هاتف بشبوش
في شهربان ، سالت الريالةُ الطفوليّةُ في أفياء بساتينها ، حتّى حبتْ وازدهرتْ وأعطتْ لنا القاصّ اليساري حسين رشيد الذي يخبرنا عن مآثر الموت ثمّ الحياة التي على خافقها شعلة منكّسة على الدّوام فيها من العثرات التي لابدّ لنا أن نضعها أمام محكمة العقل لكي نعرف ماذا نحن فاعلين ، العثرات النّاجمة من نظامٍ حاكمٍ أو صديقٍ أو حبيب حاول الطّعن بنا مرّات ومرّات .
حسين رشيد عضو إتّحاد الأدباء والكُتّاب العراقيّين، عملَ مسؤولاً للصّفحة الثّقافية في جريدة طريق الشعب ومحرّرا في ملحق الطريق الثّقافي، يعمل حاليّا كصحفي مسؤول لقسم التّحقيقات في صحيفة المدى، ويكتب عموده (فارزة) في يومي الإثنين والخميس،عضو اللّجان التّحضيريّة لملتقى الرواية الأولى في مهرجان المربد لأكثر من دورة ، له مجموعة قصص قصيرة معدّة للطّبع وهذا الكتاب موضوع بحثنا في هذه القراءة ( روشيرو) قصص قصيرة جدّا .
حسين رشيد يكتب عن الحبّ بكونه طاقة ... إنس .. ولع ... عادة ... الحبّ همس ... معشر.. هيام ... وئام ... الحبّ نظرة كما حصل للصّحفي مع ( هدى) في أحدى قصص المجموعة . لايمكن أن نتوقّف لو أردنا أن نتكلّم عن الحبّ .. فهو الكلمة الضاربة من الأزل نحو الأبديّة ،منذ التفاحة وسقوطها حتّى النّزق الذي كان يرفل به أحدنا وهو في الجامعة أو الزّقاق مع الجميلات اللاتي شكّلن لنا الحلم الغائب ، في خضم تعاليم حياتية صعبة للغاية ، أحيانا تحشرنا في منعطف خطير لانعرف ما هو التّصرف حيالها ، هل نستمرّ في الحبّ ؟ هل نطويه ، أم ماذا ؟حلول كلّها على الطّاولة وعلينا أن نجد الخيار ولكنّنا لانجده كعراقيّين وُلدنا تحت الأسوار وعلى الأسوار نموت .
من جانب آخر نرى حسين رشيد يتناول الحبّ بكونه خاضع للآيروتيك الريتسوسي و الذي يجب أن يكون كما في قصّة الإسكافي التي سنمرّ عليها لاحقا وممارسة الجنس بين الطرفين لا ذلك الحبّ العذري الذي يخلق الجنون كما حدث لديفداس الهندي . لو تصوّرنا شعوب الأرض متصوّفة ناسكة في الحبّ رجالا ونساء سنراها مخبولة كما قيس أو أنّها تحتاج إلى ربٍّ خاصّ لهذا الموضوع إسمه ربّ المجانين وهذا ضرب من الخيال ، ولمَ هذا الاعتقاد بأنّ الجنس نوع من الإثم والتّدنيس؟ فمن أين جاءت أمّهاتنا وآباءنا ثمّ نحن ؟ ألم نأتي من هزّة الجماع العظيمة التي مورست تحت مؤسّسة الزواج الشّرعي ؟ أو الزّواج الرّسمي الذي سُنّ من أجل تعقيم الجنس ليس إلاّ؟.
حسين رشيد كتب الألم العراقي الموروث ، الألم الذي يدخل بيوتنا وأنفسنا دون أن ندرك ونخطّط ، الألم الذي يصفه علي الوردي لدى طالبٍ عراقي كان يدرس في أمريكا حين يدخل ليستحمّ تسمعه جارته الأمريكيّة وهو يبكي فتطفق تبكي معه بدمعٍ هطول حتّى أخبرت المعنيّين لإيجاد حلاً له ودراسة حالته الباكية هذه ، ولما جاءوا إليه ، إستغرب الأمر وأنكر أنّه كان يبكي ، حتّى تبيّن أنّه حين يدخل ليستحمّ كان يغنّي مواويلاً وأغاني عراقيّة حزينة تقطع نياط القلب ، هذا هو العراقي بحقيقته الدامعة وبما فيه من عُنفٍ دفين .
حسين رشيد يكتب عن العراقي و مناجاته للربّ دون الفهم العميق بل المناجاة السطحيّة العالقة في أطراف العقول ، حيث نرى على سبيل المثال حين يصل العراقي إلى أوربا وحالما يشبعُ حرية وطعاما ونقوداً نراه يصيبه النّكوص بل يتحوّل إلى رجعيٍ أصيل . فبدلا أن يكون أكثر مدنية وحضارة وديمقراطية ، نراه يلجأ إلى الأكليروس ، ويجبر عائلته على إرتداء الحجاب قسرا وأما خلاف ذلك ، يلجأ إلى القتل إذا أجبرته الظّروف وحصلت هذه الحالة في أكثر من مرّة ومرّات .
