تؤكد هذه المقالة أهمية التبصُّر في الفكر اللغوي القديم ومقاربته مع أنظار لسانية هادفة، وإقامة حوار معرفي وخطاب لغوي نافع، وتجاوز صراع الثورات اللسانية إلى بناء المعارف اللسانية المناسبة للتطورات الجوهرية في الحياة اليومية؛ ليهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيا من حيي عن بيِّنة.
إن اتِّباع هذه المعاينة يمكن أن يدفعنا إلى إنجاز ممارسة لسانية منظمة بآليات الوصف والتفسير ومراجعة المدونة الفصيحة؛ لذا سأحتفي بشطر لساني على صعيده الجغرافي مؤملًا النفس باستجلاء أبعاد في هذا السبيل، ولا أتردَّد في القول: إن أبا عمرو بن العلاء هو رائد الأطلس اللغوي الذي يندرج في اللسانيات
الجغرافية، وصنيعه شاهد بنفسه على مآثره بعد أن أقام مسحًا للبيئة اللسانية من موئلها الفصيح.
وحقيق بالالتفات أن أبا عمرو بن العلاء قد آثر الاهتمام باللغة وروايتها أكثر من اهتمامه بالتقعيد وبناء النظام، والذين معه على هذا الصنيع كأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والأصمعي كانوا حريصين على استكمال عقد المسموع بالاستقراء الجغرافي المحدود.
وإذن يترتب على المتقدم أن أرسم ملامح الأطلس اللغوي المعتمد من هؤلاء الثُّلَّة بالتقدير وبمتابعة الدارسين الذين عالجوا تلكم المحددات في التصنيف، والأمر ظاهر في الآتي على وجيز التخطيط:
وإذا تجاوزنا تفاصيل النظر في الخطاطة الجغرافية الفائتة، وتفحَّصنا مشهدها اللساني أمكن أن نُقيم مقاربةً مع أنظار اللسانيين الجغرافيين في وعي ثنائية المنطوق والمكتوب، ولقد نعلم أن أبا عمرو بن العلاء ومَن التزم هذا المنهج قد عاينوا تلكم الثنائية، وآثروا توثيق المنطوق ليسلم من بعد ذلك المكتوب (written language)، وابن جني على استحكام حدد اللغة بأنها: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، ليستقر في الدراسات اللسانية معالجة اللغة بنظامها المؤتلف من الرموز والعلامات؛ لغرض التواصل وبث الأفكار، ثم أتت الكتابة لتُشكِّل محاولة إنسانية للتعبير عن المنطوق.
هذه صنوف يُزيِّنها التأمُّل، ويبسطها البحث وصواب الإشارة من لسانيات جغرافية تتحرَّى في الفضاء الكوني المرتكزات الآتية:
♦ المنطوق ناقل للتحوُّلات الصوتية المؤثرة في بناء الألفاظ ودلالتها، وهو المسجل للخصائص الكلامية في البيئات اللسانية التي يجمعها أصل واحد أو تفترق في أصولها.
♦ النظام المسموع موجود في الأذهان على مرِّ الأزمان، وإن اكتساب اللغة الأم منحةٌ لا تخلو من محنة يحددها ثلاثي الحواس: السمع، والبصر، والفؤاد، ولنا في قول العزيز الوهَّاب ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الملك: 23].
♦ التركيز على ترابط معرفي لما سمعناه مقرونًا بالمشاهدة ـــ كما صنع أسلافنا الرواة ـــــ ومسددًا بنظام الكتابة يفضي إلى ثقافة لسانية عن الأمصار، ولا يخلو من إسهام في التعليم والفهم والإدراك.
♦ في أفق بعض الأنظار اللسانية المعاصرة يتم اختزال اللغة في مكونها المنطوق ـــ المسموع، لصياغة تصوُّر للغة المكتوبة، واستظهار طبيعة الوحدات وعلاقاتها ومؤثِّراتها.
♦ ولا نعدم وجهًا من التقريب اللساني على مستوى الأصوات في تتبُّع الفونيمات والسمات والتطريزات انتهاء إلى رسم الحروف وعلامات الترقيم.
♦ ولنا في ختامها معاينة البحث الاستقرائي للبنى والعلاقات والنسج الأسلوبي وصولًا لتصوُّر لساني دقيق.
