وقف أمام بوابة محطة القطارات ينتظر قرار قدميه
بالرجوع أو الدخول كأنه يسير حافي القدمين على حد
سكين كال طرفيها حاد قاطع ال مفر من الشعور باأللم
عند التقدم أو التقهقر .
هبت ريح باردة فأقشعر جسده رفع ياقت معطفه ثم نظر
لساعته فوجدها تشير إلى الساعة السابعة صباحا فدلف
لقد سار يومين متعاقبين ليس حماسة و إنما حسرة على
ما فاته هذا ما تراقص لحد الغثيان في وجدانه منذ أن
أخبره الطبيب أنه مصاب بمرض عضال ال شفاء منه .
في ذلك اليوم انقشع الضباب و لمح صورته ألول مرة
إنه السيد خالد صاحب الخمسين عاما من السجن
اإلجباري في أتون المفروض و خلف قضبان ثقافة العيب
كان وسيما على طريقة الفرسان القدامى شعره ناعم أسود
تتخلله شعيرات بيضاء ناصعة حول عظام فكه و بجانب
جدار عينيه الواسعتين كعين نمر نمت تجاعيد خفيفة
زادته بهاءا و تحت شفاهه الحمراء ترعرعت لحية
رمادية كأيامه
جلس في قاعة اإلنتظار بمفرده و بجانبه ذاته يتجاذبان
أطراف الوحدة و الحزن مفكرا في الالشئ الذي عرفه
في حياته الخاوية الموحشة هو الشاعر التائه في أبيات
العشق المنظومة لم يحب إمرأة من قبل إال فوق ورقة
بيضاء و لم يخفق قلبه قط إال من خالل قلم و لم يصارع
إال في قافية و لم يرفض واقعه إال بروى عاش حرب
أبجدية بال سالح و بال قعقعة سيوف كل ما في حياته كان
مسطرا بنفس الحبر الذي يخط به آمال قلبه المكتومة
زواجه التقليدي أفراحه أحزانه أفكاره المتوارثة إكتشف
بعد إنقشاع وهم الشباب الدائم ووهم الصحة التي ال تزول
أنه عاش حياة مجبرا عليها بإسم العادات و التقاليد و تحت
سطوة الخوف من المجتمع فكر حينها في زوجته المتوفاة
حديثا هل أجبرت هي كذلك على اإلصغاء مثله لثرثارت
اآلخرين ؟
كيف قضى حياته بدون حلم و ال خيال يتنفس فقط حتى
الشعر كان يكتبه خلسة عن والديه و ال ينشره لماذا ال
يدري سوى أنه جبان لطالما كانه
رفع بصره ينظر للمسافرين عل ضجيجهم ينسه فورانه
المحموم فلمح على يمينه فتاة ممشوقة عينها تنظران
للبعيد مغرورقتان بالدموع تنتظران قدوم األمل لتعانقه أو
ربما لتصفعه كان كل جزء منها ينادي إسوداد شعرها
الذي يرتفع كجنح خطيفة ثوبها األبيض الذي يحلق
كسرب يمام كاشفا عن نعومة قدميها ثوان تجمعت فيها
حواسه حولها اليدري تجسسا تلصصا أم أن نداءها
الصامت جذبه لإللتصاق بصورتها وكدبيب النمل فوق
حبات السكر خفق قلبه و ألمه الصدى ككهف إنشقت
صخوره لينبثق منه الماء هنيهات و عال صوت القطار
مخفيا كل ما حوله و تبخرت الفتاة كحلم جميل تري
أتشبهه أيشبهها أم أن روحها إنعكست على ذاته كلون
ثوب هندي ؟
وضع جسده على حافة الدرج الحديدي و صعد ما همه
وجهة القطار فقد حددت خالياه بوصلتها شعر برابط
غريب ربط بينهما و كأنهما تقابال في زمن ما وتدفق
الشعر سيوال ما علم أنها تسكنه و داهمه رحيق ساحر
جعله يتمني التغلغل في المجهول أن يعانق الشوارع
لتحدثه عن دموع أهلها و عن عدد القبوالت الصادقة و
الكاذبة المزروعة على الجدران عن األماني و األحالم و
عن تعب الحصول على لقمة العيش إشتهى أن يتوها في
األزقة المضيئة بضحكات الطفولة البريئة و بخطوات
أمل السائرين بحثا عن معنى لذواتهم و ألول مرة شعر
للحظة بأنه حي في المحطة األخيرة تجمع المسافرين
حول رجل خمسيني فارق الحياة معانقا ورقة كتبة فيها
قصيدة بعنوان لحظة و تدفقت من جثته رائحة الحياة.
