الصفحات

الجذور .... * د. سوزان اسماعيل

كانا على مقعد واحد في المدرسة الخاصة التابعة للكنيسة الأرثوذكسية السريانية، مجتهدان، يواظبان على أداء واجباتهما على أكمل وجه، وعلى احترام معلمتهما وحبها، وعلى نظافتهما الشخصية ونظافة المدرسة.
يلعبان بالباحة عند الفرص بين الصفوف، يقعدان على درج الحجر الواصل بين بهو المدرسة والباحة، يتناولان ماوضعته لهما والدتاهما في المحفظة، يتبادلان قضمًا من اللفافات التي تحوي الزيت والزعتر، أو جبنة الغنم البلدية التي تشتهر بها المنطقة، وينهشان الخيارة أو التفاحة نفسها، لما ينتهيان من الطعام يلعبون الغميضة مع أصدقائهما.
ومن طقوس المدرسة الصلاة الصباحية كل يوم.. يقوم بتأديتها طلاب الصف وهما أيضًا
في يوم من الأيام..
كان عامر يدمدم بتلاوة الصلاة، يؤديها في البيت:
ـ أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير. لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد.
آمين.

ونظرت الأم مشدوهة وهو يضع قبضته على كتفه اليمين ثم اليسار ثم الرأس فالصدر..
أسقط بيدها.. فلم تدرِ ماهي فاعلة، فكرت مليًّا.. ثم نادت:
ـ عامر ..
انتبه الصبي لها وأجاب:
ـ ماذا ياأمي؟
ـ منذ متى تصلي هذه الصلاة يابني؟!.
ـ من بداية العام يا أمي.

استجمعت قوتها وماتبقى من عقلها الباطن ومن خلفية بيئتها الفطرية:
ـ يابني نحن مسلمون، لانصلي هذه الصلاة المسيحية، لنا صلاتنا!.
ـ مامعنى إسلام ومسيحية؟
ـ هما دينان هدفهما واحد هو عبادة الله الذي خلقنا ويحبنا والذي يراقبنا ويكافئنا بما نفعله إن كان سرا أو علانية إذا عملنا أعمالا حسنة أحبنا، وإذا عملنا الأخطاء نخشى أن يزعل منا فيعاقبنا، لكنه كبير عفو غفور، يعرف أننا نخطئ لأننا بشر، لذا نستغفره ونرجع عن الخطأ ليسامحنا، ولقد بعث برسله على مدى العصور ليهدوا البشر إلى عبادته لنشكره ولنطلب حمايته ومعونته.
ولقد أرسل الله الرسول عيسى عليه السلام واسمه المسيح أيضا أتى بمكارم الأخلاق والتسامح والمحبة، واتبعه الكثيرون وعلمهم الصلاة التي تصليها الآن، وبعد مئات السنين جاء بسيدنا محمد إلى قوم يعبدون الأصنام، تاهت عقولهم فهداهم للحق وعبادة الله الواحد ونشر الحق والعدل وعلمنا صلاة أخرى نقول:

الله أكبر
نقرأ الفاتحة وسورة صغيرة معها أو ماتيسر من القرآن
ثم نركع ونسجد
ونؤدي الشهادة بالنهاية ( أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ).

بعد إصغائه الطويل لحديث أمه وماتبعه من تفاصيل اعترته الدهشة فسألها:
ـ ماالفرق بيننا وبين المسيحيّين، وربُّنا منْ يحبُّ أكثر؟!.
ـ لافرق يابنيّ، فكل منا يولد على دين أبويه لايختار دينه، فهم على قول رسول الله:
’’ (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ).
الله يحب الجميع فجميعنا أولاده، يحب الأخيار ويكره الأشرار.

قضى عامر بقية يومه يفكر فيما تلقاه من والدته. ويتذكر بوجع فراق صديقه عندما تفرزهما المدرسة كل في مجموعة لتلقي مادة التربية الدينية..
وأمه قلقة حائرة لأنها لم تكن تحب أن يشعر ابنها بالفرق بينه وبين الآخرين، وهي ذاتها لم تكن تعير تلك المسائل اهتماما، لكنها أحست بواجب فرضه المجتمع بتعريفه بهويته الدينية.

في اليوم التالي، بقي عامر في باحة المدرسة أثناء تأدية الصف للصلاة، مهموما حزينا متسائلا: لماذا أنا وجورج من دينين مختلفين؟!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.