الصفحات

المدرسة الشكلية في النقد العربي الحديث ...**بقلم د. لامية مراكشي

عند الحديث عن الشكلانيين الروس، فإنّ المقصود بهم أوائك المحصورون جغرافيا في روسيا، على اعتبار أن من الشكلانيين الروس والتشيكيون والبولونيون.
فصفة الشكلانية مرتبطة أساسا بالروس دون غيرهم، في الوقت الذي تجد لها امتدادات خارج روسيا خاصة تشيكوسلوفاكيا (حلقة براغ) وفي بولونيا، ناهيك عما عرف عن الشكلانيين في ألمانيا وفي أوربا عامة وأمريكيا فيما بعد، ثم أخيرا في العالم العربي وبخاصّة في المغرب العربي.عرفت بوادر حركة الشكلانيين الروس منذ مطلع القرن العشرين ، فقد استمرت ما بين 1915 و1930م ، وهو تاريخ قصير في حياة الشكلانيين، ولكن عند النظر إلى المنجزات التي أُحرزت خلال تلك الفترة ؛ فإنه يلاحظ أن ثمّة إرثا كبيرا قد تركوه في ميادين الشعر والسرد والأجناس الأدبية وتاريخ الأدب ونظرية الأدب بشكل عام.
والشكلانية صفة ألصقها بها مناوؤوها، حيث تفيد القدح في نظر واضعي هذه الصفة بالقياس إلى المقاربات التي كان يعرفها تاريخ الأدب الروسي، خاصة الاتجاهات النفسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية والرمزية واللغوية...

يتحدث ف. شلوفسكي عن " المنهج الشكلي فيقول : " هو الرجوع إلى المهارة في الصنعة ، هو تطبيق النموذج التكنولوجي على الإنتاج الفني الإنساني". وقد وصف إيخنباوم الشكلانيين بأنهم كانوا مهتمين بمسألة تقنية الأدب، ويضع السيارة في مقابل الأدب، فالشكلاني كان يوصف مثلما يوصف الميكانيكي الذي يركب أجزاء السيارة ويفككها. وهكذا كان فعلهم مثل فعل الميكانيكي في النص الشعري والسردي .
لقد خصص المهتمون بالشكلانيين جزءا هاما من أبحاثهم للتعرف على مفهوم مصطلح "الشكلي". وبالرجوع إلى الدراسات الأولى التي اهتمت بالشكلانيين، مثل دراسة الناقد الأمريكي فكتور إرليتش في كتابه الشكلانيون الروس، التاريخ- المذهب، الصادر في طبعة أولى سنة 1955 وكذلك كتاب الشكلانيون الروس، الميتا شعرية، الصادر سنة 1984 لبتر ستينر ، وكذا رونيه ويليكي في كتابه مفاهيم نقدية في عام 1963، بل يمكن الرجوع إلى كتابه الأول مع أوستين وارين، الصادر سنة 1949 نظرية الأدب حيث أشار إلى الدراسات الشكلانية إشارات هامة .