*هتاف المسعودي
تونس
بالرجوع أو الدخول كأنه يسير حافي القدمين على حد
سكين كال طرفيها حاد قاطع ال مفر من الشعور باأللم
عند التقدم أو التقهقر .
هبت ريح باردة فأقشعر جسده رفع ياقت معطفه ثم نظر
لساعته فوجدها تشير إلى الساعة السابعة صباحا فدلف
لقد سار يومين متعاقبين ليس حماسة و إنما حسرة على
ما فاته هذا ما تراقص لحد الغثيان في وجدانه منذ أن
أخبره الطبيب أنه مصاب بمرض عضال ال شفاء منه .
في ذلك اليوم انقشع الضباب و لمح صورته ألول مرة
إنه السيد خالد صاحب الخمسين عاما من السجن
اإلجباري في أتون المفروض و خلف قضبان ثقافة العيب
كان وسيما على طريقة الفرسان القدامى شعره ناعم أسود
تتخلله شعيرات بيضاء ناصعة حول عظام فكه و بجانب
جدار عينيه الواسعتين كعين نمر نمت تجاعيد خفيفة
زادته بهاءا و تحت شفاهه الحمراء ترعرعت لحية
رمادية كأيامه
جلس في قاعة اإلنتظار بمفرده و بجانبه ذاته يتجاذبان
أطراف الوحدة و الحزن مفكرا في الالشئ الذي عرفه
في حياته الخاوية الموحشة هو الشاعر التائه في أبيات
العشق المنظومة لم يحب إمرأة من قبل إال فوق ورقة
بيضاء و لم يخفق قلبه قط إال من خالل قلم و لم يصارع
إال في قافية و لم يرفض واقعه إال بروى عاش حرب
أبجدية بال سالح و بال قعقعة سيوف كل ما في حياته كان
مسطرا بنفس الحبر الذي يخط به آمال قلبه المكتومة
زواجه التقليدي أفراحه أحزانه أفكاره المتوارثة إكتشف
بعد إنقشاع وهم الشباب الدائم ووهم الصحة التي ال تزول
أنه عاش حياة مجبرا عليها بإسم العادات و التقاليد و تحت
سطوة الخوف من المجتمع فكر حينها في زوجته المتوفاة
حديثا هل أجبرت هي كذلك على اإلصغاء مثله لثرثارت
اآلخرين ؟
كيف قضى حياته بدون حلم و ال خيال يتنفس فقط حتى
الشعر كان يكتبه خلسة عن والديه و ال ينشره لماذا ال
يدري سوى أنه جبان لطالما كانه
رفع بصره ينظر للمسافرين عل ضجيجهم ينسه فورانه
المحموم فلمح على يمينه فتاة ممشوقة عينها تنظران
للبعيد مغرورقتان بالدموع تنتظران قدوم األمل لتعانقه أو
ربما لتصفعه كان كل جزء منها ينادي إسوداد شعرها
الذي يرتفع كجنح خطيفة ثوبها األبيض الذي يحلق
كسرب يمام كاشفا عن نعومة قدميها ثوان تجمعت فيها
حواسه حولها اليدري تجسسا تلصصا أم أن نداءها
الصامت جذبه لإللتصاق بصورتها وكدبيب النمل فوق
حبات السكر خفق قلبه و ألمه الصدى ككهف إنشقت
صخوره لينبثق منه الماء هنيهات و عال صوت القطار
مخفيا كل ما حوله و تبخرت الفتاة كحلم جميل تري
أتشبهه أيشبهها أم أن روحها إنعكست على ذاته كلون
ثوب هندي ؟
وضع جسده على حافة الدرج الحديدي و صعد ما همه
وجهة القطار فقد حددت خالياه بوصلتها شعر برابط
غريب ربط بينهما و كأنهما تقابال في زمن ما وتدفق
الشعر سيوال ما علم أنها تسكنه و داهمه رحيق ساحر
جعله يتمني التغلغل في المجهول أن يعانق الشوارع
لتحدثه عن دموع أهلها و عن عدد القبوالت الصادقة و
الكاذبة المزروعة على الجدران عن األماني و األحالم و
عن تعب الحصول على لقمة العيش إشتهى أن يتوها في
األزقة المضيئة بضحكات الطفولة البريئة و بخطوات
أمل السائرين بحثا عن معنى لذواتهم و ألول مرة شعر
للحظة بأنه حي في المحطة األخيرة تجمع المسافرين
حول رجل خمسيني فارق الحياة معانقا ورقة كتبة فيها
قصيدة بعنوان لحظة و تدفقت من جثته رائحة الحياة.
*هتاف المسعودي
تونس
قصة جميلة أحسنت شكرا لكم دروب
ردحذف