
أغاثت جذبا استبد بالبلاد و العباد ، فاستبشر الجميع بهذا القادم ، و تشاكسوا في التسمية حتى استقروا على اسم "ن" ، فشاعت الأنوار في البيت و قفز الحبور في جنباته . أحس بالطفلة تحمل في ثنايا وجهها قسمات كان يحملها وجه آخر في يوم ما ، اعتقد وهما أن صورته تلاشت مع الزمن ، لكنه طفق يحرك دواخله كلما أمعن النظر في صغيرته بعمق ، لحظات ، تهزه و تصرخ فيه " ما بك ؟" فيستفيق من لذة الغفوة و يرد عليها " هو غي قديم يا عزيزتي " لتسأله " هل الغي فيه القديم و فيه الجديد ؟ " يبتسم لها و يقبلها بين العينين ،
و يخرج من حجرتها ليخلو إلى نفسه بين أحضان أريكة ، مائلا برأسه إلى الوراء مغمض العينين في استرخاء الأموات ، مستحضرا لحظات لا تبلى . هناك كان اللقاء الأول في بيتهم إثر زيارة عائلية ، شاهدها أول مرة ، كانت طفلة في جسم مكتنز جعلها أكبر من سنها ، و أناخت الأنوثة و الحسن في الوجه البدري ، رشقه بعدد سهام حرب "طروادة" ، و مدت يدها إليه مصافحة في حياء ، فقبض على اليد أكثر ، و تمنى ألا تسحبها إلى الأبد.. ضن أنها نزوة عابرة انتهت بانتهاء الزيارة العائلية .. فكذبه الشعور الملازم كالظل .. و طارت الرسائل بينهما كالحمائم هدلت بالشوق ، ترسم الكلمات صادقة عنيفة باللهفة للقاء على اليابسة و الماء و فوق السحاب ، و العناق في الأحلام لوحة ترسمها فسحة الأرواح في أمكنة كالجنات .
كان يكفي أن يذكر الاسم المعلوم ، فيهتز الجسم و الروح و يعشق صاحبته حتى جنون المجنون ، قرأ كل قصص شهداء الحب العذري في التراث الإنساني ، و لقب نفسه ، بين نفسه، بألقابهم . و كم فتنته شخصية ذاك المجنون كيف تمسك بتلابيب الكعبة يدعو ربه أن يزيده من حب ليلاه.
فتح عينيه على صوت زوجته و هي تناديه ، لم يرد ، و عاد يغمضهما ليسرح في هذا الهيام الملحاح .. تراءت له "ن" في لباسها البوهيمي كغجرية أسدلت شعرها المجعد المتحرر من الأمشاط و التصفيف ، تخطو في غنج كعارضة أزياء ، ليلتهمها بعينين ملهوفتين ، يحملها بين ذراعيه يسابق الريح ، خائفا عليها من أشعة الشمس ، من نسمات الهواء ،من الآخرين ،من نفسه حتى ..
أحس بيد رقيقة تهزه هزا خفيفا ، تأكد أنها الطفلة قد جفاها النوم ،فخرجت ،كعادتها ، تتلمسه ليتم الحكاية ، و دون أن يفتح عينيه ،طلب منها أن تعود إلى فراشها ، رافضا أن تقطع عليه هذه الغفوة الجميلة ، فمن حقه أن يغفو ، إلا أن الطفلة تجمدت في مكانها معاندة عناد هذه الغفوة الجاثمة على مخيلته كالطود . نادى زوجته لتخلصه منها حتى يعود إلى الغفوة و ما حوت من جمال، أضفى عليها الشوق و الندم مسحة خفيفة من حزن لذيذ ، فلم تكن " ن" من نصيبه المقدر في علم الله الأزلي ، جاء ذاك الآخر المتربص في لحظة جفاء عابرة ، ليخطفها ،طاوعته . صعقته أخبار زفافها ، و تلذذ المرض بملازمته شهورا حتى أشرف على الهلاك ، و أذعن للقضاء في صمت أخرس ، صمت طال ثلاثة عقود فجره القلم كلمات في هذا الجنس الأدبي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.