في هذه المجموعة أقرأ جنون وحكمة حسين رشيد وهو يسلك النّهار بفانوس ديوجين ، يضرب مع الحبّ مجاديف العشق في الأنهر الهادرة من فيض عصفوريته التي كرهت ( إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب) التي حاولت أمريكا عدوّة الشّعوب فرضها على بني البشر بحجّة العولمة لكنّها اليوم وجدت نفسها ليست الدّولة العظمى الوحيدة بعد أن رمّم الرّوس والصّين وكوريا الشمالية والكثير من شرفاء العالم ما يتطلّبه العصر من قوّة للتّوازن الدّولي .
تبدأ المجموعة بالقصّة التي تحمل موسومية الكتاب ( روشيرو) الإسم الذي يمتدّ كرمزٍ بابليّ إلى ما قبل ستة آلاف عام والذي بنى وأشاد وعمّر ، فيعطينا الفرق الشّاسع في خراب اليوم ودماره في الميزوبوتاميا ذاتها، ثمّ قصّة (شقتان) التي أبدع فيها حسين في وصف لعبة الحياة والموت تلك التي تتكرّر في كلّ ثانية على وجه الفسيحة المترامية .
اللّعبة التي ترتبط وشائجها بالجنس الذي يسلب إرادتنا وعقولنا وذاكرتنا في لحظة الذّروة والأورجازم ، قصّة تتحدّث عن شخص أراد الإنتحار نتيجة اليأس من أيّام الحصار حيث باع كلّ ما في شقّته لتسديد الدّين ولم ينفع فيلجأ لفكرة الموت والخلاص فيعلّق رقبته بحبلٍ تدلّى من السّقف بينما هو يقف على كرسي، وفي لحظة الإنعتاق من الحياة تلوح له من النّافذة فتاة عارية في الشقّة الثانية المقابلة لشقّته فينسى الموت وهو معلّقا بالحبل فيبدأ بممارسة العادّة السريّة وفي لحظة القذف يتهاوى الكرسي . إبداع وخيال عظيم من قبل القاصّ حسين وهو يصف التّرابط العضوي بين الموت والحياة في لحظات المكاشفة الصّريحة في حكم الجنس علينا والذي يعني بالنّتيجة الحياة لطالما نحن ولدنا من سلطان الشّهوة والجنس والمضاجعة، أمّا الموت فكتب عنه بما لايحصى من الأدباء لكنّني سأكتفي بما قاله قبل فترة وجيزة الشّاعر الكبير يحيى السماوي :
لـيـس تـشـاؤمـاً :
أحـيـانـاً يُـخَـيَّـلُ إلـيَّ
أنَّ الـمـوتَ هـو الـدّواءُ الـوحـيـد
لـلـشّــفـاءِ مـن شـقـاء الـحـيـاة
موضوعة الجنس لدى العراقي هي الشّاغل حتّى في نكاته وفوازيره نظرا لحرمانه الطّويل من المرأة، ولذلك هناك قولا لأحد الكُتّاب الشّهيرين ينطبق كليّا على العراقي والشّرقي بشكلٍ عامّ ( الرّجال يحملون قلوبهم في أعضائهم الجنسيّة أمّا النّساء يحملن أعضاءهنّ الجنسيّة في قلوبهنّ) وأمّا أنا فأقول من أنّ الرّجل العراقي ، مشروعُ حربٍ واستمناء والمرأة العراقيّة مشروعُ ترملٍ ..وتثكّل ..وهجرٍ .. وفقد ..كما في القصّة ( هدى) وكيف خسرتْ من بدأت تحبّه توًّا:
سردٌ يتحدّث عن الموت والحبّ أيضا ، حيث يموت صحفيّ نتيجة الإرهاب و الذي كان يكتب عمودا يوميّا في صحيفةٍ كانت تقتنيها (هدى) من أحد الباعة فتلفت نظر الصّحفي ويحبّها من طرفٍ واحد. وذات يوم كعادتها اشترت الصحيفة وبحثت عن عمودها اليومي فترى مقالا بعنوان (هدى) المرأة المكافحة التي كانت تعمل في كشكٍ بسيط لتعيل عائلتها ونفسها كطالبة جامعيّة وكان هذا آخر مقالٍ له قبل موته، قصّة قصيرة اختصرت لنا كلّ معاني موت الحبّ الذي يأتي على حين غرّة في أوقات الحرب التي تخلق لنا آلافًا من القصص الخيالية التي لا يصدّقها العقل البشري وما أكثرها التي تناولها الفنّ السابع في أكثر من دراما مبكية . قصّة تقول لنا من أنّ الموت والحياة هما بمثابة اللّعبة الأبدية التي يتعاقب بها العدم والوجود كما نقرأ أدناه في ( اللعبة):
هنا أقرأ حسين رشيد الفلسفي أكثر منه أديبا قاصّا، سرد يتناول تبادل الأدوار والمتناقضات فيما بينها كاللّيل والنّهار والشّمس والقمر والرّيح والنّار، لعبة نشاهدها في السّرد الذي يقترب من التّشكيك بمدى قدرة الربّ الجزئية والكليّة التي تنتهي بالمطاف إلى عجزه وروتينية وجوده التي تؤدّي به إلى الإنتحار والخلاص من ذاته وجبروته أو موته النيتشوي ( نحن من وجد الله ..ونحن قتلناه...نيتشه) أو موته من وحدته القاتلة كما هو حال الجبابرة والعظماء الذين حالهم ربّما أسوأ بكثير من حال الإسكافي الذي نجده في الرّائعة الآيروتيكية للقاص حسين ( الثامن) :