لقد واجه الشكلانيون صعوبة تعريف عملهم قياسا إلى ما كان متعارفا عند الباحث الروسي والقارئ على السواء أوائل القرن العشرين. فالتقاليد الأدبية والفكرية كانت قد رسخت أنساقا فكرية ومعرفية وجمالية كانت تواجه الشكلانيين أثناء تكون حركتهم . لقد حاولوا الجواب عن السؤال الإبستمولوجي الذي يمكن أن يميزهم داخل الفعل الأدبي الروسي، وكان ذلك الجواب يتنوع بتنوع الشكلانيين ، ويتوحد في مصدر إبستمولوجي ينظم اختلاف ممارساتهم التي وسعت الشعر والسرد بمختلف أشكاله وتاريخ الأدب ونظريته والأجناس الأدبية.
ولن يعدوا أنفسهم شكلانيين كما أقرت مدارس تاريخ الأدب بأنهم يهتمون بالشكل دون المضمون ، والصفة التي أطلقوها على أنفسهم هي صفة "المورفولوجيين" ، ولم يكن هدفهم هو هدف مدرسة "الفن للفن"، بل واجهوا ذلك. فمنهجيتهم الشكلية كانت وصفية أكثر مما كانت ميتافيزيقية.
لقد كتب إيخنباوم في إحدى دراساته المبكرة قائلا : "منهجنا عادة يعرف كمنهج شكلي، وأفضل أن أسميه بالمنهج المورفولوجي لتمييزه عن المقاربات الأخرى مثل النفسية والاجتماعية وما شابه ذلك" .
وليست المورفولوجيية هي الصفة الوحيدة التي وصفوا بها أنفسهم أو وضعيتهم المنهجية في صراعهم مع الماركسيين المتشددين، فقد قال إيخنباوم " لسنا شكلانيين، ولكن إذا أردتم فنحن متخصصون" ، منهجهم إذا بهذا المعنى وبالمعنى الأول المورفولوجي يلتقي عند الاهتمام بالأشكال أو بعلم الأشكال ، أو الذين يختصون بدراسة الأشكال إذا حاولنا التدقيق في المصطلح .

اهتمامات الشكلانيين :
إن الذي يجمع بين ممارسة الشكلانيين هو هذا المنهج المورفولوجي الذي يجمعون فيه آرائهم وطريقة عملهم . وتتمثل عقيدتهم في التعامل مع الأدب من خلال مستويين :

1 - مستوى التركيز على "العمل الأدبي" وعلة مكوناته.
2 - مستوى إلحاحهم على استقلال الدراسة الأدبية .

هكذا كان التنظير الشكلاني لهذين المستويين يرمي إلى وضع حد للخلط المنهجي الذي كان يسود الدراسات الأدبية التقليدية ، فقد حان الوقت في نظرهم لتحديد حقل الأدب الذي بقي زمنا طويلا كأرض مهجورة وتحديد موضوع دراسته .
لقد صرح الشكلانيون بأنه يجب أن يكون للأدب موضوعه الخاص ولا يخضع للدراسات الخارجية، يقول الشكلاني م.كيريدي :" يجب أن يكون للأدب موضوعه الخاص ومنهجه الخاص وهدفه الخاص . وقد حدد ياكبسون بشكل دقيق موضوع علم الأدب بقوله : " موضوع علم الأدب ليس الأدب، ولكن هو الأدبية أي ما يجعل العمل الأدبي أدبيا " . ويضيف إيخنباوم :" إن الباحث الأدبي يجب أن يهتم فقط بالبحث داخل المميزات العامة للمواد الأدبية " .

لقد اعترضت الشكلانيين مشاكل عديدة أثناء مناقشتهم لمفهوم الأدبية ، نظرا لصعوبة تحديد مكونات هذه الأدبية ، وقد وضح ذلك ياكبسون في مقالته "ما هو الشعر؟ " بحيث رفض الموضوعات الخاصة بالشعر دون غيره وقال :" اليوم يصلح كل شيء أن يكون مادة للقصيدة" .

كما تجنبوا الحديث عن القدرة العقلية للمبدع ، وعن الخيال والحدس والعبقرية ، ومثل هذه المصطلحات التقليدية المعروفة في تاريخ مفهوم الأدب. فالأدب يجب ألا ينظر إليه من منظور نفس المؤلف أو القارئ ، ولكن من منظور العمل نفسه ، وذلك لتجنب السقوط في التحليلات النفسية أو الميتافيزيقية للأدب، ولكن الأمر لم يكن هينا في ظل سيادة تقاليد متواترة وسيادة قراءة راسخة في انتظارات القراء في عصرهم .

انقسامات المدرسة : لقد انقسمت الشكلانية إلى مجموعتين :

1 - حلقة اللسانيات التي كانت في موسكو ، وكان يمثلها الشباب مثل : رومان ياكبسون وبيتر و جاتيرف وجريجوري فينوكور، وقد تأسست سنة 1915.

