مقاهي لاحصر لها ولا حدود لأعدادها .. تنبت كالفطر هنا وهناك وربما قد تقام على أنقاض فضاءات عامة كان من الأجدى أن تبقى ناهضة على قيد الحياة مثل دكاكين بيع
الكتب ومتاجر الألبسة وغيرهما .. فلماذا أضحت مقاهينا تعج بالزبناء لا فرق بين عاطل وعامل بين سمسار ومخبر وبين مريض نفسي هاوي لملاحقة النساء بطلقات النظرات وبين والد هارب من معارك البيت .
الجلوس في المقهى ليس ثقافة جديدة على المجتمع المغربي ... فقد تطورت المقهى في شكلها ووظيفتها مع تطور المجتمع وتطور ممارسات وأنشطة الفرد فيه .
قديما كان المقهى عبارة عن فضاء واطئ لا يوجد به سوى حصير يجلس عليه الزبناء وتوجد في ركن ما معدات الشاي من كؤوس وبراريد ومجامر وربطات النعناع ورابوز لإذكاء نار الجمرات .. كان يقصده حرفيو الصناعات التقليدية ليدردشوا في قضايا ورشاتهم وحركات تجارتهم وليتوجوا هذه الدردشات بتدخين غلايين السبسي فيما بينهم .. يتبادلون نكهاتها وعبقها .. كل زبون يعبئ سبسيه ويتقاسمه مع جلسائه وهكذا تطوف أعواد السبسي يمنة ويسرة وفي كل الاتجاهات في نشوة رائقة مشفوعة بأصوات رشفات كؤوس الشاي المنعنع إلى أن يؤذن المؤذن لصلاة المغرب حيث يغادر الزبناء المقهى إلى المسجد ومنه إلى بيوتهم .
وعرفت مقاهينا تطورا لافتا مع دخول الاستعمار الفرنسي وتحول الحصير إلى طاولات تحفها كراسي وكونتوار طويل تحاذيه كراسي طويلة تسمى عند العامة (طابوري) يجلس عليها زبناء مميزين ليدردشوا مع الندلاء والمستخدمين في قضايا مختلفة .
واستمر فضاء المقهى يؤدي وظيفة الترويح عن النفس بالنسبة للرجال من دون النساء إلا فيما ندر إلى مطلع السبعينات حيث أصبحت فضاءا مفضلا لعمال المعامل المجاورة وطلاب الجامعات حيث كانت تعقد بها حلقات لمناقشة الأطاريح والبحوث وأوضاع الجامعة ونضالاتها في زمن عرف فيه المغرب صراعا إديولوجيا بين القوى التقليدية وقوى الفكر الثوري الماركسي .
ويمكن القول أن فضاء المقهى عرف منذ أواخر التسعينات تطورا لافتا في الهندسة والخدمات تم إستيحاء ثقافتها من المقاهي الأوروبية فعلاوة على أدوارها التقليدية لضرب المواعيد بين العمال والطلاب فقد أضحت أيضا فضاء لمطالعة الصحف والجرائد ومشاهدة الأفلام ومباريات كرة القدم وتناول وجبات الفطور الشهية ..إلخ
لكن رغم كل هذا الدور الاجتماعي باعتبار المقهى فسحة لاستنشاق أوكسجين الترويح عن النفس وتناسي هموم البيت والعمل فلا يمكننا إغفال دورها السلبي في الخمول والكسل والشعور بالتواكل وإغناء ثقافة النميمة وحماية السماسرة والنصابين بين جدرانها ... فمامن شك أن عديدا من الأمراض العصرية التي ظهرت مؤخرا في مجتمعنا هي ناتجة عن آفة الجلوس الطويل في المقاهي بدل المشي لحرق السكريات والذهون .. لقد بات المقهى عند كثير من الزبناء فضاء للتيه الذهني الذي قد يؤدي إلى فقدان بوصلة الذات من الوعي بأهمية الوقت المقتطع من العمر الذي يذهب هباء منثورا على كرسي المقهى ..
