الصفحات

دونكيشـــــوت حــــارتنــــا ...**صلاح احمد

نعم دونكيشــوت بيننـــا . دونكيشـــــوت بشحمـــه و لحمــــه بيننــا ...
لمـــا نظـــرة الإستغــــراب هـــذه ، لمـــا التّهكــم ، لمــــا الضحــك . أعيـــدها بملـئ فمــي ، دونكيشــــوت الــذي قصـــدت بيننـــا .إبــــن جلدتنـــا ، منّـــا و فيـــنا ..
أبــــدا لـــم أقصــــد ذاك الـــــذي .....وإن تشــــــابهة الأسمـــــاء . أبــدا لــم أقصـــد ذاك النبيــل الإسبـــــاني الــــواهــــم ... ذاك المــــؤمــن بــأوهــــامه ، ذاك الطّـــويل
النّحيـــف ، الـــذي فقـــد عقلــــه ، مــــن قلّــــة النّـــوم و الطّعـــام . ذاك المــــولع بقــــراءة الكــــتب ، المصــــدق لمــــا بين طيّــــاتهـــا من خزعبـــلات . أبـــــدا لــم أقصــــد ذاك الحـــالم بـــأنـــه فــــارســــا جـــــوالا .ذاك الشّهـــــم الــذي بـــاع أمــــلاكه و أطيــــانه ، ليستعـــــين بمــا كسبـــه في رحلتـــه المجهــــولة النهـــاية .
أبــــدا لــــم أقصــــد ذاك الـــذي وضع على رأســـه خــوذة مضحكــــة ، و حمـــل بيده رمحـــا ، و على خــــاصرته سيفـــا و امتـــطى فــــرســا هـــزيـــلا ، و أنطــلق متجـــولا في البلـــدان ، لينتقـــــم من مظــــالم الظّـــالمين على رأيـه ، و يصـــلح من أخطــــاء الفــــاسديــــن ، و يقضـــي عـــلى الشّـــــر ... ذاك المحـــب للخيـــر ، العـــازم على حمــــاية الأيـــامى ، و مســــاعدة اليتـــامى و المســـاكين ، و إغــاثة المحتـــاجين و الملهــــوفيـــن .
يـــا له من مسكيــــن دونكيشــــوت إسبــــانيــا ، يا له من واهـــم معتــــــوه . بــــدد كل مــا يملــك من اجـــل أوهـــام و أفكــــار بـــالية آمـــن بهـــا . المسكيـــــن وقــف في وجـــه الطّـــواحيـــن ، طـــواحيـــن الهــــواء ، قـــارعهـــا ظنّــا منه أنها شيـــاطين ، تــــــريد بالعـــالم شـــرا . حمّـــل نفســـه ما لا تطيــق ، عرّضهـــا للمهـــالك .
دونكيشــــوت بطلنـــا ، لا عــلاقة لــه بــلامنشـــا . إنه بيننــا ، و إن تشـــابهة الأسماء.
لا هو بالفــاقد عقلــه ، و لا هو بالواهــم ، و لا هــــو بالحـــالم .
دونكيشــــوت حـــارتنا ينــــام ملء جفــــونه ، ســـاعة القيلـــولة و قهوة المســاء ، أمرا مفروغــا منه .يحب الطّعـــام ، يعشـــــق الــدّســــم منه . صيــاد ولائــم بـإمتيــاز .
لا عــــلاقة له بالكتــب و لا بالقــراءة .لم يكن مهتمــا ليعرف عن أمثــالـــه .
أبــدا لم يكــن نحيـــفا ، و لا طويلا ... قصيــر القــامة ، منتفــخ البــطن ، كبير المؤخرة .بطلنـــا - أقربكــم الى الأرض أشــدكم بــلاء - يضحــك ، تعجبه هذه المقـولة كثيــرا .تشعـــره بالفخـــر . لــم يركب فرســا في حيــاته ، لم يحمــل رمحــا ، لم يتــابط سيــفا ، لـــم يعتمـــر خوذة ، و أن كــانت مضحكة . أشـــد أسلحتــه فتكــا ، و أكثرهــا فاعلية ، وقــاحته ، وقاحة فـــريدة . يعــرف من أين تـــؤكل الكتـــف .و غيرها عــلى رأيــــه .