لولا جمالكِ وحبّكِ والسّرير... ما تخاصم الأميرُ و الفقير ، هذه الحقيقة تجسّدت في الفيلم الباذخ (عشيق الليدي شاترلي) للرّوائي الإنكليزي (ديفيد هربرت لورانس) والذي كتبها عام 1928 وكانت صارخة بالجنس بحيث لم تلائم روح العصر المحافظ آنذاك ممّا جعلها عرضة للكثير من الانتقادات، في الفيلم يتخاصم الإقطاعي المليونير زوج السيدة الجميلة شاترلي مع الحوذي والفلاّح الذي يعمل في بستانه لأنّ زوجة المليونير تحبّ الحوذي والفلاّح حدّ التّضحيّة والخبل ولم يهدأ لها فرجٌ ولا نهدٌ ولا فمٌ تشبعه قبلاً ولا قلبًا ذاق من الحبّ مراره واعتصر ، حتّى طلّقت زوجها وتزوّجته وأنجبت له إبنها ثمرة عشقٍ عاصف تضمخ بالنّكاح والإيلاج و الضّميم و الشّميم العظيمين أمّا هنا في قصّة ( الثامن) نرى إبنة الدّلال والثّراء تعشق الفقير لله الإسكافي المثقّف الذي رمته الحياة بعد أن أكمل جامعته في عراق النّهب والسّلب فلم يجد في هذا الوطن القاحل غير مهنة الإسكافي المهينة في شعوبنا حسب القول الشّائع ( قيّم الركاع من ديرة عفك) تُغريه فتاة الخدر وتدعوه إلى منزلها بحجّة مرضها فماذا يفعل كما يقول دي موسيه ( جميع الرّجال كذّابون ، متقلّبون ، ثرثارون ، بؤساء أو شهوانيّون ، أمّا بعض النّساء فمحتالات ، فضوليّات ، منحرفات ، لكن ثمّة في العالم شيء مقدّس وسامٍ هو الإتّحاد بين إثنين من هذه الكائنات النّاقصة أو المروّعة جدًّا) ، وفي منزلها وبعد أن يرتوي تنهيدًا وتمسيدًا وإيلاجًا وغنجًا وهسيسًا وإمتصاصا وحبّا ، يرى صورا مترفة معلّقة في جدران البيت فيتذكّر أخاه والموت الذي غيبهُ في سجون الإجرام ويحزن ويتألّم ولكنّه يكرّر عملية الحبّ ويضاجع بقوّة وبلهفة أكثر ويلتذ ويئنّ ويخدر وينام تحت التّنهيد وفوقه وبجانبه مرار ومرارا، لا أعرف أنا كاتب المقال لماذا كلّما مرّ بالإنسان مشهد من الموت يذهب في أقرب فرصة لمضاجعة زوجته أو حبيبته أو أيّ امرأة لعبور اللّيل ، هل هي عمليّة تحدٍّ للموت والإصرار على البقاء أم أنّ النّساء فراشٌ رومانسي وثير و الرّجال ساحاتُ وغىً غبراء ؟.
في شهربان ، سالت الريالةُ الطفوليّةُ في أفياء بساتينها ، حتّى حبتْ وازدهرتْ وأعطتْ لنا القاصّ اليساري حسين رشيد الذي يخبرنا عن مآثر الموت ثمّ الحياة التي على خافقها شعلة منكّسة على الدّوام فيها من العثرات التي لابدّ لنا أن نضعها أمام محكمة العقل لكي نعرف ماذا نحن فاعلين ، العثرات النّاجمة من نظامٍ حاكمٍ أو صديقٍ أو حبيب حاول الطّعن بنا مرّات ومرّات .
حسين رشيد عضو إتّحاد الأدباء والكُتّاب العراقيّين، عملَ مسؤولاً للصّفحة الثّقافية في جريدة طريق الشعب ومحرّرا في ملحق الطريق الثّقافي، يعمل حاليّا كصحفي مسؤول لقسم التّحقيقات في صحيفة المدى، ويكتب عموده (فارزة) في يومي الإثنين والخميس،عضو اللّجان التّحضيريّة لملتقى الرواية الأولى في مهرجان المربد لأكثر من دورة ، له مجموعة قصص قصيرة معدّة للطّبع وهذا الكتاب موضوع بحثنا في هذه القراءة ( روشيرو) قصص قصيرة جدّا .
حسين رشيد يكتب عن الحبّ بكونه طاقة ... إنس .. ولع ... عادة ... الحبّ همس ... معشر.. هيام ... وئام ... الحبّ نظرة كما حصل للصّحفي مع ( هدى) في أحدى قصص المجموعة . لايمكن أن نتوقّف لو أردنا أن نتكلّم عن الحبّ .. فهو الكلمة الضاربة من الأزل نحو الأبديّة ،منذ التفاحة وسقوطها حتّى النّزق الذي كان يرفل به أحدنا وهو في الجامعة أو الزّقاق مع الجميلات اللاتي شكّلن لنا الحلم الغائب ، في خضم تعاليم حياتية صعبة للغاية ، أحيانا تحشرنا في منعطف خطير لانعرف ما هو التّصرف حيالها ، هل نستمرّ في الحبّ ؟ هل نطويه ، أم ماذا ؟حلول كلّها على الطّاولة وعلينا أن نجد الخيار ولكنّنا لانجده كعراقيّين وُلدنا تحت الأسوار وعلى الأسوار نموت .