وبعد، وإنْ أدري لعل هذا الاستدلال الناظر لصوابية الإلهام عند أبي عمر بن العلاء ومن في دائرة هذا النظام يأتي متناغمًا مع الدرس اللساني وصناعة الإبداع.
*د. معمر العاني
إن اتِّباع هذه المعاينة يمكن أن يدفعنا إلى إنجاز ممارسة لسانية منظمة بآليات الوصف والتفسير ومراجعة المدونة الفصيحة؛ لذا سأحتفي بشطر لساني على صعيده الجغرافي مؤملًا النفس باستجلاء أبعاد في هذا السبيل، ولا أتردَّد في القول: إن أبا عمرو بن العلاء هو رائد الأطلس اللغوي الذي يندرج في اللسانيات
الجغرافية، وصنيعه شاهد بنفسه على مآثره بعد أن أقام مسحًا للبيئة اللسانية من موئلها الفصيح.
وحقيق بالالتفات أن أبا عمرو بن العلاء قد آثر الاهتمام باللغة وروايتها أكثر من اهتمامه بالتقعيد وبناء النظام، والذين معه على هذا الصنيع كأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والأصمعي كانوا حريصين على استكمال عقد المسموع بالاستقراء الجغرافي المحدود.
وإذن يترتب على المتقدم أن أرسم ملامح الأطلس اللغوي المعتمد من هؤلاء الثُّلَّة بالتقدير وبمتابعة الدارسين الذين عالجوا تلكم المحددات في التصنيف، والأمر ظاهر في الآتي على وجيز التخطيط:
وإذا تجاوزنا تفاصيل النظر في الخطاطة الجغرافية الفائتة، وتفحَّصنا مشهدها اللساني أمكن أن نُقيم مقاربةً مع أنظار اللسانيين الجغرافيين في وعي ثنائية المنطوق والمكتوب، ولقد نعلم أن أبا عمرو بن العلاء ومَن التزم هذا المنهج قد عاينوا تلكم الثنائية، وآثروا توثيق المنطوق ليسلم من بعد ذلك المكتوب (written language)، وابن جني على استحكام حدد اللغة بأنها: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، ليستقر في الدراسات اللسانية معالجة اللغة بنظامها المؤتلف من الرموز والعلامات؛ لغرض التواصل وبث الأفكار، ثم أتت الكتابة لتُشكِّل محاولة إنسانية للتعبير عن المنطوق.
هذه صنوف يُزيِّنها التأمُّل، ويبسطها البحث وصواب الإشارة من لسانيات جغرافية تتحرَّى في الفضاء الكوني المرتكزات الآتية:
♦ المنطوق ناقل للتحوُّلات الصوتية المؤثرة في بناء الألفاظ ودلالتها، وهو المسجل للخصائص الكلامية في البيئات اللسانية التي يجمعها أصل واحد أو تفترق في أصولها.
♦ النظام المسموع موجود في الأذهان على مرِّ الأزمان، وإن اكتساب اللغة الأم منحةٌ لا تخلو من محنة يحددها ثلاثي الحواس: السمع، والبصر، والفؤاد، ولنا في قول العزيز الوهَّاب ﴿ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الملك: 23].
♦ التركيز على ترابط معرفي لما سمعناه مقرونًا بالمشاهدة ـــ كما صنع أسلافنا الرواة ـــــ ومسددًا بنظام الكتابة يفضي إلى ثقافة لسانية عن الأمصار، ولا يخلو من إسهام في التعليم والفهم والإدراك.
♦ في أفق بعض الأنظار اللسانية المعاصرة يتم اختزال اللغة في مكونها المنطوق ـــ المسموع، لصياغة تصوُّر للغة المكتوبة، واستظهار طبيعة الوحدات وعلاقاتها ومؤثِّراتها.
♦ ولا نعدم وجهًا من التقريب اللساني على مستوى الأصوات في تتبُّع الفونيمات والسمات والتطريزات انتهاء إلى رسم الحروف وعلامات الترقيم.
♦ ولنا في ختامها معاينة البحث الاستقرائي للبنى والعلاقات والنسج الأسلوبي وصولًا لتصوُّر لساني دقيق.
وبعد، وإنْ أدري لعل هذا الاستدلال الناظر لصوابية الإلهام عند أبي عمر بن العلاء ومن في دائرة هذا النظام يأتي متناغمًا مع الدرس اللساني وصناعة الإبداع.
*د. معمر العاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.