الصفحات

مجرد يوم….. * سمر الكلاس

 محلات الألبسة كناقوسٍ يهتز أمام عينيها الغارقتين بشطآن الملح. تدثرت خيبتها، عليها أن تقدم نفسها بالشكل الذي يعكس ثقافة وحضارة بلدها، و بالشكل الذي يبعث الشغف والتطلع، لمعرفة المزيد عن هذه الحضارة، لاشك أن احتكاكها بطبقات مختلفة هو إثراء لثقافتها العامة.. مرغمة مضت لتختار فستاناً يلائم السهرة.. بنظرة سريعة حاولت مسح المعروض في واجهة المحل، ليس لديها الوقت الكافي للتردد.. يستعرض البائع الفساتين لمساعدتها.. الأسود يليق بك، أنت بيضاء..
وهو سيد الألوان.. أجابت.. نعم وهو سيد الأحزان.. و في سرها قالت.. ألا يكفي أيامي؟!.. اختارت ذاك الذي باللون الأزرق .. لون السماء والبحر.. هذا ما تحتاجه.. اشترته وملحقاته المناسبة.. وعادت إلى البيت مسرعة.. شيء من القلق يراودها وأخذت تحدث نفسها.. نعم بإمكانك أن تكوني روبوت.. فقط عليك بالرّيموت.. دوسي هذا.. ثم هذا.. ستنحدر الأفكار من رأسك حتى قدمك.. نعم هكذا هي الحياة هنا.. دخلت المطبخ.. أعدت طبقين، التبولة و فتوش الباذنجان.. ثم دخلت الحمام تستعد لسهرة المساء.. أنهت في الوقت المناسب زينتها واتجهت للباب تستعجل زوجها وصديقه.. انطلقت السيارة بهم.. وحين وصولهم.. كان باستقبالهم السفير البلجيكي وزوجته صاحبا الدعوة.. رافقاهم إلى الداخل تعارفا على الجميع.. كانت ردهة السفارة مقسمة إلى ثلاث أماكن.. مكان لوقوف المحتفلين.. وآخر لجلوس المتعبين منهم.. وركن للرقص.. النساء آثرن الجلوس.. جلست تشاركهم الحديث.. تنهدت بعد أن ملأ الفراغ وحدتها.. انسحبت.. وجلست في ركن الموسيقى وحيدة على الطاولة.. فزوجها مع أصدقائه.. اقتحم خلوتها، صديق يتحدث الفرنسية.. وحدك؟!.. هنا في مكان يعج بالناس؟.. ضحكت وقالت تفضل.. جلس بعد أن شكرها.. قال لها.. جئت لمساعدتك.. نظرت بدهشة.. وعدلت ياقة فستانها.. دفعت شعرها إلى الوراء.. وقالت تفضل.. يقول زوجك بانك.. لست اجتماعية.. انفجرت ضاحكة.. لم تكن محبطة.. لكن مزاجها تعكر.. ابتسمت.. وأخذت تدندن مع الموسيقى.. تتمايل بجسدها.. لمحته يراقبها بصمت، عليها ألا تشعره بمزاجها.. قال عليك أن تعودي لمجمع النساء وتجلسين برفقتهم ليعرف الجميع أنك لست كما يقال.. - لن أعود.. أحاديثهم مملة عن المطبخ والأزياء وأنا كما رأيت دخلت وبيدي طبقين من المقبلات السورية.. هذا يعني أني خرجت من المطبخ إلى هنا.. هل عليّ أن أعود إليه بأحاديثهم؟... توقعت أنهنَّ سيدات مجتمع وأحاديثهن مختلفة.
- أنت راائعة.. دعيهم يعرفون السبب..
- لا عليك.. لا يهمني.. ارتفع صوت الموسيقى.. بلا مبالاة.. نطقت فرحة أوه.. تانغو.. مد يده وقال.. أترقصين؟!.. أعطته يدها وقالت.. بسعادة بالغة.. ما جئت إلى هنا إلا لكي أرقص.. نهضا وهما يضحكان.. قال.. ترقصين ببراعة.. حدثيني عن نفسك.. أخبرته بموجز بسيط عن خبراتها العلمية ومكانتها العملية، مستعرضة أهميتها في المجتمع العلمي.. كان عليها أن تظهر براعتها بالرقص.. وبالحديث.. وقد فعلتها.. جلبت أنظار المحتفلين.. كانت بين يديه، كغصن أخضر لين، أينما سيّرتها يديه برشاقة تتحرك.. حتى أنها أثارت شهية التصفيق لدى الجميع. كان الزوج يراقبها طيلة الوقت، بدا ممتعض.. يداه ترتعشان، سيطر عليه الغضب.. أهي الغيرة؟!.. بالتأكيد لا.. أمسك بيدها وبدون اعتذار قال يكفي هذا.. أنت مرهقة.. اعتذرت من الصديق في هذه الأثناء .. قاطعهما السفير الألماني وهو يعتذر من الزوج.. هل لي أن أتحدث مع سيدة الجمال.. أخذ بيدها قبلها.. ثم قال بالرغم من أني حزين.. دعوتِ الجميع لحفلة عشاء رااائعة ولم أتلق منك أية دعوة… نظرت إلى زوجها بدهشة.. وقالت.. كيف.. وزوجي يعمل عندك؟!.. أرسلت دعوتي لك مع زوجي.. وأنت لم تقبل.. قال وهو ينظر إلى زوجي.. لم تصلني منكِ أية دعوة..هنا شعر الزوج بالإحراج .. قال كنت أعتقد أنكَ لن تأت لمنزلنا المتواضع.. قال.. وهل أجرؤ رفض دعوة ست النساء.. لم يدعمهما الزوج لفترة طويلة.. سحبها من يدها وهو يعتذر.. آن أوان الرحيل.. ضحك السفير.. وقال الرحيل؟..أم أنها الغيرة.. خرج وهو ممسك بيدها وقال.. تعرفين أن هذا غير صحيح.. أن لا أغير.. غصت بصمتها..أحنت رأسها تحجب عينيها بخصلة شعرها وقالت..
-أكان يجب أن تكون فظا هكذا مع السفير؟..
- وهل كنت فظا؟!..
-بالإضافة إلى أنك تجاهلته في حفلتنا وعزمت حراسه فقط.. و
- لا أحبه.. هل لديك مانع؟..
لماذا إذا كنا هناك ؟..
- هل لي أن أعرف مالذي جعلك ترقصين؟.. لنتحدث..
- لا أظن أن هناك ما نتحدث به. صمتت صمت القبور.. وهي بجانبه بالسيارة.. شعرت بأنها تقف داخل عاصفة هوجاء، تقتلع كل ماتهب عليه.. وهي لا تستطيع حراك.. وصلت إلى المنزل، ترجلت من السيارة وكأنها جثة تمشي على قدمين.. بداخلها آلة موت تدك أعماقها، ومئات علامات استفهام اجتاحت رأسها كأشباح سوداء.. ارتدت ملابس نومها بعد أن أزالت عناء زينتها.. أسندت رأسها على المخدة وفردت جسدها على السرير..استعدت لتئد فيه كل أحزانها.. لطالما كان سريرها مقبرة لكل أشجانها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.