من جانب آخر نرى حسين رشيد يتناول الحبّ بكونه خاضع للآيروتيك الريتسوسي و الذي يجب أن يكون كما في قصّة الإسكافي التي سنمرّ عليها لاحقا وممارسة الجنس بين الطرفين لا ذلك الحبّ العذري الذي يخلق الجنون كما حدث لديفداس الهندي . لو تصوّرنا شعوب الأرض متصوّفة ناسكة في الحبّ رجالا ونساء سنراها مخبولة كما قيس أو أنّها تحتاج إلى ربٍّ خاصّ لهذا الموضوع إسمه ربّ المجانين وهذا ضرب من الخيال ، ولمَ هذا الاعتقاد بأنّ الجنس نوع من الإثم والتّدنيس؟ فمن أين جاءت أمّهاتنا وآباءنا ثمّ نحن ؟ ألم نأتي من هزّة الجماع العظيمة التي مورست تحت مؤسّسة الزواج الشّرعي ؟ أو الزّواج الرّسمي الذي سُنّ من أجل تعقيم الجنس ليس إلاّ؟.
حسين رشيد كتب الألم العراقي الموروث ، الألم الذي يدخل بيوتنا وأنفسنا دون أن ندرك ونخطّط ، الألم الذي يصفه علي الوردي لدى طالبٍ عراقي كان يدرس في أمريكا حين يدخل ليستحمّ تسمعه جارته الأمريكيّة وهو يبكي فتطفق تبكي معه بدمعٍ هطول حتّى أخبرت المعنيّين لإيجاد حلاً له ودراسة حالته الباكية هذه ، ولما جاءوا إليه ، إستغرب الأمر وأنكر أنّه كان يبكي ، حتّى تبيّن أنّه حين يدخل ليستحمّ كان يغنّي مواويلاً وأغاني عراقيّة حزينة تقطع نياط القلب ، هذا هو العراقي بحقيقته الدامعة وبما فيه من عُنفٍ دفين .
حسين رشيد يكتب عن العراقي و مناجاته للربّ دون الفهم العميق بل المناجاة السطحيّة العالقة في أطراف العقول ، حيث نرى على سبيل المثال حين يصل العراقي إلى أوربا وحالما يشبعُ حرية وطعاما ونقوداً نراه يصيبه النّكوص بل يتحوّل إلى رجعيٍ أصيل . فبدلا أن يكون أكثر مدنية وحضارة وديمقراطية ، نراه يلجأ إلى الأكليروس ، ويجبر عائلته على إرتداء الحجاب قسرا وأما خلاف ذلك ، يلجأ إلى القتل إذا أجبرته الظّروف وحصلت هذه الحالة في أكثر من مرّة ومرّات .
في هذه المجموعة أقرأ جنون وحكمة حسين رشيد وهو يسلك النّهار بفانوس ديوجين ، يضرب مع الحبّ مجاديف العشق في الأنهر الهادرة من فيض عصفوريته التي كرهت ( إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب) التي حاولت أمريكا عدوّة الشّعوب فرضها على بني البشر بحجّة العولمة لكنّها اليوم وجدت نفسها ليست الدّولة العظمى الوحيدة بعد أن رمّم الرّوس والصّين وكوريا الشمالية والكثير من شرفاء العالم ما يتطلّبه العصر من قوّة للتّوازن الدّولي .
تبدأ المجموعة بالقصّة التي تحمل موسومية الكتاب ( روشيرو) الإسم الذي يمتدّ كرمزٍ بابليّ إلى ما قبل ستة آلاف عام والذي بنى وأشاد وعمّر ، فيعطينا الفرق الشّاسع في خراب اليوم ودماره في الميزوبوتاميا ذاتها، ثمّ قصّة (شقتان) التي أبدع فيها حسين في وصف لعبة الحياة والموت تلك التي تتكرّر في كلّ ثانية على وجه الفسيحة المترامية .
