الصفحات

دور القارئ في بناء المعنى الأدبي من منظور آيزر..* بقلم : د. لامية مراكشي

الكلمات المفتاحية :
جمالية التلقي - هانس روبيرت ياوس - ثنائية الكاتب / النص - النص / القارئ - التيار السيكولوجي - استجابة القارئ - التجربة الجمالية - البعد الاستقبالي - البعد التطهيري - البعد التواصلي - المعنى الأدبي - القراءة - الاستيعاب - القارئ الفعلي - التأويل - التواصل و التأثير و الإقناع - النص - الأديب - المتلقي - صنع المعنى التفاعل بين النص و الجمهور - جمهور واقعي - جمهور مثالي - المتعة الجمالية - نظرية الاستقبال - الشكلانية الروسية
– بنيوية براغ – ظواهرية أنجاردن - هرمنيوطيقا غادامير - واين بوث- الشكل والمضمون - شكلوفيسكي - موكاروفيسكي – شفرة - القراءة البنيوية - مدرسة براغ اللغوية - نظرية الاستقبال - أنجاردن - هوسرل - فلسفة الفينومينولوجيا - الخبرة الجمالية - جورج جادامير - هيدجر - الهيرمنيوطيقا - أفق الانتظار - القارئ الضمني - المؤلف الضمني - آيزر – الفجوات - القارئ المثالي - القارئ المعاصر - ستانيلي فيش - ميشال ريفاتير - القارئ الجامع - القارئ المستهدف - القارئ المثالي -

تقديم :
ظهرت نظرية جمالية التلقي recption theory بألمانيا في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات في جامعة كونستانس من خلال إعلان هانس روبيرت ياوسhans robert jauss عام 1969 تغيير النموذج في علوم الأدب ومحرك ذلك التغيير في رأيه هو صيغة تحليل تحول الانتباه جذريا عن تحليل ثنائية الكاتب/ النص إلى تحليل العلاقة النص / القارئ .
إن مفهوم التلقي قبل ياوس وآيزر كان ضيق المجال منغمسا في التيار السيكولوجي لاستجابة القارئ في بريطانيا والولايات المتحدة ، فجاء الألمان ليوسعوا هذا المفهوم ، وأقاموه على مفهوم التجربة الجمالية بأبعادها الثلاثة : البعد الاستقبالي ، والبعد التطهيري ، والبعد التواصلي .
وقد كان النزاع مع التصور البنيوي " أحد المنطلقات الرئيسة التي أسهمت في تعاظم دور جمالية التلقي فقد لاقى ازدهار البنيوية في عقدي الخمسينيات والستينيات معارضة أخذت بالنمو شيئا فشيئا ، حتى أضحت نظرية تحاول أن تؤسس علما شاملا للمعنى الأدبي .فكانت الظروف ملائمة لنشوء هذه النظرية بوصفها اعتراضا على طبيعة الفهم البنيوي للأدب ..." .

إذا فيمكن القول إن اتجاه جمالية التلقي هو الاتجاه الذي ظهر في أعقاب البنيوية ، وهو اتجاه من اتجاهات ما بعد البنيوية post-structuralism يحاول إعادة فهم الأدب و يطرح مشكلات التلقي .
يعد آيزرwolfgan iser أشهر المنظرين لجماليات التلقي حيث شكلت أفكاره ومقترحاته إلى جانب ياوس على مشارف السبعينيات تأسيسا لنظرية جديدة في فهم الأدب .
كانت أولى محاضراته التي ضمنها رؤيته النقدية تحت عنوان : " الابهام و استجابة القارئ في خيال النثر" ؛ وهي محاضرة ألقاها على طلابه في جامعة كونستانس عام 1970 ، بيد أن أفكاره لم تلق حظا من الذيوع والانتشار إلا بعد ظهور كتابه "سلوكيات القراءة " عام 1978 .

وقد عنى آيزر بقضية بناء المعنى وطرائق تفسير النص من خلال رؤيته إلى النص على أنه حامل لمجموعة من الفجوات lacunas التي تستدعي أن يقوم القارئ بمجموعة من الإجراءات لكي " يكون المعنى في وضع يحقق الغايات القصوى للإنتاج . و هو يكشف بذلك على أن النص يتضمن حتمية تشكل ركنا أساسيا من وجوده . إنها ماثلة في ما يطلق عليه آيزر القارئ الضمني الذي سيكون صلب نظريته . وهو مفهوم يختلف عن مفهوم واين بوث في بداية الستينيات " .

وفي إطار طرحه لعدد من المفاهيم المتعلقة بكشف الصلة الضرورية بين الأدب والمتلقي ؛ وجد آيزر أن العمل الأدبي ينطوي في بنياته الأساسية على متلق " قد افترضه المؤلف بصورة لا شعورية ، وهو متضمن في النص في شكله وتوجهاته وأسلوبه ؛ فمفهوم القارئ الضمني يشبه تماما مفهوم اللغة عند دوسوسير؛ فهو تجريد يوجه العمل الأدبي بصورة مقصودة أو غير مقصودة وجهة تحقق وظيفته التواصلية " .