فمتى سيصبح المقهى مقهى حضاري وعصري وفق الثقافة الغربية مكانا للمطالعة ومحطة للالتقاط النفس وليس لمضيعة النفس ؟
* عبده حقي
الكتب ومتاجر الألبسة وغيرهما .. فلماذا أضحت مقاهينا تعج بالزبناء لا فرق بين عاطل وعامل بين سمسار ومخبر وبين مريض نفسي هاوي لملاحقة النساء بطلقات النظرات وبين والد هارب من معارك البيت .
الجلوس في المقهى ليس ثقافة جديدة على المجتمع المغربي ... فقد تطورت المقهى في شكلها ووظيفتها مع تطور المجتمع وتطور ممارسات وأنشطة الفرد فيه .
قديما كان المقهى عبارة عن فضاء واطئ لا يوجد به سوى حصير يجلس عليه الزبناء وتوجد في ركن ما معدات الشاي من كؤوس وبراريد ومجامر وربطات النعناع ورابوز لإذكاء نار الجمرات .. كان يقصده حرفيو الصناعات التقليدية ليدردشوا في قضايا ورشاتهم وحركات تجارتهم وليتوجوا هذه الدردشات بتدخين غلايين السبسي فيما بينهم .. يتبادلون نكهاتها وعبقها .. كل زبون يعبئ سبسيه ويتقاسمه مع جلسائه وهكذا تطوف أعواد السبسي يمنة ويسرة وفي كل الاتجاهات في نشوة رائقة مشفوعة بأصوات رشفات كؤوس الشاي المنعنع إلى أن يؤذن المؤذن لصلاة المغرب حيث يغادر الزبناء المقهى إلى المسجد ومنه إلى بيوتهم .
وعرفت مقاهينا تطورا لافتا مع دخول الاستعمار الفرنسي وتحول الحصير إلى طاولات تحفها كراسي وكونتوار طويل تحاذيه كراسي طويلة تسمى عند العامة (طابوري) يجلس عليها زبناء مميزين ليدردشوا مع الندلاء والمستخدمين في قضايا مختلفة .
واستمر فضاء المقهى يؤدي وظيفة الترويح عن النفس بالنسبة للرجال من دون النساء إلا فيما ندر إلى مطلع السبعينات حيث أصبحت فضاءا مفضلا لعمال المعامل المجاورة وطلاب الجامعات حيث كانت تعقد بها حلقات لمناقشة الأطاريح والبحوث وأوضاع الجامعة ونضالاتها في زمن عرف فيه المغرب صراعا إديولوجيا بين القوى التقليدية وقوى الفكر الثوري الماركسي .
ويمكن القول أن فضاء المقهى عرف منذ أواخر التسعينات تطورا لافتا في الهندسة والخدمات تم إستيحاء ثقافتها من المقاهي الأوروبية فعلاوة على أدوارها التقليدية لضرب المواعيد بين العمال والطلاب فقد أضحت أيضا فضاء لمطالعة الصحف والجرائد ومشاهدة الأفلام ومباريات كرة القدم وتناول وجبات الفطور الشهية ..إلخ
لكن رغم كل هذا الدور الاجتماعي باعتبار المقهى فسحة لاستنشاق أوكسجين الترويح عن النفس وتناسي هموم البيت والعمل فلا يمكننا إغفال دورها السلبي في الخمول والكسل والشعور بالتواكل وإغناء ثقافة النميمة وحماية السماسرة والنصابين بين جدرانها ... فمامن شك أن عديدا من الأمراض العصرية التي ظهرت مؤخرا في مجتمعنا هي ناتجة عن آفة الجلوس الطويل في المقاهي بدل المشي لحرق السكريات والذهون .. لقد بات المقهى عند كثير من الزبناء فضاء للتيه الذهني الذي قد يؤدي إلى فقدان بوصلة الذات من الوعي بأهمية الوقت المقتطع من العمر الذي يذهب هباء منثورا على كرسي المقهى ..
فمتى سيصبح المقهى مقهى حضاري وعصري وفق الثقافة الغربية مكانا للمطالعة ومحطة للالتقاط النفس وليس لمضيعة النفس ؟
* عبده حقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.