اللّعبة التي ترتبط وشائجها بالجنس الذي يسلب إرادتنا وعقولنا وذاكرتنا في لحظة الذّروة والأورجازم ، قصّة تتحدّث عن شخص أراد الإنتحار نتيجة اليأس من أيّام الحصار حيث باع كلّ ما في شقّته لتسديد الدّين ولم ينفع فيلجأ لفكرة الموت والخلاص فيعلّق رقبته بحبلٍ تدلّى من السّقف بينما هو يقف على كرسي، وفي لحظة الإنعتاق من الحياة تلوح له من النّافذة فتاة عارية في الشقّة الثانية المقابلة لشقّته فينسى الموت وهو معلّقا بالحبل فيبدأ بممارسة العادّة السريّة وفي لحظة القذف يتهاوى الكرسي . إبداع وخيال عظيم من قبل القاصّ حسين وهو يصف التّرابط العضوي بين الموت والحياة في لحظات المكاشفة الصّريحة في حكم الجنس علينا والذي يعني بالنّتيجة الحياة لطالما نحن ولدنا من سلطان الشّهوة والجنس والمضاجعة، أمّا الموت فكتب عنه بما لايحصى من الأدباء لكنّني سأكتفي بما قاله قبل فترة وجيزة الشّاعر الكبير يحيى السماوي :
لـيـس تـشـاؤمـاً :
أحـيـانـاً يُـخَـيَّـلُ إلـيَّ
أنَّ الـمـوتَ هـو الـدّواءُ الـوحـيـد
لـلـشّــفـاءِ مـن شـقـاء الـحـيـاة
موضوعة الجنس لدى العراقي هي الشّاغل حتّى في نكاته وفوازيره نظرا لحرمانه الطّويل من المرأة، ولذلك هناك قولا لأحد الكُتّاب الشّهيرين ينطبق كليّا على العراقي والشّرقي بشكلٍ عامّ ( الرّجال يحملون قلوبهم في أعضائهم الجنسيّة أمّا النّساء يحملن أعضاءهنّ الجنسيّة في قلوبهنّ) وأمّا أنا فأقول من أنّ الرّجل العراقي ، مشروعُ حربٍ واستمناء والمرأة العراقيّة مشروعُ ترملٍ ..وتثكّل ..وهجرٍ .. وفقد ..كما في القصّة ( هدى) وكيف خسرتْ من بدأت تحبّه توًّا:
سردٌ يتحدّث عن الموت والحبّ أيضا ، حيث يموت صحفيّ نتيجة الإرهاب و الذي كان يكتب عمودا يوميّا في صحيفةٍ كانت تقتنيها (هدى) من أحد الباعة فتلفت نظر الصّحفي ويحبّها من طرفٍ واحد. وذات يوم كعادتها اشترت الصحيفة وبحثت عن عمودها اليومي فترى مقالا بعنوان (هدى) المرأة المكافحة التي كانت تعمل في كشكٍ بسيط لتعيل عائلتها ونفسها كطالبة جامعيّة وكان هذا آخر مقالٍ له قبل موته، قصّة قصيرة اختصرت لنا كلّ معاني موت الحبّ الذي يأتي على حين غرّة في أوقات الحرب التي تخلق لنا آلافًا من القصص الخيالية التي لا يصدّقها العقل البشري وما أكثرها التي تناولها الفنّ السابع في أكثر من دراما مبكية . قصّة تقول لنا من أنّ الموت والحياة هما بمثابة اللّعبة الأبدية التي يتعاقب بها العدم والوجود كما نقرأ أدناه في ( اللعبة):
هنا أقرأ حسين رشيد الفلسفي أكثر منه أديبا قاصّا، سرد يتناول تبادل الأدوار والمتناقضات فيما بينها كاللّيل والنّهار والشّمس والقمر والرّيح والنّار، لعبة نشاهدها في السّرد الذي يقترب من التّشكيك بمدى قدرة الربّ الجزئية والكليّة التي تنتهي بالمطاف إلى عجزه وروتينية وجوده التي تؤدّي به إلى الإنتحار والخلاص من ذاته وجبروته أو موته النيتشوي ( نحن من وجد الله ..ونحن قتلناه...نيتشه) أو موته من وحدته القاتلة كما هو حال الجبابرة والعظماء الذين حالهم ربّما أسوأ بكثير من حال الإسكافي الذي نجده في الرّائعة الآيروتيكية للقاص حسين ( الثامن) :
لولا جمالكِ وحبّكِ والسّرير... ما تخاصم الأميرُ و الفقير ، هذه الحقيقة تجسّدت في الفيلم الباذخ (عشيق الليدي شاترلي) للرّوائي الإنكليزي (ديفيد هربرت لورانس) والذي كتبها عام 1928 وكانت صارخة بالجنس بحيث لم تلائم روح العصر المحافظ آنذاك ممّا جعلها عرضة للكثير من الانتقادات، في الفيلم يتخاصم الإقطاعي المليونير زوج السيدة الجميلة شاترلي مع الحوذي والفلاّح الذي يعمل في بستانه لأنّ زوجة المليونير تحبّ الحوذي والفلاّح حدّ التّضحيّة والخبل ولم يهدأ لها فرجٌ ولا نهدٌ ولا فمٌ تشبعه قبلاً ولا قلبًا ذاق من الحبّ مراره واعتصر ، حتّى طلّقت زوجها وتزوّجته وأنجبت له إبنها ثمرة عشقٍ عاصف تضمخ بالنّكاح والإيلاج و الضّميم و الشّميم العظيمين أمّا هنا في قصّة ( الثامن) نرى إبنة الدّلال والثّراء تعشق الفقير لله الإسكافي المثقّف الذي رمته الحياة بعد أن أكمل جامعته في عراق النّهب والسّلب فلم يجد في هذا الوطن القاحل غير مهنة الإسكافي المهينة في شعوبنا حسب القول الشّائع ( قيّم الركاع من ديرة عفك) تُغريه فتاة الخدر وتدعوه إلى منزلها بحجّة مرضها فماذا يفعل كما يقول دي موسيه ( جميع الرّجال كذّابون ، متقلّبون ، ثرثارون ، بؤساء أو شهوانيّون ، أمّا بعض النّساء فمحتالات ، فضوليّات ، منحرفات ، لكن ثمّة في العالم شيء مقدّس وسامٍ هو الإتّحاد بين إثنين من هذه الكائنات النّاقصة أو المروّعة جدًّا) ، وفي منزلها وبعد أن يرتوي تنهيدًا وتمسيدًا وإيلاجًا وغنجًا وهسيسًا وإمتصاصا وحبّا ، يرى صورا مترفة معلّقة في جدران البيت فيتذكّر أخاه والموت الذي غيبهُ في سجون الإجرام ويحزن ويتألّم ولكنّه يكرّر عملية الحبّ ويضاجع بقوّة وبلهفة أكثر ويلتذ ويئنّ ويخدر وينام تحت التّنهيد وفوقه وبجانبه مرار ومرارا، لا أعرف أنا كاتب المقال لماذا كلّما مرّ بالإنسان مشهد من الموت يذهب في أقرب فرصة لمضاجعة زوجته أو حبيبته أو أيّ امرأة لعبور اللّيل ، هل هي عمليّة تحدٍّ للموت والإصرار على البقاء أم أنّ النّساء فراشٌ رومانسي وثير و الرّجال ساحاتُ وغىً غبراء ؟.
