وقف الشيخ العائد من أرض الغربة .. يتوكأ على عصاه النحاسية .. يرتدي ثياباً فارهة داكنة اللون .. جاحظ العينين .. مقروض الوجنتين .. وقد عجل الشيب إليه ..
قال الشيخ العائد يحدث نفسه .. ذات لقاء : قالت :
ــ الطريق محفوف بالمخاطر .. وأن تلك الصخرة سوف تجلس ـ يتيمة ـ كل مساء ..
يدنوا الشيخ العائد .. يتلمس ذكريات المكان .. يقلب كفيه السمراوين , الناتئتين .. تغلبه زفرة .. ثم يجهش بالبكاء .. يجلس الشيخ على الصخرة .. ليكمل حديث النفس الموصول عبر سنين
الغربة .. وكيف مضت وهو لا يدري.. كم لبث من السنين في جمع المال من أجلها , لا بل من أجل أبيها , ذلك الرجل الجشع .. فهو لن ينسى أبداً تلك اللحظة وذلك اليوم حين تقدم ليخطبها منة , فرفضه لفقره .. ولن ينسى أيضاً .. حين كسر أباها الفظ غليظ القلب , ذراعها العاج , وأسكنه الجبس .. حين احتجت , ورفضت ابن العم ذلك المعتوه .. حينها طار في الهواء .. ليحط في بلد بعيدة .. لا تعرف غير لغة الأرقام الجامدة , المتحجرة , والمتجردة من كل عاطفة .. ليجمع كل المال .. ثم ليرجع ليسد فم أبيها .. ويشتري منه حلمه الوحيد ...
وكان يراسلها كثيراً يصبرها , ويذكرها بحبهما التليد .. لكن أباها " لا سامحه الله " أجبرها على ذلك المعتوه .. هكذا قالت له في أخر خطاب ..
فجأة .. وقف الشيخ العائد من الغربة مشدوهاً .. وهو لا يكاد يصدق عينيه .. كبث يديه في جفنيه .. نبتت بسمة عريضة من بين شفتيه .. وأخذ يردد في دهشة
ــ هـــ ي ... نعم .. أ...أ...أنتِ ... ؟ ! .
ــ حـ نـ ا ن ..
ـــ غير معقول ..؟
ــ أنا كل يوم هنا .. !
ــ أنتِ كيف حالكِ ..؟
ـــ مات أبي وزوجي ..!
ـــ ما هذا عنيت .. بل أنتِ كيف حالك ..؟
ـــ وحيدة كما ترى ... انتظرك ... وأنت ..؟
ـــ شيخ عائد من أرض الغربة ... !
تمد يدها لتمسك بيديه , يقبلها بحنو .. تنحدر الدموع ساخنة .. من عينيها النجلاوين .. يمد يده ليمسح حزن الأيام والليالي .. من فوق جبينها الأشقر .. فتقبل يده في صمت .. شعر بشفاهها المحددة , المقددة .. ترتجف .. ينظر في عينيها .. برهة من الزمن .. فيصمت كل شيء من حولهما .. وتهب نسمة هواء شتوية .. يلتطم موج البحر بالصخرة.. يقفَّز الشيخ ثيابه .. يسعل .. يتهاوى..بينما طيور النورس تقبل وجه البحر.. يقف الشيخ في وهن .. يتوكأ على عصاه النحاسية .. تدنو منه تسأله .. وقد أمسكت بيده :
ــ وأنت .. كيف حالك ...؟ا
يبتعد عنها مسافة .. بخطوات ثقيلة , بطيئة .. يطوح بيده في الهواء .. ثم يستدير نحوها بوجهه .. فلا يجدها أمامه .. يتحشرج صوته وهو يتمتم :
ـــ شيخ عائد من أرض الغربة ... !!!
*****
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر
من مجموعتي الأولى " دخان الشتاء "
قال الشيخ العائد يحدث نفسه .. ذات لقاء : قالت :
ــ الطريق محفوف بالمخاطر .. وأن تلك الصخرة سوف تجلس ـ يتيمة ـ كل مساء ..
يدنوا الشيخ العائد .. يتلمس ذكريات المكان .. يقلب كفيه السمراوين , الناتئتين .. تغلبه زفرة .. ثم يجهش بالبكاء .. يجلس الشيخ على الصخرة .. ليكمل حديث النفس الموصول عبر سنين
الغربة .. وكيف مضت وهو لا يدري.. كم لبث من السنين في جمع المال من أجلها , لا بل من أجل أبيها , ذلك الرجل الجشع .. فهو لن ينسى أبداً تلك اللحظة وذلك اليوم حين تقدم ليخطبها منة , فرفضه لفقره .. ولن ينسى أيضاً .. حين كسر أباها الفظ غليظ القلب , ذراعها العاج , وأسكنه الجبس .. حين احتجت , ورفضت ابن العم ذلك المعتوه .. حينها طار في الهواء .. ليحط في بلد بعيدة .. لا تعرف غير لغة الأرقام الجامدة , المتحجرة , والمتجردة من كل عاطفة .. ليجمع كل المال .. ثم ليرجع ليسد فم أبيها .. ويشتري منه حلمه الوحيد ...
وكان يراسلها كثيراً يصبرها , ويذكرها بحبهما التليد .. لكن أباها " لا سامحه الله " أجبرها على ذلك المعتوه .. هكذا قالت له في أخر خطاب ..
فجأة .. وقف الشيخ العائد من الغربة مشدوهاً .. وهو لا يكاد يصدق عينيه .. كبث يديه في جفنيه .. نبتت بسمة عريضة من بين شفتيه .. وأخذ يردد في دهشة
ــ هـــ ي ... نعم .. أ...أ...أنتِ ... ؟ ! .
ــ حـ نـ ا ن ..
ـــ غير معقول ..؟
ــ أنا كل يوم هنا .. !
ــ أنتِ كيف حالكِ ..؟
ـــ مات أبي وزوجي ..!
ـــ ما هذا عنيت .. بل أنتِ كيف حالك ..؟
ـــ وحيدة كما ترى ... انتظرك ... وأنت ..؟
ـــ شيخ عائد من أرض الغربة ... !
تمد يدها لتمسك بيديه , يقبلها بحنو .. تنحدر الدموع ساخنة .. من عينيها النجلاوين .. يمد يده ليمسح حزن الأيام والليالي .. من فوق جبينها الأشقر .. فتقبل يده في صمت .. شعر بشفاهها المحددة , المقددة .. ترتجف .. ينظر في عينيها .. برهة من الزمن .. فيصمت كل شيء من حولهما .. وتهب نسمة هواء شتوية .. يلتطم موج البحر بالصخرة.. يقفَّز الشيخ ثيابه .. يسعل .. يتهاوى..بينما طيور النورس تقبل وجه البحر.. يقف الشيخ في وهن .. يتوكأ على عصاه النحاسية .. تدنو منه تسأله .. وقد أمسكت بيده :
ــ وأنت .. كيف حالك ...؟ا
يبتعد عنها مسافة .. بخطوات ثقيلة , بطيئة .. يطوح بيده في الهواء .. ثم يستدير نحوها بوجهه .. فلا يجدها أمامه .. يتحشرج صوته وهو يتمتم :
ـــ شيخ عائد من أرض الغربة ... !!!
*****
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر
من مجموعتي الأولى " دخان الشتاء "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.