- على الأنســان أن يعرف من أين تـــؤكل الكتف ، و غير الكتف . فهنـــاك ما هو ألــذ منها ، و أطيب و أنفع . عليك ان لا تكتفــي بالكتف ..
نظريته التي يتشــدق بها ، بمنــاسبة و بغير مناسبة . يبتسم بخبث ، إن ســالته عن الالذ من الكتف و الأطيب .و الذي علــيّ أن أعرف من أين يــــؤكل .
لـــم يكن دونكيشــــوت حـــارتنا مضطــرا ليركب فرســا ، و يجوب الأمصار و الوهاد و الوديــان .ماثــلة أمامــه بــكل تفـــاصيلهــا ، بــات الليالي الطوال متوســدا حجرا هنــا ، و قــاسم رفــاق الجهــاد كهفــا هنــاك . منهمكا ينصب الكمائن لجنود المحتل الغاصب . يكلمك عنها حجرا حجرا ، و منحدرا منحدرا ، سفحا و قمة ... دونما حاجة للسفــر اليها .فــارسا قل مثيــله ، أسطـــورة قــل مثيلهــا .
دونكيشــوت حـــارتنا ، تشهـــد على بطــولاته ، المعــارك التي خــاضها في سبيل الوطن . الأهــوال التي واجههــا .و هو في مكــانه حيث هــــو .
عجــز عن عــد الكمــائن التي نصبهــا للأعــداء و أتت أكلهــا ، أشـــلاءا و جثثــا .
المعــارك التي شــارك فيــها . عدد اصابع يدك الطــائرات التي أسقطهــا للأعــداء .
دمعــــة حــارة غلبتـــه ، تــذكره الــرفــاق الذين رحلوا لدار الخلــد .
دونكيشــوت ديلامنشا ، كسرت كتفــه مرة . ســال دمه الغــزير مــرة .
بطلنــا كســرت كتفه مـــرات و مـــرات . إختـــرق الــرصاص جســـده مــرات و مـــرات .ســال دمه غــزيرا مـــرات و مـــرات .مـــات مـــرات و مـــرات .
نعم مـــات بطلنــا مــرات و مـــرات .لما التعجب ، لما علامات التعجب هذه .
لما الاستغــراب . حـــاشــاه معتـــوها ، حــاشاه كاذبا ، حــاشاه واهمــا .
بلســـم فيـــــرايرس ، و الذي يدعي دونكيشوت اسبانيا أنه الوحيـــد العــارف بســره .ســـر الخلطـــة العجيبـــة . ســر البلســـم الذي تكفي منه قطـــرة واحدة ، لينجـــو المصاب من أي إصـــابة ، مهما كانت بليغـــة .و إن شــق المــرء الى نصفيــن حتى .فقطــرة واحدة من البلسم العجيب ، تجعل المصاب يقف على قدميـــه ، كــأن شيئا لم يكــن .
ابدا لســـت وحدك من عرف ســر البلســم العجيب السيد ديلامانشــا . فدونكيشوت حارتنا عرفه و استعمله ، مرات عده .و ان اختلفت المسميات ، فبلسم سوداويس العجيب على رأي فــارسنا ، أعـــاد له الحياة أكثر من مرة ، كيف لا و هو الذي استشهد أكثر من مرة . و لولا بلسم - ىســـــوداويــس - العجيب ، لما رايته بيننــا .ســالما معــافى ، يقص علينا الذي عاشه و عــاناه ، و الذي توهمه و تمناه . و لولا بلسم ســوداويس العجيب ، لطوى الزمن تــاريخه النــاصع .و هو المغوار الذي هــزم الأطلســـي .و تــلاعب بالمعمرين الســذج ، و سلبهـــــم مــا سلبهــــم من خيــرات مـــزارعهم ، و بيــض دجــاجهم ، و زيت زيتــونهم . و سرق النوم من عيون الخــونة و أعـــوانهم .فمن أكبر أعماله البطولية ، و الماثلة في الأذهان الى يومنا هذا تسللــه الى مكتب الضــابط الفرنسي ، المكتب الثــاني بالتحــديد ، وتركه على مكتب المعني رســـالة وعيد و تهديد بالتّصفية ، جراء ظلمه ، وتماديه في أفعاله الشنيعة. وقد شهـــد له بهذا العمــل البطولي الخـــرافي ، شيخا من شيـــوخ قريتنا ، و الذي لا يرقى الى شهــادته الشـــك ، أنـــه و في هجيــر يوم صيــف قــائظ ، رأى بأم عينـــه دونكيشـــوت حــارتنا الهمام ، متسللا من الباب الخلفي لثكنة الأعداء ، قــاصدا البســـاتين التي بالجـــوار ، بعد أن أنهى مهمتــه البطولية الخــرافية على أكمل وجه .