**
يتبع
2
بعد رؤيا الإسكافي للصور وحسرته على أخيه نرى حسين يسرد لنا حكاية من الواقع الفعلي لعراق اليوم والغد القريب فيكتب ( تصاوير) بمعانيها الأخرى :
بوح يختصر لنا عهدين مورس فيهما الضّحك على ذقون العراقيين وكيف كانت صور الرئيس القائد المجرم أصبحت مزارا في اللّيل وفي النّهار.
ذلك الحال اليوم مع حكم العمائم حين ذاق ذرعا أحدهم من القمامة التي بجانب دكانه حيث يرمي جميع من في الحيّ مزابله فراح بدهاء عظيم يضع صورا لأحد السادة القديسين في منتصف القمامة حتّى جاءت البلدية وعملت منها مزارا رائجا مما أدّى إلى ازدهار صاحب الدكان في رزقه وضحكه على النّاس بحجّة صورة السيد وبركاته . وهل أنّ السيد هذا كما زهرة اللوتس التي تزهر في الوحل والطين، حقّا لقد هزلت وبان هزالها، أتذكّر كنت جنديا حقيرا في القادسية و في منتصف الليل جاء ضابط أمن الوحدة وهو يعرفني جيّدا وقتها من أنّني شيوعي من خلال إدارتي في قلم الأمن فأمرني في أمرٍ غريب وهو أن أحرس صورة الرئيس فقط ولماذا أحرسها وممّن يخاف عليها ، من الريح مثلا ونحن في صحراء الربّ في ثكنة عسكرية لا تدخلها غير الكلاب السائبة،ليس لشيء وإنّما أراد استفزازي وإخافتي .
صدام حسين انتهى مفعوله وستنتهي مفعولية الحكومة الثيوقراطية الدينية في عراق التخلف ولا تنفعها أقوى مقوّمات العقاقير العشائرية والعرفية والدينية لأنّ الأكسباير سيفقد صلاحيته ويتوجّب رميه لأنّه لا ينفع لأيّ ذكورةٍ قوّادةٍ في ماخور أو عمائميةٍ في صومعةٍ أو جامع . هذه المفعولية كتب عنها القاصّ حسين في ( أكسباير) لتندرج ضمن البوح الآيروتيكي للمجموعة :
هنا الحديث عن عقار المناطحة الجنسية ( الفياغرا) وهذا الدواء الفحولي دخل مع الاحتلال فكانت ثقافة العراقي تنحصر في عمره الجنسي ومتى ما شعر بالخمود ترك الأمور على غاربها دون أن يعرف أنّ هناك من المنشطات تستطيع دفع الدم في عضوه حتّى ينتصب مثل السيف. موضوعة تتعلّق أيضا بين الفناء والبقاء حيث يتّخذ القاصّ حكاية رجل يتناول قرص فياغرا لغرض تحريك ما تحت سرواله ، فبدلاً من أن يقضي اللّيل مضاجعة وانتشاءً مع زوجه راح يقضيه منتظراً إنتعاضه ساعة بعد ساعة مع كلّ حبةٍ يتناولها ، لكنّها لا تنفع في تحريك الميت منذ زمنٍ وزمن ، فلا يصلح العقار والدواء ما أتعبهُ العمر.
مادام القاص حسين يعيش في زمن الاحتلال فلا يستطيع أن يخرج من هذه الدوامة الكارهة للمحتلّ الأجنبي والمحلّي الذي غيّر طوبوغرافية الثقافة العراقية السومرية والمدنية العاشقة للخمر بدلاً من ماء الورد الرذاذي في أيام عاشوراء والزيارات المكوكية لطوابير النّاس التي يراها القاصّ حسين على مدار السّاعة في كلّ مناسبةٍ وأخرى فكتب لنا قصّة ( أدغار) :
الفنتازية المخيالية للقاصّ حسين تجعل منه أن يرى (أدغار ألن بو) السكير والشاعر الأمريكي الشهير شاخصاً يلعن الأمريكان في شوارع العراق شاتما غاضبا على احتلالهم . حسين لا يصدّق نفسه لكنّه في لحظة ما يسحب كتابا من درج دولابه كاد أن يسقط من يده فيتفاجأ حين يراه كتابا لأدغار ألن بو من إهداء الصديق كريم غريب إلى حسين رشيد .