2 - جمعية الدراسات اللغوية المعروفة بـOPAJAZ وقد ولدت سنة 1919 ببترسبورج، وكانت تضم بوريس إيخنباوم وفيكتور شلوفسكي ويوري تينيانوف ول.ب ياكوبنسكي واوزيب يريك وتوماشوفسكي وغيرهم .

تصنيفاتها : صنفت الشكلانية عدة تصنيفات نذكر منها:

التصنيف الأول : لقد وضع توماتسوفسكي تصنيفا ثلاثيا للشكلانيين حسب اتجاهاتهم :

1 – المتشددون : وهم الذين ينتمون إلى جمعية الدراسات اللغوية OPAJAZ. ويمثلون اليسار المتطرف للشكلانيين، واشتهر منهم شلوفسكي وإيخنباوم وتينيانوف.

2 – المستقلون : هؤلاء ساهموا في خلق المدرسة الشكلانية وفي أعمالها، لكنهم لم يقبلوا دائما شروطها ، فاتجهوا اتجاهات مختلفة مثل : زيرمنسكي ونيونوغرادوف.

3 - المتأثرون بهم : هؤلاء من الصعب تحديد عددهم.

التصنيف الثاني :
تقسيم إيفاتومبسون : قسم إيفاتومبسون الشكلانية إلى مناهج "مثالية" و"وضعية": فشلوفسكي يتجه نحو الجمالية المثالية ، وتينيانوف نحو التوجه الوضعي. ويميز يوري ستندي بين شلوفسكي وتينيانوف من خلال مفهوم تينيانوف للفن، فالفن عنده مجموعة من الأنساق، مع وظيفة التحوير أو التقريب مما يجعل الإدراك أكثر صعوبة ، ويجعل من العمل الأدبي "نظاما" مكونا من الأنساق التي تتميز وظائفها تواقتيا وتوقتيا، ولم يكن لهذا التمييز أي شأن عند معاصريهما .

ولم يكن الشكلانيون يشكلون وحدة منسجمة في التصورات والممارسات ، بل حتى في عصرهم لم يكن ينظر إليهم على أنهم يشكلون كلا منسجما . فقد كتب أركادجي غورتفليد قائلا " إن الشكلانيين مختلفون جدا، فمنهم البسطاء ومنهم من يقلد المنهج الشكلي فقط، ومنهم الموهوبون مثل شلوفسكي ومنهم التوفيقي مثل زير منسكي".

ويقول بوريس ارفانوف " إن باحثي جمعية الدراسات اللغوية OPAJAZ لا يمثلون كلا منسجما وإنما العكس ، ويمكن ملاحظة ثلاث مجموعات مختلفة .

1 - اليمين المتطرف الذي يلح على الفصل التام بين الشعر والممارسة مثل إيخنباوم وشلوفسكي.
2 - الوسط الذي ينخرط فيما يدعى بالنظرية الشعرية اللغوية مثل ياكبسون وشلوفسكي.
3 - اليسار المتطرف السوسيولوجي والتقني مثل "أوينب بريك وكوشنتر".

ويرى ميرفيرق بأنهم يمثلون أربعة مناهج :

1 - الاتجاه الأكاديمي المتميز برغبته في شرح التناقضات وتجنب صياغة المشاكل تبعا للمبدأ الواحد مثل زيرمنسكي.
2 - الاتجاه الذي ينحو إلى المعالجة النفسية الاجتماعية الجزئية للقضايا الأدبية مثل إيخنباوم.
3 - الاتجاه نحو المنهج السويولوجي مثل توماشوفسكي وياكوزبنسكي.
4 - الاتجاه الرابع هو الشكلاني المتجمد ويمثله شلوفسكي .

وتدل هذه التقسيمات المتعددة على صعوبة الجمع بينهم في اتجاه منسجم ، ويمكن للتقسيمات أن تتعدد وتتنوع بحسب زاوية النظر للمؤرخ الأدبي ، ويمكن أن يصل الباحث إلى نفس النتيجة التي توصل إليها ميرفيرف " بأن هناك من الشكلانية بقدر ما هناك من شكلانيين" ، وهذا لا يعني التنقيص من شأنهم بقدر ما ينسجم والتعدد المنهجي لمقاربات الشكلانيين المفتوحة أمام الذين طبقوها.