لقد كان آيزر يرى أن العلاقة بين النص و المتلقي تنتج المعنى من التفاعل الحاصل "بين العلاقات النصية و فعل الفهم لدى القارئ . فالمعنى لم يعد موضوعا يستوجب التعريف به ، و إنما أصبح أثرا يعاش منقضا بذلك الشكل التقليدي في التأويل لدى أصحاب النقد الجديد – البنيوي - " .

هذا التحول التأويلي لآيزر من دراسة معنى المؤلف و معنى النص إلى معنى القارئ – المتلقي – أوجد من وجهة نظره في النص أبعادا لا يمكن تجاوزها في عملية تحقق المعنى الأدبي وهذه الأبعاد هي :

البعد الأول :
الاحتمالات التي يتضمنها النص بوصفه هيكلا لأوجه مخططة تسمح للقارئ بالمشاركة في صنع المعنى .

البعد الثاني :
هو الإجراءات التي يحدثها النص في عملية التلقي ، وذلك لأن بنية التخيل التي يبنى عليها النص إنما تضع المعنى في نسق من الصورة الذهنية " .

البعد الثالث :
وهو القارئ الضمني الذي يشارك في صنع المعنى ، وهذا يعني أن القارئ الضمني موجود قبل بناء المعنى الضمني في النص و قبل إحساس القارئ بهذا التضمين عبر إجراءات القراءة .
وقد استخدم آيزر مجموعة من المفاهيم التي تعين على ضبط المرجعية التي ينطوي عليها الخطاب ضمنيا منها :

السجل :
يمثل مجموع الاتفاقات الضرورية لقيام وضعية ما . أي أن النص لحظة قراءته ولكي يتحقق معناه ؛ يتطلب إحالات ضرورية لحصول ذلك التحقق وتكون هذه الإحالات إلى كل ما هو سابق على النص مثل النصوص الأخرى و كل ما هو خارج عنه من أعراف اجتماعية و ثقافية " .

الإستراتيجية :
" تمثل مجموع القواعد التي يجب أن توافق تواصل المرسل والمرسل إليه كي يتم ذلك التواصل بنجاح فوظيفتها أنها تصل بين عناصر السجل وتقيم العلاقة بين السياق المرجعي والمتلقي فهي تقوم برسم معالم موضوع النص ومعناه و كذلك ما يتصل بشروط التواصل " .

مستويات المعنى :
هناك مستويين تتم وفقهما عملية بناء المعنى بالانتقال من المستوى الخلفي – المضمون- إلى المستوى الأمامي – الشكل – فيتعامل القارئ مع النص حين يلتحم المستويين في إطار ما يسميه – السياق العام - .

مواقع اللاتحديد - الفجوات - :
" وقد أخذ آيزر هذا المصطلح من أنجا ردن وأجرى عليه تطويرا ؛ فإذا كان أنجا ردن رأى أن ملأ هذه المواقع يكون بشكل تلقائي ، فإن آيزر رأى أن عملية الملأ هذه تخضع لسلسلة من الإجراءات المعقدة التي يستحضر فيها المتلقي – سجل النص – وكذا خبراته في فهم النصوص . وهذه الإجراءات أساسها عملية الاستبعاد و الإرجاع أي أن المتلقي حين يستبعد بعض العناصر ؛ فإنه يقوم بنشاط تعويضي .

والحقيقة أن عملية الاستبعاد و الإرجاع التي يقوم بها المتلقي ؛ إنما هي أفعال ترتبط ارتباطا ضروريا بدراسة العمل الأدبي . و لهذا السبب أشار آيزر إلى أن الظاهراتية قد نبهت بإلحاح إلى أن دراسة العمل الأدبي يجب أن تهتم ليس بالنص الفعلي فقط ، بل كذلك وبنفس الدرجة بالأفعال المرتبطة بالتجاوب مع ذلك النص" .

بالتالي فإن الأساس لدى آيزر في قراءة الأعمال الأدبية إنما يكمن في ذلك التفاعل الحاصل بين بنية العمل – الأثر – و متلقيه ؛ أي أن العلاقة بين ثنائية النص/ القارئ علاقة تفاعلية :

تفاعل
النص المتلقي
ولأن عنصر القارئ – المتلقي – هو العنصر الأهم في عملية التفاعل بين البنية النصية وهذا المتلقي ، فإننا نجد آيزر يطرح مفهوما أساسيا في رؤيته الجمالية للتلقي ، إنه مفهوم : القارئ الضمني معترضا فيه على مفهوم واين بوث حول المؤلف الضمني .
وفي حديثه عن مفهوم القارئ الضمني أوضح آيزر الفروق بين مفهومه ومجموعة المفاهيم الأخرى الخاصة بالقارئ السابقة عنه .

