الصفحات

ديوان "نزف اليمام" للشاعرة المغربية نعيمة حسكة: نزيف متواصل للأحلام والآلام وتأملات فكرية بقلم مجدالدين سعودي

الباب الأول

1 برولوغ بطعم اليمام:
نعيمة حسكة…
هي خنساء الشعر المغربي…
ذات تنزف شعرا وألما، لكنها تحول الأحزان والآلام الى ابداعات حقيقية…
تجيد التعبير وتستخدم صورا شعرية عميقة..
هادئة…
متزنة…
كثيرة الصمت والتأمل..

لها وجه طفولي، وأحلامها –كل أحلامها- أن تكتب ألف قصيدة،ثم تعانق دواوينها القادمة…


2 في السيرة الذاتية للشاعرة:

نعيمة حسكة:
مستوى جامعي
كلية الآداب والعلوم الانسانية بالجديدة
فاعلة جمعوية بطنجة
نائب الكاتب العام بجمعية الصوت الحي بطنجة ورئيسة اللجنة الثقافية بها
تم تكريمها من طرف عدة جمعيات
شاركت بعدة أنشطة ثقافية بمختلف مدن المغرب
نشرت بعدة جرائد الكترونية وورقية مغربية ودولية
صدر لها ديوان (نزف اليمام) سنة 2018

3 اصدار شعري بطعم اليمام:

صدر للشاعرة نعيمة حسكة ديوان شعري سنة 2018،يضم 54 قصيدة قصيرة تتنوع تيماتها ،والتقديم كان للناقد الميلودي الوريدي الذي قال في خاتمة تقديمه لهذا الديوان :(وخلاصة القول أن النهج الذي ارتأت الشاعرة نعيمة حسكة بناء شعرية قصيدها عليه يقوم على المزج بين اللغة بدلالتها- اللغوية والموسيقية – وبين الخيال الذي يجمع بين عناصر التشبيهات والاستعارات والطباقات…وهو أيضا مزج تكويني بين الجمالية والوظيفية لانتاج صورة متفاعلة ومؤثرة…وكأنها –الشاعرة- كان ديدنها القصدي اثبات مقولة الدكتور عزالدين اسماعيل بأن : (الانسان لم يعرف السحر الا يوم أدرك قوة الكلمة ، ولم يعرف الشعر الا يوم أدرك قوة السحر)…. الصفحة 6).

4 في الغلاف:

يقول الميلودي الوريدي في تقديمه لديوان (نزف اليمام) متحدثا على العتبة الغلافية:
(وبالرجوع الى المتن الشعري الموسوم ب –نزف اليمام- للشاعرة نعيمة حسكة،ومنذ العتبة الغلافية تطالعنا الصورة الشعرية التي تحققها العتبة سواء لفظا أو احالة،فالواضح أن التركيب الاضافي الموجز يرسم بأقل عدد من الأحرف والأصوات صورة أيقونية غنية في أنساقها المرجعية والتناصية تعمل هي الأخرى على تفجير صور مخيالية وهذه المرة في ذهن المتلقي..بحيث يستطيع القارئ المزج بين –النزف- كمنبع انساني للصورة و-اليمام- كمنبع كوني خارجي لها في صور توالدية غاية في الانزياح والمغايرة ..ولعمري أن هذا ما يميز اللغة الشعرية عن غيرها من الملفوظات….. ص 4).
(نزف اليمام) هو باختصار نزيف لمسيرة ابداعية لشاعرة تكتب بالدم والدموع، لذات شاعرة تبحر بنا في متون الآلام والأشجان، حياة مسيجة بالأشواك والأشجان الشيء الذي جعل هذا اليمام ينزف ألما وشعرا وفكرا…

الباب الثاني

1 في الأوجاع والجراح:

في الأوجاع:

نعيمة حسكة هي شاعرة الأحزان بامتياز بصفة عامة، فالأوجاع متناثرة في كل قصائد الديوان والجراح ممتدة من البداية الى النهاية…في قصيدة (خاطرة) تتكلم الأوجاع بلسان الشاعرة أو الشاعرة تتكلم بلسان الأوجاع قائلة:
(ملحمة فراغ
يكتظ الفراغ…
السنة الثامنة بعد الأربعين…
وحوش السعال تهرول…
والباقون موتى يعبرون…
بأقدارهم ينظرون…
أفواه مشدوهة…
ظلوا يحلمون…
وما زالوا يحلمون…
ذاكرتهك مشوهة…
يعبرون الرحيل… الصفحة 82)
وكذلك:
(حين يكتظ الفراغ بالألم في القلوب أماه…
تصم الآذان وتبكم الأفواه…
تنمو خفافيش الظلام…
تحتضن الأوهام…
تدوس مضاجع البؤس…
تحتل مناصب الهيام…
تحرم النور…
تحلل سبائك الغرور…
لا فرح لا أحلام…
يكفيكم الضجر المآسي والاعدام… الصفحة 83)
يحضر أيوب –الصبر، فتناجيه الذات الشاعرة في ومضة شعرية بعنوان (يا أيوب) قائلة:
(لا تمدد مخاض الأسفار
مد يدك وامسح عن الأرض بوادر السقم
فربما تمتد يد الرحمة لأوكاري
وبرداء السماء يغطى الجسد العاري
يشقق الصدى
فتنهمر على المروج أمطاري
وبمشيئة الياسمين قد تزهر أقداري. الصفحة 18)
بلغة موجعة، تعترف الذات الشاعرة في قصيدة (هروب الكلمات) قائلة:
(خيمة بلا ركائز.. قصيدة بلا مشاعر
ما أصعب الخواء…
ما أتفه الجفاء
ما أقسى الانحناء الصفحة 71)
يحضر الغياب بطريقة أخرى في قصيدة (هذا الطريق):
(ما انتقيت يوما هذا الطريق
لكنه تراءى لي من بعيد يراقص الأقحوان
حين رسمني الزمن طوقا في جيد عشق مبهم
أتوسد ذراع غياب يسكن حافة المساء الصفحة 31)

في الجراح:

هي جراح تدمي القلب وتجعل الذات الشاعرة، فاعلة ومتفاعلة، موجودة، مهمومة…
تقول الذات المجروحة في قصيدة (جرح متوحش):
(لنكفكف الجرح المستوحش في غياهب الجب
خبرنا الليل الطويل عنه
حين صار أصابع ناطقة
تعزف على الوتر الحساس
قاب قوسين أو أدنى من نغمة ألفناها
تسافر بنا عبر مدارات ذاكرة صماء ص21)
بينما في قصيدة (لا تسائل القدر) تعترف بطول مسافة الجرح:
(حين اختارتني أجنحة الشوق تعشق التحليق في أفق ملائكي
وأنا محمولة على أسنة رماح الأسقام
كانت مسافة الساعات طويلة
وأنا أمشي على رمشي الى نعشي
يدك الباردة على جبيني…هديل حمام
تعبرني ابتسامتك تداعب حب طفولة صاخبة ص30)
الذات المجروحة ترى بصمات الخريف في كل أرجاء الوطن، وهذا ما تشير اليه في قصيدة:(استوطن أرضنا الخريف):
(عيونك ما عادت تحكي قصة أمسنا الوضاء
ولا عدت كما كنت
استوطن أرضنا الخريف…وهذا العناء
داس على الحدائق بغباء
كيف تمرنت على لغة
بللت حروفها الشتاء ص42)
وتواصل نوستالجيا البحث عن أب، فتناجيه في قصيدة (مد يدك أبي) قائلة:
(هل العيد أبي…
مد يدك…
شرع أبواب القلب
وانفض عن الروح خيوط العنكبوت
مد يدك من باب المقبرة
أزح هذا الخشب المهترئ
عن ليل بلا قرار ص73)
وتواصل بشوق:
(اشتقتك أبي
تحضر لي حلوى العيد
افتقدتك…
حدقة تحرس عرشا سريا
تزين أصابع البحر
وترفع راية السلام. ص73)
الغربة جرح لا يندمل، تقول في قصيدة (ضجيج اغتراب):
(يدق الريح الأبواب
السهاد ملجأ الأوجاع
يستيقظ الجرح فينا
حبا في النشيد الأخير
الشهوة وطن منبوذ
والأجساد انتماء ص100)
وكذلك:
(الحياة منفى القلوب
وعيون القمر نشوة
تبحر على خارطة الدروب
نخلة الجرح
أغنية مساء مسافر
جدول منسي
بين طيات الأرق ص 100)

2 في الغربة والغياب:

في الغربة:

أقسى غربة هي غربة الوطن، فيتحول الانسان الى غابات الشجن ويعيش السجن، وتخاطب الشاعرة غريب الديار في قصيدة (أيا غريب الديار) قائلة:
(هذه المنافي تدق أبواب وجع الجرح المنبوذ لأجساد بلا انتماء
وأنا أناجيك قمرا يتهادى على كف الحنين
عشقا سرمديا يغزل خرافة العمر
صبابة اغتالتها الليالي خلف متاهات الهجر
حين يقتلني هجرك المسافر عبر كل رحيل
وأنا أحمل قلبي على كفي
داخل دائرة اغتراب ص 32)
وللشوق نصيب في هذه الغربة:
(أيا غريب الديار
اشتقت رؤية صباي في عيونك
يسير بين أزقة من بقايا مدينتي الحبلى بالمتاهات
ما كنت حاضرا حين أجهضت جرحي الثائر
وحين أتى المساء يزرع أمنية بسعة الكون
اشتهيت ضحكة راقصة في عينيك المنفيتين خارج الديار
خلف أسرة مقابر الزمان
وأنت تعبرني صدى وجع تملأ صدره ذكرانا البعيدة ص 37)
وتواصل بنفس الأسلوب والطريقة في قصيدتها (غريب الديار) اذ تناجيه قائلة:
(أيا غريب الديار
اشتقت رؤية صباي في عيونك ص 40)
وفي قصيدة (التقينا غريبين) تتحدث عن التقاء غريبين قائلة:
(التقينا غريبين
وهكذا عدنا
ما عدت أهلا للعتاب
بلغ السيل الزبى
وجهي مرآة للغياب
ووجهك مأله اللهب
حين أغويتني
بكؤوس الألم أثملتني ص 111)

في الغياب

للبعد قساوة الحياة…
في قصيدة (رغم البعد) تقول:
(أرى الصبا يلف الغموض التائه في نظراتك
يلمع بين همساتك رغم البعد
ما كانت تستهويك لغة العتاب
بسمتك دوما بلسم لعثرات الليالي القاحلة
موسيقاك الهادئة تعدل مزاجي
كلما تذكرت شدو العصافير
تلك التي عزفت لنا كل المساءات الآفلة الصفحة 7)
ونلاحظ في ديوان (نزف اليمام) أن الغياب يحضر في عدة عناوين القصائد:(رغم البعد، لحظة وداع، على أعتاب الهجر، غياب، ضجيج اغتراب…)
هو اذن غياب بطعم الغياب منح الشاعرة نعيمة حسكة القدرة الفائقة على التعبير السليم والبليغ تجاه فعل الغياب، ففي قصيدة (لحظة وداع) تقول:
(أيها الحلم الجميل
كيف أصبحت مجرد خيال
لن تعيد الحياة فصولا آفلة
ولن تزرع ورودك المؤجلة في حدائقي ص38)
وتعترف في قصيدة (غياب) صادحة:
(لو كان الغياب أغنية تنسج خيوط الحزن
وبوابة البحر مفتوحة على صوت الوحدة
تشرع نافذة أغلقت حين غفلة من الحلم
قد تنتحر الأرض بشهقة تحت قدم السماء ص77)
ولمواجهة الغياب لا بد من عبور سلس كما نلاحظ في قصيدة (عبور):
(ينبسط السكون
يتمدد السحاب
فينجلي الغياب
ثم أنحني لعظمة التجلي ص60)
هو عبور قوي اذن:
(وجدت وجهك يعبرني
كحلم بريء
يتمرن على أول ابتسامة
عبرت ظلال الدهشة
……… فارغ الخطى
فأوغلت في العبور ص 60)


3 في الأحلام:


أحلام الذات الشاعرة هي أحلام واقعية، وهذه الذات لا تطلب المستحيل، ونلاحظ بأن عدة قصائد معنونة بالحلم :(بين أحضان الحلم، حلم، ما خطر ببالي حلمي، حلم بلا قميص، أوراق الحلم) …
يحضر الحلم كوسيلة للتغيير والتطهير معا، ففي قصيدة (بين أحضان الحلم) تقول:
(أرتمي بين أحضان الحلم
لتعزفني سنفونية الروح
أوراقا متساقطة في مهب الريح
هائمة في أعماق زماني ليلا
تتقمصني ذكريات ص 28)
أما في قصيدة (أوراق الحلم)، أوراق الحلم ذبلت:
(ذبلت أوراق الحلم
على الجهة اليمنى من صدر القصيدة
المكان شاغر
قلت:
لأغفو قليلا على كتف الحقيقة ص69)
الحلم سفر نحو المستقبل واستحضار للماضي والتشبت بالأمل ……
تقول في ومضة شعرية بعنوان(حلم):
(عجنت الماس بالعنبر
لأصنع حلما أشقر
صار الحلم محرقة
أتلف قلبي الأخضر
عجنت بقايا الرفات
بعصارة سائل أحمر
صرت به كل ليلة
أجالس الذكرى وأسكر ص35)
في قصيدة (ضحكة الماء) يمتزج الحلم بكل شيء:
(امتزج الحلم بالريح
صار الحرف فرحة
نمت القصيدة بين يدي
البدر الجريح
تفجرت أطلال الصدى
بين دروب الأزهار
رقصت الكلمات
رفقة الصغار
تفجرت ينابيع الفجر ص105)
وفي الحلم، هل يمكن تحقيق المستحيل؟ وهذا ما نجده في قصيدة (ما خطر ببالي حلمي):
(ما خطر ببالي حلمي
أن حنجرتك التي لطالما صدحت بشدا الألحان
أن تأتي بلحن نشاز
من أوصى الجشع أن يتناسل في قلبك
حتى يقضم أصابع الياسمين
حين شرعت لخنجر الشهوة
أن تعبث بصدر الأقحوان
من سوى أهازيج وجعك
لتفتق منفى غربتي
ما خطر ببال حلمي
أن يمزق سيفك ضحكة الحلم
ويطلق للنايات زغاريد الجرح ص43)
الحلم عند نعيمة حسكة شفاف، في قصيدة (حلم بلا قميص) تصدح:
(الرحيل يرقبني من شرفته
قميص الحلم بلا أزرار
وقلبي سرير حلم أتعبه الانتظار
للمرآة وجه خفي
يغازل نورسة في الجوار
تجيد طقوس الهوى
توقظ العشق من سباته ص 53)
لكنها في قصيدة (يا سيدي) تناجي حلمها-عشقها قائلة:
(يا سيد كل الأحلام
وذكرى كل وجد
روحك قبلة طيفي
وهوسي
ذاك الشوق
شوقي
حلمك ص48)


4 في القحط والغدر:

في القحط:

قحط وجفاف…
تقول في قصيدة (حواء والقمر):
(اشتهت تسلق الأشجار
وتقمص صمود الأسوار
قد ضاق متسع الكلام
ظنت أنها مجرد أحلام
تعبت عيون الزمن الصفحة 24)
وكذلك:
(فقط رحيل في الظلام
وعيون ذبلت
تحدق في جرح المسافات الصفحة 25)
وكذلك:
(تكتحل برماد الظلام
تضج بزينتها الأقلام
بينها وبين القمر أسماء الصفحة 26)
تتساءل في قصيدة (متى نفترق؟) قائلة:
(وكأسك نبيذ بطعم الخرافات
تحاصر الأحلام.. فلا تقبل شفاه المساءات
هل تركت لي وردا يزين حدائق منفاي؟ الصفحة 33)
وتواصل:
(الموج يدق طبول الفراق…بلا قيود
والأجراس تعلن غضب المواكب
وتتركني على الجمر بلا حدود الصفحة 33)
وتختم قصيدتها قائلة:
(
(يا معذبي سئمت رموشي السجود
بين يديك…فمتى نفترق؟)
متى أحلق خارج قفص المتاعب؟ الصفحة 34)

في الغدر:

طعم الغدر مرير وقاتل، والذات الشاعرة تصف مشهد (الغدر) في قصيدة ( دمعة الريح التائهة) قائلة:
(ها أنا…
جاثمة فوق فوهة بركان
تراءت لي قناديل في عتمة اللحد
تنير شقوق صدر
سكنته طعنة الغدر
سكنته رياح المكر الصفحة 12)
والهجر أشد أنواع الغدر قسوة وألما، فتقول في قصيدة (على أعتاب الهجر):
(على أعتاب الهجر
تجثم الروح مكرهة
تقتات على بقايا ملح كلماتي
تحبو بين أرجل الأسر
ونيران الحرقة تؤجج الصهيل
في حذائي
تجتبي شقاء عالقا في القعر الصفحة 52)
ويصبح بالتالي العقم سيد الساحة:
(عقيمة هذه السنين
ما ارتوت من سعادة الدهر
وهذا الضجر الغاشم
أردى الحلم قتيلا ص52)
وتواصل قائلة:
(في سوق النخاسة يباع الحلم بالتقسيط
وصبابة الحرف تغريك
تسمو بفراش الطل فوق الطهر الصفحة 52)