تمييزر زيرمنسكي للشكلانيين:
في مقالة زيرمنسكي بعنوان "سؤال المنهج الشكلي" يميز الطريقة الشكلانية بالصورة التالية: " الإسم العام والمبهم "للمنهج الشكلي" غالبا ما يدل على الأعمال المختلفة التي تتعامل مع اللغة الشعرية والأسلوب بالمعنى الواسع لهذه المصطلحات الشعرية التاريخية والنظرية، دراسات العروض، دراسة الأصوات والإيقاع والأسلوب والتركيب وبنية الحبكة، تاريخ الأجناس الأدبية والأساليب، الخ…
فمن خلال هذا التعدد ، فإنه من الواضح من ناحية المبدأ أن يكون الحديث لا عن المنهج الجديد ، وإنما عن المهمة الجديدة للبحث وللدائرة الجديدة لمشاكل البحث فالمنهج الشكلي هو مصطلح تاريخي وما يميزنا ليس الشكلانية " كنظرية جمالية ولا "المنهجية" كنظام علمي مغلق ولكن فقط محاولتنا لوضع قواعد ممتلكات المادة الأدبية وعلم الأدب المستقل".

إن الذين تتبعوا أعمال الشكلانيين في نصوصهم ، مثل ياكبسون وفيكتور إرليتش وبترستينر، رأوا أن ما يجمع بينهم هو اقتسام المبادئ الإبستمولوجية التي ولدت العلم الشكلاني للأدب ، والذي يجمع بينهم هو الوضعية الإبستمولوجية التي كانوا يتحركون في دائرتها كعنصر ناظم لهم. ولا يمكن للباحث الذي يتتبع أعمال الشكلانيين الروس ، إلا أن يسجل مثل هذه الملاحظة العلمية التي تجمع الممارسة في إطار صعوبة تشكلها في الزمن أولا وفي إطار المقاربات الصعبة أحيانا ، ثم البحث عن ذلك في الممارسة الأدبية المختلفة من شعر وسرد وأجناس أدبية ونظرية الأدب .

غير أن الذي ساعدهم على إذكاء نشاطهم وتطور حركتهم هو تحاورهم فيما بينهم ومع الفلسفات والأفكار المعاصرة لهم من وضعية ظاهراتية وحتى الماركسية . فتاريخ نظرية الشكلانيين الروس هو نتيجة حوار مستمر بين الشكلانيين أنفسهم أولا ، وبين معارضيهم ، ولكن هو أكثر بين الشكلانيين أنفسهم الذين يعارضون بعضهم البعض… فقد كانوا في نفس الوقت مناهضين ومناجين ومشاركين في الحوار الهام الذي ينتج المنهج الشكلي".

إن وحدتهم إذا في تعددهم وتعدد ممارستهم في إطار البحث عما كانوا يسمونه بـ"علم الأدب" أو استقلال الأدب ، وقد صرح إيخنباوم سنة 1922 قائلا " إننا تعدديون لأن الحياة متنوعة ، ولا يمكن اختزالها في مبدأ واحد" . وبهذا يكون الشكلانيون " قد زعزعوا الإبدالات القديمة وقد كافحوا من أجل فتح مجال التنظير ما أمكنهم ذلك ".

وفعلا فقد خلقوا أرضا خصبة للتنظير الأدبي وفتحوا آفاقا لظهور دراسات وتصورات جديدة للأدب مثل البنيوية ، وحلقة براغ التي نقلت وطورت الإرث الشكلاني ، وما سيستتبع ذلك من مناهج أدبية حديثة أخرى " . فالشكلانية والبنيوية من أهم التطورات التي عرفتها الدراسات الأدبية والنقدية منذ بدايات القرن العشرين .

