الصفحات

الشبح ــ قصة قصيرة .... حسناء قاديمي

يَتطلع إلى السماء والشمس الغاربة خارج المبنى، يظل هكذا ساكنا بالساعات كأنه تمثال يستند بالكوعين فوق المكتب، لولا الدخان المتماوج أمام وجهه لبدا ميتا ومحنطا، خطوط دخان تتدفق على مهد من غليونه العاجي إلى ما لا نهاية، ساكنا كأنه يصغي بإمعان لحديث عميق، يتأمل تفاصيله بعناية، يحاول تنظيم تشابكاته التي لا تنتهي باحثا عن
المعنى.. فجأة رن هاتفه الذي ظل يراقب ساعته السريعة لعله يحين موعد خروجه من المبنى المليئ بالحشد والأضواء المشعة، سر بالمتصل الذي وعده بإحضار كمية من الحبوب البيضاء، المادة العجيبة التي تصنع منه إنسانا عاديا، فوضع نظارته السوداء مغادرا المبنى مسرعا لشقته الفوضوية والمظلمة التي لا تُفتح ستائرها السوداء إلا ليلا لدخول الهواء، فالأشعة سيوف تَشق رأسه ولا تقتل الأصوات المزعجة التي تعشعش به، ود لو يقتلها بلا رحمة، ما ذنبه؟ جريمته الوحيدة في الحياة هي الحياة نفسها، أو لنقل تأجيل الموت ليوم آخر أملا في الحياة، أملا في أن يستيقظ يوما فيجد لنفسه حياة عادية، إنه كالمحارب في غابة مظلمة ومهجورة بلا بوصلة ولا يعرف العدو، لكنه مستمر بالقتال، يحارب الكل بدءا من نفسه إلى الزائر المؤنس الذي يسكن عقله ولا يلبث أن يغادره حتى يعود إليه.. ولما وصل لشقته وجد خالته العجوز محضرة معها العقارب السوداء والرصاص والمهراس النحاسي كعادتها كل سبت وأربعاء، لعل الشبح الذي يسكنه يغادره ويتركه للحياة.

حسناء قاديمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.