الصفحات

رحيــل ــ قصة قصيرة ..** راويـة يوسفـي

جالتْ عينا حبيبته أرجـاء الغرفـة، مظلمـة، كئيبـة، لا حيـاة فيها، تنبعث منها رائحـة سمك البارحـة، وجواربُ الأنيقِ السوداءُ كلها في سلَّة بلاستيكية، يغسلهـا جميعًا في عطلة الأسبـوع. الحيطـانُ سودٌ، نـالَ الوسخُ من بيـاضها، والضوءُ خافتٌ، مرهفٌ، مثل مشاعـرِ صاحبـه.
اقتربَ منهَا، وعلى وجههِ علاماتُ الخيبةِ : " لم تعجبكِ الغرفة، أليس كذلك؟!". أحنتْ رقبتهَا قليلا نحو جسدها، تريدُ أن تجيبَ ؛ أي نعمْ، لكنها لم تفعـل. ثم سألها على سبيل المزاح: "طبعا، لن تقبل الأميرةُ العيشَ في غرفةٍ كل شيء فيها مظلمٌ .. كأنها زنزانة !".

أخذت تعض بسنها على طرف شفاهـها، وتشبكُ أصابع يديها، يُقْرِضُ قلبُـها العقلَ صبرًا، ثم أمسكت بيديها الناعمتين قارورة الماءِ، علّهـا تلوذ من الجواب عطشًا .. قاطعها : " لا هذا .. " وبارتباكٍ شديد أتم حديثه : " عبأته من الصنبور،، ". ثم أخذ يتحركُ مثل أحمقٍ، ينتظرُ بشرى ولادة طفلـه، وهو يقول : " لحظة، سأحضرُ لك مياهً معدنية ،، الدكـانُ في أوَّلِ الشـارع، لن أتأخَّر على أيـة حـال ". تلكَ الغصة التي كانت تخنقهـا في حضوره، أصبحت تلامسُ عينيها بريقا دامعًا، وقت انصرافه .
وضعت يسراهَا على فمها، كأنَّها تسكتُ صرخة. مدت يدهـا نحو كتبه، لتستعيرَ ورقةً من بينها، وأخرجتْ قلمًا من حقيبتها، وكتبت بخط رفيع :
( كل شيءٍ في الغرفة مظلـم .. إلاَّ قلبـك .
توقفت برهـة عن الكتابة، ثم أكملت من بداية السطر :
غدا امتحانُ الفلسفـة، راجـع { الأستاطيقـا }، إيـَّاك أن تنسى
رحيـل ).

بقلـم : راويـة يوسفـي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.