5 في العتمة والعراء:

في العتمة:

العتمة ظلام دامس، موت…
الذات الشاعرة في قصيدة (ليت لنهاية الليل باب)، تتمنى أن تكون لنهاية الليل بابا وذلك للسبب التالي:
(ليت لنهاية الليل باب
حتى تنسج الأزهار قصيدة
على أوراق صفصافة عتيقة
بجدار السكون السحيق
حين تدق مسمار النسيان في حذاء نعشي ص10)
لهذا تتشبت بالفجر:
(فيمنحني الفجر فستانا
لا يستر جسدا
طافحا بالهذيان
يلحس أصابع اللاحقيقة ص11)
العتمة كذلك ليل طويل، تقول الذات العاشقة في قصيدة (هذا الليل):
(هذا الليل يشتاقك أكثر
بذكرك حتما أراه يسكر
همسك بالروح مسك وعنبر
لملم نبضا تشظى
بين دروب الجفاء
العصافير تهفو لرؤياك
الأرض بحبك تكبر
قمر على بساط أخضر ص103)
وفي عز العتمة يتولد الأمل:
(سألملم هذا السراب
من عيون العاشقين
أزرع جناحين
بلون العشق ص103)
وكذلك:
(وأهجر الديار
وجهتي شهقة على كفك
على أشواك العمر أمشي
حافية
لأجمل عينين
قلبك مرساتي
أو مأواي ونعشي ص 104)
لكن في قصيدة (يد الصمت)، تتحدى الشاعرة عتمات الصمت وتقول:
(يوحي الي الزمن المقبل
عن ريح متعبة
تحمل وجوها عطشى
تتهافت في دوامة مثخنة
ببطون يستبيحها الثراء ص66)
وكذلك:
(منابر اعتلاء واهية
تعتقت في حكايا أمسيات مشبوهة
وهامات ارتقت المعالي
تمتطي خيول الريح العابر بين محطات التواريخ
تطوي أجساد الأوطان حبا
يقطع يد الصمت
حبا يحبو من زمن
يمشي الى زمن يأتي
ومعجزة مؤجلة ينقصها نبض الياسمين. ص 67 و 68)


في العراء:

السكون عند الذات الشاعرة هو قمة تعرية الحقائق وكشف المسكوت عنه، وهذا ما نلاحظه في قصيدة (صوت السكون):
صوت السكون
ينهمر في دهني
كشلال دافق
ينساب بين ضلوعي
أتهاون بلا لون
أضيع في المدى السحيق
أتساقط كحبات الرمل
بين أيدي الريح ص96)
وكذلك:
(وأنا أمشي على شواطئ الصوت الخافية
صوت يسكن الأعماق
الدهشة.. رداء
تحجب أمواج الغيم المنكسر
… بين دروب الاشتياق
على أعتاب الرهبة الرابضة.. بلا لون
يلبسني صوت السكون
ذات اطلالة لسفن الذكريات
العائمة بين رياح العمر ص98)
ولهذا تعتبر المرآة واجهة حقيقية تعري الانسان من كل شيء وتكشف كل عيوبه، كما نلاحظ ذلك في قصيدة (ما كذبت المرآة في وجهي) فيكون البوح على الشكل التالي:
(يد المرآة بلا أصابع
ووجهي شرخ في الماء
يتأمل انشطار العتمة
يتحسس يقظة بلا صوت
المرآة حزينة
ترتدي حجابا بلا ثوب
ترفرف بلا أجنحة
تطوي مساحات الموت ص15)
وكذلك:
(المرآة غاضبة
تمتطي عطشا جامحا والأبواب موصدة
انكسار فضعف فتعب
تعبر ثقب الوقت
المرآة ترمم شظاياها
تدق باب الزمن
لتنجب امرأة استهلكها الرحيل ص16)

خاتمة بطعم اليمام:

ديوان(نزف اليمام) ديوان قوي،سفر روحي وتأملات فلسفية وجمالية لشاعرة حقيقية تكتب من قلبها الانساني الكبير…الشيء الذي دفع الأستاذ سعيد حداوي الى القول (يعد ديوان
نزف اليمام …تجربة متفردة في مجال الكتابة الشعرية المعاصرة، لكونه ينفتح على تيمات متعددة تنصهر في بوثقة الذات المشتغلة على الذاكرة والمنفتحة على أسئلة الراهن) …

*مجدالدين سعودي
 المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.