الشكلانية في الخطاب النقدي الأوروبي المعاصر:
من يرجع إلى كتاب رونيه ويليك واوستين وارين (نظرية الأدب) الذي صدر سنة 1949 بالإنجليزية ، يجده يشير إلى الشكلانيين ويستعرض بعض آرائهم في تاريخ الأدب خاصة، وبعض ما يتعلق بدراسة الأدب من الداخل " ، ولكنه لم يتوقف عند نصوصهم ، بل أشار في الهوامش إلى بعض كتاباتهم ، ولم ينتبه المؤلفان إلى أهمية هؤلاء الشكلانيين إلا في الطبعة اللاحقة ، حيث أشارا إلى أهم الأعمال التي كتبت عنهم وخاصة كتاب أرليتش عن الشكلانيين الروس (1955) ، بل سينوه رونيه ويليك بهذا الكتاب في كتابه (مفاهيم نقدية) (1963) الذي ترجمت بعض نصوصه إلى العربية سنة 1987 (كترجمة د. محمد عصفور في سلسلة عالم المعرفة – الكويت ، الرقم 110).

لقد عرفت الشكلانية في أمريكا أكثر من أوروبا وقبلها ، خاصة بعد رحيل ياكوبسون إلى الولايات المتحدة الأمريكية . ولا حاجة للتذكير بالتأثير الحاسم لمحاضراته في نيويورك خلال الحرب العالمية الثانية وأثرها في ظهور الأنتروبولجية البنيوية . فقد ترجم بروب إلى الإنجليزية سنة 1958 في حين لم يترجم إلى الفرنسية إلا سنة 1970.

ومع تطور الدراسات البنيوية التي وجدت مرتعا خصبا في أمريكا ، وتطور الدراسات اللسانية البنوية بشكلها التوزيعي (بلومفيلد وهاريس) وكذلك الإرث الذي أخذه دي سوسير عن الشكلانيين الروس ، وتعرف الأمريكيين المبكر على حلقة براغ من جراء انتقال ياكبسون إلى أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية ، فإن كل هذا سيساهم في ظهور الأنتروبولوجيا البنيوية .

وهكذا تحقق حلم البنيويين في تحقيق حلم دي سوسير في وضع علم الدلالة ، وقد راود هذا الحلم أيضا فيلسوفا آخر هو تشارلز بيرس أكثر الفلاسفة أصالة وعمقا من الذين أنجبتهم أمريكا ،كما حاول تشومسكي في أواخر الخمسينيات بسط حدسيات أستاذه هاريس ، وأقام المذهب البنيوي واكتشف البنية العميقة …

كما أن البنيوية الأمريكية قد استقبلت ليفي ستراوس ، لأنه وجد أرضا خصبة في التفكير الأمريكي. فالمقاربات الأنتروبولوجية عرفت نشاطها في البحث الجامعي الأمريكي بشكل مكثف وأعطت له الأولوية لتقصي البنيات الأساسية للموضوع في اللسانيات والأدب وغيرهما ، بحيث يذهب إميل فان تيسلار " إلى أن ما اكتشفه الفرنسيون في الخمسينات والستينات كان موجودا عند الأنجلو ساكسيونيين ، ورغم هذه النظرية الأمريكية ، فإنه لا يمكن نكران ما قدمه النقد الفرنسي الجديد منذ الستينيات في الدراسات اللسانية والبنيوية والسيميائية والفلسفية…

الشكلانيون الروس والنقد العربي المعاصر :
لقد أصبح الحديث عن انتقال المعرفة من مختلف أنواعها أمرا متعارفا بين الحضارات والأمم قديما وحديثا ، إلا أن ما يميز عالم اليوم هو انبناؤه على التواصل والاتصال بشكل أوسع من أي وقت مضى بحكم تطور وسائل الاتصال ، بعبارة أخرى إنه عالم قائم على المثاقفة " التي تتم في كل لحظة وعبر انتقال مختلف الوسائل التقنية والعلمية والفنية ، بل والتنظير لهذا الفعل الإنساني وظهور مفاهيم مثل الحوار والانفتاح ومد الجسور بحيث يمكن تأويل (الإنسان حيوان اجتماعي) بأنه حيوان متثاقف ، وكأن المثاقفة أخذت مكانتها في تكون الإنسان وأصبحت من ضرورات وجوده المعاصر.