أدغار ألن بو .. كان يُطرد من الحانة يوميا بركلة من النادل ترميه خارج البار لعدم دفعه تكاليف ما يعبّه في جوفه من خمر ، فهل يُطرَد أو يُلعن الأمريكي بركلة من شيخ الجامع في العراق لعدم دفعه تكاليف الاحتلال والدّمار . فلماذا نحن نتكفّل كلّ هذا الألم أمام احتلال ، طلبتْ منه زمرة معيّنة أن يحتلّ بلدنا فحصل هذا الدّمار الهائل ، وأعتقدُ لدينا آلافا من أمثال أدغار سكيرون يطالبون برحيل هذا الاحتلال . أنا شخصيا مشكلتي ليست فقط مع حكام أمريكا بل مع الشعب الأمريكي لأنّه هو المسؤول الأول والأخير على انتخاب حكومات قاتلة على مرّ هذه العصور. الشعب الأمريكي واعيا ومتعلما حين ينتخب حكومات قاتلة وعنيفة أمّا شعبنا العراقي بسيط للغاية فينتخب حكّامًا جهلة ورجعيّين لكنّهم ذوي خبرة في اللّصوصية والقتل . الشّعب الأمريكي متغطرس ومصاب بمرض الغرور والهيمنة ، يفرح ويهزج للحروب كما في رواية الجميل علي بدر ( الركض وراء الذئاب ) والذي أوضح لنا مدى سعادة هذا الشّعب وزيادة متوسّط دخله في أوقات الحروب وقتل البشر . وأمّا الشّعب العراقي فجرتْ عليه أعظم حملة إستغباء من قبل لصوص السياسة بحجّة الرّجاء ودعاء كميل وما شابه مثلما نقرأ في رائعة ( ربي) :
كل مصائبنا من الإله الحقيقي أو الافتراضي لأنه عونٌ للسياسيّين وسفلة هذا الكون ناهبي قوتنا وثرواتنا. حيث بعد أن يُنتخب يقول هذا من فضل ربي وليس من فضل ممّن انتخبوه وأوصلوه في غفلة من الزّمن (لا تركنن إلى الزّمان فربما خدَعت مخيلتهُ الفؤادَ الغافلا / فالدهر كالدولاب يخفضُ عاليا من غير قصدٍ ويرفعُ سافلا... محمود سامي البارودي) .
بعد أن يصل البرلماني إلى مبتغاه في التجارة والربح نراه يقضيها بين الجوامع والحسينيات ناسياً ما يترتّب عليه (إذا أردنا أن نفهم الإسلام يجب أن نفهمه على أنّ النبي محمد كان تاجرا، أبو بكر كان تاجرا ، عمر ثمّ عثمان تجّارٌ كبار ، ومن هذا المنطلق علينا أن نفهم بما يدور.....أدونيس) . هذه هي الحياة في بلدان التخلف والسّجون العبثية بلا طائل والتي يدخلها من كان معتزاً بشاعريته وكرامته وحياته المألوفة البعيدة عن مغرياتها كما في القريحة التالية للقاص حسين ( إليه) :
مجموعة بريئة من الشعراء يدخلون السجن البعثي يقول لهم المحقق مستغرباً : لماذا لا تصلّون مثلما الآخرين ، فيقولون : نحن لا نصلّي ، فيقول الجلواز فلماذا أنتم هنا إذن : فيُطلق سراحهم وفي قاعة الإنتظار للرحيل ، أحد السجناء ينسى فيقوم يصلي فرضاً قربة إلى الله لأنه أنقذهم من الموت ولكنه سرعان ما يَلمح الجلواز ينظر إليه فيترك الصلاة . فهنا إشارة إلى عدم الخوف من الله بل الخوف من البشر والجلاد أو أنّ الصّلاة هي صرخة الضّعيف كما قالها ماركس . وهنا مع هذا السّجين رغم عدم إيمانه لكنّه شكرَ الربّ في لحظة ضعفٍ معتقدا من أنّ الربّ هو من أخرجه من السّجن . شعوب خائفة على الدوام فكيف نريد لها أن تنهض إذا كانت بهذا المستوى المتدنّي العجيب غريب . ثمّ يستمرّ حسين مع الحرب والقتل والدّمار في ثلاث قصص ( شنكالي ..مقطع ..رصاصة) :
حيث يقوم أحدهم بجمع الخوذ في الحرب الأولى ثمّ البساطيل في الثانية والثالثة جمع أشلاء أصدقاءه حتى قال لأمّه بفنية وتقنية بارعة وإنزياحية مؤلمة من قبل القاص حسين : أنّ الوطن يسرقنا يا أمّي . أمّهُ التي تموت حرقةً وحزناً حين ظنت أنّ الجنازة القادمة في الحرب العراقية الإيرانية لإبنها . ما أقساك أيّها الوطن الثّقيل على قلوب أمّهاتنا.