القارئ المثالي :
وهو في نظره محض تخيل ، بناء خالص ينطوي على استحالة مبنية للاتصال . ومن هنا فإنه خلافا لأصناف أخرى من القراء هو تخيل يفتقد إلى كل مرتكز واقعي ، و بوصفه تخيلا فإنه يملأ ثغرات الحجية التي تنفتح خلال تحليل العمل و التلقي . و هو قادر بفضل لا نهائية التخيل أن ينسب إلى النص مضامين متغايرة " .

القارئ المعاصر :
يتعلق الأمر بتاريخ التلقي وكيفية استعمال النص الأدبي من طرف الجمهور . و يأتي دور هذا القارئ في إطار الأحكام النقدية الصادرة تجاه الآثار الأدبية في حقبة ما ؛ لتعكس وجهات النظر وبعض الضوابط السائرة بين الجمهور المعاصر ؛ حيث يعمد تاريخ الأدب من حين لآخر إلى شهادات القراء الذين يطلقون أحكامهم على أثر معين في فترة بعينها .

3-القارئ الخبير :
وهو مفهوم طرحه الناقد ستانيلي فيش stanly fishوأوجب فيه مجموعة شروط لعل أهمها أن يكون هذا القارئ قادرا على التحدث بطلاقة اللغة التي كتب بها النص. و كذلك أن تتوفر فيه المعرفة الدلالية مما يوجب معرفة للمجاميع القاموسية ، و احتمالات أوضاع اللهجات الفرعية واللهجات المهنية . والشرط الثالث هو الكفاءة الأدبية حيث إن القارئ الذي أدرس أجوبته هو قارئ خبير . إنه ليس تجريدا و لا قارئا حقيقيا و لكنه كائن هجين .

ويرى آيزر أن هذا القارئ جاء به ستانلي فيش استنادا إلى النحو التوليدي للتحولات الذي يعرض النص للتغيير لمجرد الإحالة على نحو النص . و لذلك فإن الدور الذي يؤديه القارئ الخبير من خلال استعراض كفاءته للوصول إلى النواة اللسانية يختزل الفهم ، إضافة إلى ذلك رآى جوناثان كوللر "أن ما يزعمه فيش عن قراءة الجمل كلمة كلمة في تعاقب زمني إنما هو أمر مظلل..." .

القارئ الجامع :
وهو مفهوم طرحه ميشال ريفاتيرm.revater ويشير به إلى أن هذا القارئ يعين مجموعة مخبرين تتكون في النقاط الحساسة للنص ، حيث يبنون بردود أفعالهم وجود واقع أسلوبي . و حين تظهر مفارقات داخل النص فإن القارئ الجامع هو الذي يضع يده عليها ، و ينهي الصعوبات التي تصطدم بها الأسلوبية التي تدرس الانزياحات عن ضابط اللغة .
لكن آيزر وجد أن المفاهيم السابقة تعبر عن وظائف جزئية وهي غير قادرة على وصف العلاقة بين المتلقي و العمل الأدبي .

القارئ المستهدف :

هو متخيل القارئ ؛ أي فكرة القارئ كما هي مشكلة في تفكير المؤلف من القارئ إذ تظهر بأشكال مختلفة داخل النص ،وهي التي تحدد نوع القارئ ،فباستطاعتها إعادة توليد القارئ المثالي و يمكنها أن ترتسم في ضوابط وقيم القارئ المعاصر .وهذا المفهوم يبين أن ثمة علاقة بين شكل تقديم النص والقارئ الذي هو موجه إليه .
وقد انتقد آيزر هذا المفهوم حيث وجد أن هذا النوع من القراء ليس سوى واحد من آفاق النص ،
وعلى العكس من ذلك فإن دور القارئ ينجم عن تداخل الآفاق كلها.
وبالتالي فقد رأى آيزر أن جميع المفاهيم السابقة إنما كانت واقعة تحت هيمنة توجهات نظرية مختلفة و لذلك فهي تعبر عن وظائف جزئية .
فالقارئ الجامع : يصلح لتحديد الواقع الأسلوبي على وفق كثافة النص .
والقارئ المخبر: مفهوم تربوي يهدف بوساطة الانتباه الذاتي لردود الأفعال التي يولدها النص إلى تحسين الاخبار . ومنه إلى تحسين مقدرة القارئ .
والقارئ المستهدف : هو إعادة بناء للفكرة التي كونها المؤلف عن القارئ ضمن محدداته التاريخية والقارئ المثالي : هو ضرب من التخيل يمتاز بقدرة عالية تجعله يمتلك دليل المؤلف نفسه .
ويحصر القارئ المعاصر : عمله في كيفية تلقي عمل ما من طرف جمهور معين .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.