الصفحات

قراءة أدبية لنصّ القصة القصير جدا "صفعة" ...** د. عبد المجيد أحمد المحمود

"النص بعنوان : صَفْعَةٌ

نُبِذْتُ بِالْعَرَاءِ، اسْتَصْرَخْتُ، سَغِبًا هَرْوَلْتُ، تَشَبَّثْتُ بِجِذْعِ أَوَّلِ شَجَرَةٍ. أَكَلْتُ حَتَّى التُّخْمَةِ...
لَمَّا تَحَسَّسْتُ طَلْعَهَا وَجَدْتُهُ كَرُؤُوسِ الشَّيَاطِينِ...

 "القراءة
نص وجدت فيه ذواتنا، و كأنه ينطق بألسنتنا جميعا.
النص يعالج حالة ضياع يعيشها الإنسان العربي، و ربما بشكل عام إنسان الدول الفقيرة و التي جعل منها العالم المتحضر بؤرة للإرهاب و التخلف و الفساد، لتظل دائما تتكئ على عكّازه الواهية...ليستمر بامتصاص خيراتها.
العنوان صفعة يشكل عتبة أولى مثيرة و مستفزة للقراءة و يضمر في طياته أشكالا و أنماطا كثيرة من الصفعات التي ما فتئنا نتلقاها كل يوم في عالمنا العربي.
جملة الاستهلال نبذت بالعراء تضعنا مباشرة في لحظة العقدة و التأزم في النص، و هذه هي أفضل تقنية لكتابة نص ققج، فلا وصف و لا تمهيد، و لكن عقدة مباشرة، ثم حدث صارخ بسرعة الرصاصة، ينطلق ليصيب الهدف.
النص لا يختص بشخص امرأة بالضرورة لأنه يتحدث بضمير المتكلم مستخدما تقنية الراوي مع، و هي أيضا تقنية تحسب للنص لأنها تزيد من احساسنا بمباغتة الأحداث و القفلة.
النص يتعرض كما قلنا لشخص نبذ بالعراء و في هذه كناية عن عراء الواقع، نعم هو نص منذ البداية يتحدث عن هواجس إنسانية.
العراء هو شبح الوحدة و مولد الخوف...إنه عراء الفقر ربما..عراء الجهل..عراء العزلة..ذلك الأمر الذي يستدعي فينا هواجس الخوف نضطر أن نصرخ و نستعين بالآخرين...
في العراء هناك الجوع و هناك العطش و هناك المرض و القلق و الخوف و الاضطراب، يلهث الإنسان للتخلص من كل مآسي هذا العراء، يتخبط في سعيه المجهد للتشبث بأي أمل، فهو كالغريق الذي سيتمسك بأول قشة تصادفه.
الأكل من الشجرة هنا لا يمثل الجوع إلى الطعام فحسب، بل هو جوع الرحمة و الإنسانية بكافة أشكالها، جوع للعلم.. للحضارة..للثقافة..للدواء الجيد.....هو سعي للحصول على الكرامة.
في ظل هذا التخبط سيمسك هذا الإنسان بأول شجرة برمزيتها للعطاء و الخضرة و الأمل، و كم من مظهر يغري و لا يغني، هذه الشجرة قد ترمز إلى الدول المتقدمة علميا، قد ترمز لساسة البلد...فالدول المتقدمة و الساسة و خطاباتهم الرنانة هم بمثابة الشجرة ذات المنظر الجميل الذي يجذبك و يغريك عن بعد، و لكن بعد أن تقترب و تلامس و تعايش الواقع هناك، تجده للأسف لا يحمل سوى السوء و الكراهية و الحقد و المكر، نعم إن طعامهم و ثمر هذه الشجرة لهو أشبه برؤوس الشياطين، و هنا تأتي الصفعة الكبيرة، هنا تأتي القفلة لتعود بشكل ناجح تماما على العنوان المغري.
نعم تلك الأمم التي تدعي الحضارة و العلم و الديمقراطية، إنما ترسم مخططات لبلداننا أسوأ مما يفعل الشيطان...أعتقد هذه رسالة النص، التي قدمها من خلال نص اعتمد المواربة و الاضمار و التكثيف و اللغة المتوهجة و نجح في إخضاع تقنية التناص، لتؤثث للفكرة و تقدمها بحلة جميلة.
النص برأيي المتواضع يمثل قصة قصيرة جدا حيكت باقتدار، متوافرة على تقنيات جميلة أبعدتها عن المباشرة و التقريرية...لم تكن حديثا شخصيا ذاتيا، و لا استرجاعا لذكريات، لأنها عرضت حدثا بدأ بعقدة و تأزم، ثم انجلى بقفلة بمباغتة لم تكن في حسبان البطل في النص...و لا حسبان المتلقي.

*د. عبد المجيد أحمد المحمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.