الصفحات

رؤية إيمان الصالح العمري في قضية الهوية العامة للفرد وللإنسانية

تحليل لنص الدكتورة إيمان الصالح العمري "يا سادتي وياسيداتي"
*بقلم وسام أبو حلتم

من نحن؟ النص الذي اخترته للتحليل عن عمد كان لي معه شخصيا وشائج وصلات، فالنصوص التي تبحث في إشكالية ما وتسأل لتجيب هي نصوص خاضعة لمنهج البحث الفلسفي: الاستقراء والاستنباط، وهما وسيلتان منطقيتان للحصول على المعلومات. فكيف يتحول النص الأدبي إلى موضوع علمي ولا ينأى عن الأدبية.؟

كلنا يعلم أن الشاعر والكاتب عامة هو مدونة شعبه وحامل تاريخه، واحيانا كثيرة هو المصلح الاجتماعي والسياسي و كذلك القارئ الاقتصادي، فوظيفة الأديب في العصر الحديث شاملة ومسؤوليته عامة. وكاتبتنا إيمان الصالح العمري لم تشذَّ إطلاقا على هذا المبدأ وكانت حريصة كل الحرص على أن تكون واجهة مثالية لشعبها ووطنها وللإنسانية عامة، كما قدر للكاتب أن يكون.
نعود للإستقراء، الكاتبة وضعت السيمات الانسانية الخاصة بشعبها تحت مجهر التحليل الخاضع للديمومة والإستمرار ثم استنبطت كرائية الملامح الخاصة بهذا الشعب، وككل أديب حالم كان تركيزها على الجوانب المشرقة في تلك السيمات وأبرزتها متغاضية على ما يمكن أن يكون من سلبيات بالشخصية الأردنية. فهل أن ما استنبطته الكاتبة بعيدا عن الحدود العملية؟
إذا افترضنا أن الكاتبة لها بعض من الافق الضيق في البحث وأنها تبحث عن الكائن والموجود فإن، الإجابة نعم. لكن إيمان العمري مثلها مثل كل الادباء ذوي التجربة العميقة لن توجه قلمها لاستقراء الخاص فقط، فرآها متسعة مفتوحة على الأقاصي، الأديبة إيمان العمري تركت مسؤولية الحديث عن السائد لأهل الاختصاص واستخدمت منهجهم فقط لتنطلق روحها المبدعة نحو التذكير ما يجب إن يكون عليه الفرد والإنسان عامة، ومن خلال استقرائها للواقع وبأسلوب أدبي ولغة رقيقة قريبة من السماء ومنفتحة على المدى الواسع الذي نحن جزءا اساسيا به، استنبطت إيمان العمري روح الكون تلك المجرة الكبرى التي يدور في فلكها الوجود الإنساني الغالب الذي لابد أن يكون كما قُدِّرِ له، وجود رغم الجريمة الأولى فإنه قائم على شرائع انسانية وسماوية تنتصر فقط للسلام والحب والخير.
اربد هو المكان الذي حددته الكاتبة في اخر نصها وربما اربد هي قلب الكاتبة نفسها وربما تحديدها ذاك رجوع إلى الأرض بعد أن علت الروح المبدعة منها، كثيرا في سماء الحلم، رجوعها الى قاعدة الزمكان التي لابد أن تنبني عليها احلامنا لتكون مشروعة ومنطقية. اربد هي الحدود الظاهرة أما المدى المتماهي مع المثال هو اللاحدود، هو التيمة التي يسعى اليها كل مبدع حلق في سماواته الخاصة ليصل إلى سماء أرحب.
من نحن، سؤال اجابت عليه الكاتبة إيمان العمري على طريقة المبدعين والصورة رسمتها إيمان العمري بريشة الفنانين فأوجزت وكثفت بنفس الوقت الإجابات.
===
النص _

يا سادتي وسيداتي ..من قال أننا نتأبط الوطن في قصاصات الورق ومن قال أننا نكتب لنتهم بالشعر والكتابة ومن قال أننا عبرنا من ثقب صدىء في الذاكرة ..ومن قال أن شقوق الأحلام لم تكن يوما أبوابا مشرعة على المدى تعانق سقف سماء صفو مساءات الشاي الريفي مع النعناع ..من قال أننا غير مشبعين من ملامح الأرض والشتاء ومن قال ان اصواتنا لا تشبه مواويل الحصادين ومن قال أننا خرجنا يوما من بيوت الطين بدون وضوء ومن قال أننا خرجنا يوما بدون دعوات أهل الدار ومن قال يوما أننا خرجنا من بيوتنا دون تفقد الجارة والجار ...نحن طيبون جدا جدا حد الدهشة واللامعقول في زمن أمسى الخوف بأن تبقى وحيدا كالرهبة وسط الزحام ..نحن الذين عمرنا الأرض وبكينا أبانا هابيل عندما سقطت منه ورقة الحياة..نحن نخاف من لون الدم والجرح وصوت بكاء صبية ونوح الحمام ..نحن مدججون بالحب والحنين والشوق والطرق الترابية التي خططتها أرجل الفلاحات المتعبات العابدات الناسكات واحدتهن تشبع من شربة ماء باردة تسند على ظهرها ألف الف سنبلة ثم تلهج ببركة الدعاء ...نحن لا نؤذي ولا نسيء ورضعنا الحب مع اللبن ..ببساطة نحن لا ننسى ..نتفقدنا وننبش ذاكرتنا برغم من ريح الخيبة العاتية ..برغم من عجزنا عن اسماع صوتنا ..فالعجز بمن لا يريد ان يسمع!..نحن ببساطة عكاز من أراد أن يتكىء لأن سعادة العطاء لا يتقنها الا الكبار ....نحن عابرون هنا بذاكرة لا يعجز عن شرحها المكان ...لسنا بحاجة لشهادة ميلاد ولا مكان الولادة ..فمن الكرك جنوبا الى اربد شمالا لا أشعر بالغربة أبدا فملامحي هنا وملامحي هناك ولا أفقد الدهشة ابدا وأنا أتأمل ملامح أخي هنا وملامح أخي هناك ....المنازل ليست فارغة ...مملوءة بقيم الأردنيين التي طالما سهرت جداتنا لأجلها ...مملوءة بالحب والزيت والزعتر هي دفء حضورنا وبرد غياينا اذا ما اشتهينا عودة النشمي ...نحن لا نقف على أرصفة ورق أصفر،..نحن هنا ولكن معالمنا تختفي في الزحام ..وأذكركم أن قهوتنا سمراء خالية من التوابل وأن قيمنا عصية على التهجين ..وأن مصائد التفخيخ لن تجعلنا نصمت حدادا على أرض كأرض الرباط ...سنكون نحن ونحن من يتقن أن يكون ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.