ولعل الحديث عن الشكلانيين في النقد المغربي من بعض مظاهر المثاقفة في مستوى معرفي محدد.

الشكلانية والنقد العربي:
إن الشكلانية هي ممارسة لنوع من المعرفة في مستواها النظري والمنهجي في مجال الدراسات الأدبية التي نهتم بها ، ولهذه المعرفة الشكلانية نصوص ومؤلفات ودراسات قامت بها مجموعة من الباحثين الروس أولا، تلتها فيما بعد دراسات أخرى لباحثين تشيكيين وبولونيين وغيرهم.

وللشكلانيين إرث كبير وصل إلى ثقافات أخرى مثل الإنجليزية والألمانية والفرنسية وغيرها قبل أن يصل إلينا، وهنا لا بد من التذكير ببعض المفاصل التاريخية لهذه المعرفة .

يمكن التسجيل بأن اللغة العربية لم تحظ بهذه المعرفة ولم تترجم إليها قبل السبعينات ، ولم يكتب لها التداول في المؤسسات العلمية الأكاديمية والجامعية ، ولا في الأوساط الثقافية العامة قبل ذلك ، وحتى إذا ما نظر ناضر إلى تاريخ النقد العربي الحديث ، فإنه لا يعثر على شيء هام عن الشكلانيين ونظرياتهم ومناهجهم، ويكفي النظر في الكتابات العربية النقدية المعروفة للتأكد من ذلك .

إن عدم الاهتمام بالشكلانيين الروس في النقد العربي الحديث عامة في وقت مبكر يمكن فهمه في إطار الرأي العام الأدبي العربي السائد آنذاك في العالم العربي ، حيث كان يتعامل مع النظريات أو المناهج التي تثير القضايا الاجتماعية في إطار الواقعية والاشتراكية ، وتهتم بالجوانب الإيديولوجية والسياسية وما يرتبط بجماليتها الأدبية . فلو كشف عن الشكلانية في الخمسينات أو الستينات ربما لم تكن لتجد من يتعامل معها بنوع من الحماس، وربما كانت ستبقى في الظل كما بقيت كثير من الأفكار والآراء والمذاهب الأدبية التي تحتاج إلى زمنها لتقرأ ، كما أظهرت ذلك نظرية القراءة وتاريخ القراءة.

ولعل تأخر بعض الأفكار أو المناهج الفكرية والأدبية في أدب إنساني معين يخضع إلى ملابسات كثيرة ومتنوعة منها ما هو ثقافي ومنها ما هو خارج عن ذلك ، فتأخر ظهور الشكلانيين الروس في النقد العربي الحديث لا يقتصر عليه فقط، فالنقد الفرنسي مقارنة مع النقد الأنجلوساكسوني أو الجرماني نجده متأخرا عنهما ، وربما حين ظهرت الشكلانية في فرنسا فقد أعطيت لها حيوية أكثر من منظورنا في العالم العربي على الأقل.

عموما يمكن القول إنه إذا كانت الشكلانية لم تعرف في الخطاب النقدي العربي المشرقي . الذي كان متداولا في الستينات ، فإنه يجب الإقرار بأن الشكلانية لم تدخل إلى النقد المغربي عن طريق الخطاب المشرقي . وستشكل هذه المسألة نوعا من أخذ المبادرة من طرف النقد المغربي المعاصر الذي سيبادر إلى اختيار مصادره ومراجعه خارج المنظومة النقدية العربية أو خارج سيرورته ، فالمرجع الشكلاني المغربي ليس مرجعا عربيا مشرقيا ، في حين أنه يمكن التحدث عن المرجعية العربية المغربية في المناهج التاريخية واللغوية والاجتماعية . وهذه نقطة تحول أولى في مسار النقد المغربي ستسمح للناقد المغربي أن يتخذ مثل هذه المبادرة وغيرها ليساهم في إغناء النقد العربي عامة أو على الأقل يكون عنصرا منتجا فيه لا متلقيا أو متعلما فقط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.