الصفحات

في عيادة الطبيب النفسي...** بقلم خديجة غزيل ــ تونس

المرة الأولى التي زرت فيها الطّبيب النفسي، كان ذلك بدافع الفضول ولأسباب نرجسية جدا من بينها إرضاء خيالي ورغبتي الدفينة القديمة في زيارته.
كان طويلا وسيما كما تخيلت منذ صغري وكانت عيناه تشع بذكاء وغموض حسبتني فككت شفراته حتى أني كذبت عليه في كل شيء قلته.
كنت أضحك و أقول في قرارة نفسي برافو خديجة فعلتها و انطلى عليه كل شيء. كانت لحظة تعاظم وتضخم لذاتي أو ما كنت أظنها ذاتي.

في غضون خمسة أيام وجدتني بإرادتي ومن دون موعد أمامه مرة أخرى.
كنت غاضبة لأنني أفشلت التجربة. ثم ذات صباح باكر حملت نفسي وعقلي وجسمي ورميت بي في الميترو. صافحتُ عقلي وعاهدت نفسي أن أكون صادقة هذه المرة.

لم يستغرب الطبيب عودتي ولم يسألني حتى ما بي.
ما بي؟
لا شيء!
كما الآن

هل يصلح هذا المكان كمنديل شفاف أمسح فيه أفكاري السمجة والمرهِقة؟
أنا التي دوما أحاول أن أتخفى فلا تدركني الكلمة.
أعرف أنني لن ألتحق بموكب الكلمة حتى أنزل عارية وأسبح في النهر الآسن من دون أن أتأمل صورتي المقدسة في الماء من دون أن أشيح بنظري عن جثثي الراكدة في قاع النهر.
كل شيء متعفن هنا حتى روحي أصابها شيء يشبه الاكتئاب. شيء من لوثة الشعور يلقي بالدخان الكثيف على صدري فلا أتنفس.

تأتي سمكة نابليون قبيحة من القاع وتسحبني معها. وأنا من دون أفكاري حتما رأتني حمراء متوهجة بالدم القاني فظنت أنني شعبة مرجان. سرعان ما ستفلتني وتنكرني إذا ما بدأت بالتلوّن. سيصطبغ لوني بألوان لا وعيي وخيالي سيكون مُشِطّا وأنا عارية.
لكنني مازال بحوزتي رصاصات أخفيتها عن عيني و عن عين وعيي الرقيب. ثلاث رصاصاتٍ صديقة ألفتها منذ الصغر.
رأسي ثقيل وهذه الأفكار تدور كمحرك سيارة أبي السيتروان الكلاسيكية.
خردة هكذا كنا نسميها بلا قلب حتى صار لنا قلب وكاشفنا غطاء ما هو جميل.

كل قطع الغيار أضحت بالية. وهذا الماء الذي يحيط بي أخشى ما أخشاه أن يعطل المروحة فتتوقف عن الدوران.
كل شيء يدور…

أرجوكم هلاّ توقّفتم!

*خديجة غزيل
 تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.