجْبُرْ ذَمَا الضُّعَفَاءِ بِالإِحْسَانِ

ولا يزال الشعراء والأدباء يتغنون في المناسبات الدينية ويتخذون منها إلهاما لقصائدهم ومقالاتهم ونثرهم وموشحاتهم ولوحاتهم محافظين على أصالتها وروحانيتها في قلوبهم وذكرياتهم ما بين طفولتهم وشبابهم وشيخوختهم، وقد ذكر "العقاد" في كثير من مقالاته عن القديم والجديد في الأعياد ومن إحدى تلك المقالات " العيد في الدين وفي اللغة"، فجائزة الصائم في دنياه عيد.
فهذا قول ابن المعتز مستبشرا بقدوم العيد:
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه **** فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ *** قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ
ورغم فرحة الصيام وعيد الفطر إلا أنه لا يخلو من الألم ولواعج الحزن في قلوب اليتامى والثكالى ومن كان الأسر والغربة والفراق قدره ونصيبه.

حيث يصف الطاهر إبراهيم ذلك حين يقول:
يا رب هذا العيد وافى والنفوس بها شجون
لبس الصغار جديدهم فيه وهم يستبشرون
بجديد أحذية وأثواب لهم يتبخترون
ولذيذ حلوى العيد بالأيدي بها يتخاطفون
وهناك خلف الباب أطفال لنا يتساءلون
أمي صلاة العيد حانت أين والدنا الحنون؟
إنا توضأنا -كعادتنا - وعند الباب (أمي) واقفون
زفرت تئن وقد بدا في وجهها الألم الدفين
ورنت إليهم في أسى واغرورقت منها العيون
العيد ليس لكم أحبائي فوالدكم سجين

قد كثر الألم في زماننا هذا، فأوطاننا تنزف أبناءها ما بين الحروب وسفك الدماء والقصف، لم يعد للعيد فرحته وروحانيته.
ومنذ ماضي الزمان والشعراء يبثون شكواهم وأحزانهم على أوطانهم ومن ذلك قول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:

يقولـونَ لـي: عيـدٌ سعيـدٌ، وإنَّهُ *** ليـومُ حسابٍ لـو نحـسُّ ونشعـرُ
أعيـدٌ سعيـدٌ !! يالها من سعـادةٍ *** وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ
____________
*وسام أبو حلتم
كاتبة. وصحفية
 الاردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.