الصفحات

خمر تشرين ...**بقلم: سالي خالد عيسى

خمرُ تشرين ينسابُ على فمي ، أشعرُ بهِ يراوغني ؛ لِ يسيلَ على جسدي ، حرارةٌ تبثُ نيران مُستعرة في هيكلي هذا ، ينتفضُ مرة تلو الأخرى حتى يكاد يفقد زفيره ، يرتعشُ بشدةٍ فيبصقَ آخر قوته ، هاهو الخمرُ ينشبُ أظفارهُ عنوة ويغرسها في ظهري ، اصيحُ بصوتٍ لا يسمعهُ احد سواي ، هُنا على حافةِ شفاهي قد رسمت حدود مدينتها ، وهُنا في يسارِ صدري قد اشعلت عودُ ثقابٍ والقتهُ حتى آل كلُّ ما
بِداخلي إلى رماد .
الخامس من تشرين الأول ..
فستانها الخمري يرقدُ بِجانبي أتحسسهُ بأطرافي المُتجعدة فأفقدُ نصف عقلي ، يتدلى
الحُزن من جوانبِ السرير ، من حباتِ الكرز المُترامية في هذا الوعاء المُصفرّ ، كل شيء حزينٌ هُنا ، وكأنهُ اليوم الأول على فراقنا ، أذكرُ جيدًا الرشفةُ الأولى من ذلك الكأس ، كما لم أنسَ يومًا ابتسامتكِ الجميلة اللعينة ، رشفةٌ فالأخرى حتى أغمضتُ عيناي وأنتِ تجلسينَ بِجانبي ، تحتضنينَ رأسي المُثقل من خمرِ تشرين ، غفوتُ في عالمكِ واستيقظتُ على عالمٍ خلا منك ، اعتصرتُ عيناي مئات المرات لعلّني أكون قد نسيتُ نفسي عالقًا في كابوسٍ مُقيت لكنّ حظي لم يحالفني ، طرقتُ رأسي في الحائطِ عشرات المرات حتى سقطتُ مغشيًا عليَّ فوقَ فستانكِ هذا ، رفعتهُ فحتضنتهُ حضن المشتاق إلى مشتاق ، وجدتُ ورقةٌ تتلوى تحتهُ خائفة ، أو من شدةِ خوفي خلتها خائفة ، مكتوبٌ في أحشائِها " لن أعود " ، تخلّت أبجدية اللغة عن اللام والنون فما كان بي الا أنّ اقرأها سأعود ، ألف وخمسة وتسعونَ يومًا وأنا أتمنى أنّ يكونَ كل هذا مجرد حلم ، وأنّ ملامحي الملصوقة على فستانكِ ستعودُ لِتستقر على وجهي من جديد ، وعطركِ المُتكدّس فوق رئتاي سيخرجُ كي يداعبُ عنقكِ مرة أخرى ،
ألف وخمسة وتسعونَ يومًا وأنا فاقدُ العقلِ يا أنتِ ، يسألوني عن أيامي فأجيبُ أنا لا أعرفُ من أيامي سوى خمر تشرين ، فكيفَ بإمكان مذهبات العقلِ أنّ تُعيده. '!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.