نعــم لست وحدك دونكيشوت اسبــانيا من هرعت لإنقـــاذ الأميـــرات العفيفات ، ممن اراد سبيهـــن ، و الإعتــــداء على شـــرفهن . فدونكيشــوت حــارتنــا له في إنقـــاذ الأميرات العفيفــات الطـّـاهرات ، صولات و جــولات .
فـــارسا مغوارا في محاربة عـــدوهم اللدود ، - الــــــوحــــــدة - فلا عدو للاميرة العفيفة الا هذا الشيطان ،هذا المارد الذي اسمه الــوحده .لم يكن فارسنــا الهمــام ليترك أميــرة جميلة وحيدة تصارع هذا المــارد ، فرسه الابيض مستعدا . دائما في الوقت المناسب ، و رمحه أيضــا . معركته الأولى مع المارد -الوحـــدة -، يوم أنقـــذ الاميــرة العفيفـــة - زينـــــــب .من وحدتها و هي إبنه التسعة عشـــر ربيعــا .
- أنـــا هنـــا لــك بالمــرصاد أيتهـــا الوحـــدة القـــاتلة .، و بعد أن هزم وحدتها ، و أطمـــئن عليها و ارتاحــت نفسه المحبة للخيــر . وصلـــته أخبــارا أن الأميــرة أرمـــلة رفيق الســـلاح ، و الذي سقـــط شهيــدا في ميدان الشـــرف ، تصتصـــرخه ، بعد أن تمكن اليـــاس منها ... حــز في نفســه و هو الفــارس الشهــم ، المستعـــد للتضحية دائمــا من أجل فعل الخيـــر و نشـــره .إنطلق كعــادته لا يشق له غبــار .
- أيـــن أنـــت .أيهــا اليـــأس الجبــــان ، أين أنت ، أرني وجهـــك القبيـــح إن استطعــت ، ارني قــوتك التي تدعي ... لا عليـــك يــا أميـــرتي ، يــا أرملتي الغــالية .لقـــد فـــر هــاربا الى غير رجعة . ضم فــارسنا الشهم الأرملة الغالية الى صدره ، وابتســـم .
الصـــدفة سيـــدة الموقــف هذه المــرة ، لم يخطط دونكيشوت حارتنا لهذه الجولة .صدقا لم تــكن في الحسبـــان ، و التي ظلت تلوكهــا الألسن الحاقدة الى وقت قريب
خديجة العفيفة ، المثقفة ، و التي سقطت هي ايضا بين مخالب المارد القاتل -اليــأس.
و ما أن سمعت بدونكيشوت حارتنا في جولة بالجوار ، حتى صرخت وادونكيشوتاه وا فارســـاه .قفــــز الفـــارس المغـــوار من على صهوة فرســه ، نط من على ســور البيت السجـــن ، و في لمح البصر ، سدد ضربته القاضية ، فسقط المارد -اليــأس- بلا حـــراك . يــا لــه من فـــارس ، و يــاله من شهـــم و يا له من بطل قلّ مثيله .
أيــن أنت منه يــا معتــــوه ديلامنشــا ، أين أنت من همــامنا يا مجنون إسبــانيا .
أين أنت من سميــــننــا ، أيها النحيــف من قلة النّــوم والطّــعام .أين أنت من المنتفخ البطــن، محب الطّــعام ، عــاشق الدســم ، مكرم الإناء.أين أنت ممن يعرف من أين تــؤكـل الكتف و غيرهـــا ، هذا القريب من الأرض ، المحــب للخيـــــر .
حــزّ في نفسي أن تــرحــل دونكيشوت قريتنا في صمـــت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.