ثمّ في قصّة (رصاصة) وكيف كان القناصّ يقضي عليهم واحدا تلو الآخر وهو يريد أن ينقذ أصدقاءه وفاءا وحبّا بهم وشجاعة لكنّه هو الآخر تنحشر في لحمه طلقة الربّ . نعم طلقة الأديان التي تتقاتل على موروثية السلطة بين علي وعمر . فلا غبار أن يكون القتل بدم بارد كما في فلم (إطلاقة الربّ) للمثل الشهير ( لي فان كليف ) في ستينات القرن المنصرم وكيف تتخذ الكنيسة كذريعة في تطبيق العدالة فيتمّ القصاص قتلاً بقتل في دوامةٍ لا تنتهي من الدمّ والعنف والرّصاص.
ويستمرّ سرد المجموعة عن خراب الوطن في رائعة حسين أدناه ( جسد...خيط ) وهي من ضمن قصص ثلاثية الشّكل السردي ، الجديد في القصّة القصيرة جدّا والذي يعد محاولة تجريب جريئة بهذا الجنس القصصي وأشكاله المثلثة :
جثة مقطوعة الرّأس لكنها منتفخة فينقلوها إلى المشفى وكانت قد خيطت من البطن .. يفتحوها فيجدوا الرأس داخل البطن الذي تسبب في انتفاخها ، فأي حقدٍ وانتقام لدى هذا المسلم الذي ارتكب هذه الجريمة . ويأتيك أحدهم ويقول هذا ليس مسلما بل متطرفاً خارج عن الدّين ويزيد علينا ويقول بل كافرا لا يعرف الله . بينما الكافر هو أرقى سموا وأخلاقا كما في الفيلم البديع( الميل الأخضر) The Green Mile للروائي (ستيفن كينج) ومن إنتاج 1999 وإخراج (فرانك داريونت) حيث نرى أعظم محاورة في تأريخ السينما العالمية بين (توم هانكس) والسجين الأسود والهائل في الضخامة (ميكائيل كلارك دنكان) الذي أراد الإنتحار بطريقة أخرى فيطلب من مأمور السجن ( توم هانكس) أن ينهي حياته بإعدامه بالكرسي الكهربائي فيجيبه توم هانكس ( في يوم محاسبتي عندما اقف أمام الله ويسألني لماذا قتلت واحدا من عبادي الصالحين وقتها ماذا سأقول ، هذا عملي .. إنّه عملي ... يجيبه( ميكائيل كلارك) ستقول عطفاً منك ففعلتها ، وأعرفُ أنك قلق ، لكنني متعب يا سيدي ، متعب من كوني وحيدا مثل عصفور في المطر، تعبت من وحشتي بلا رفيق ولا صديق ، في الغالب تعبت من البشر ، كونهم قبيحون مع بعضهم ، تعبت من كل الآلام التي أشعر بها، إنّها كل يوم في هذا العالم ، إنّها مثل قطع الزّجاج في رأسي طوال الوقت ....هل تفهمني ) .
هذه هي حياة الكفرة والملحدين في ساعات الضيق ، لهي أرقى بكثير من مجرمي البعث والعِمامة وزيف الأديان ، حيث يُعدم سجناؤنا في تلك الأيام السوداء بالجملة ويؤخذ ثمن الطلقة من جيب أهاليهم( وهل تتوقّع من ذئبٍ أن يدفن فريسته) ، أمّا في حرب القادسية فالعراقي كان كما الأرنب يُقتل غير مأسوفٍ عليه كما في قصّة ( أربعة) .
بعد رؤيا الإسكافي للصور وحسرته على أخيه نرى حسين يسرد لنا حكاية من الواقع الفعلي لعراق اليوم والغد القريب فيكتب ( تصاوير) بمعانيها الأخرى :
بوح يختصر لنا عهدين مورس فيهما الضّحك على ذقون العراقيين وكيف كانت صور الرئيس القائد المجرم أصبحت مزارا في اللّيل وفي النّهار.
ذلك الحال اليوم مع حكم العمائم حين ذاق ذرعا أحدهم من القمامة التي بجانب دكانه حيث يرمي جميع من في الحيّ مزابله فراح بدهاء عظيم يضع صورا لأحد السادة القديسين في منتصف القمامة حتّى جاءت البلدية وعملت منها مزارا رائجا مما أدّى إلى ازدهار صاحب الدكان في رزقه وضحكه على النّاس بحجّة صورة السيد وبركاته . وهل أنّ السيد هذا كما زهرة اللوتس التي تزهر في الوحل والطين، حقّا لقد هزلت وبان هزالها، أتذكّر كنت جنديا حقيرا في القادسية و في منتصف الليل جاء ضابط أمن الوحدة وهو يعرفني جيّدا وقتها من أنّني شيوعي من خلال إدارتي في قلم الأمن فأمرني في أمرٍ غريب وهو أن أحرس صورة الرئيس فقط ولماذا أحرسها وممّن يخاف عليها ، من الريح مثلا ونحن في صحراء الربّ في ثكنة عسكرية لا تدخلها غير الكلاب السائبة،ليس لشيء وإنّما أراد استفزازي وإخافتي .
صدام حسين انتهى مفعوله وستنتهي مفعولية الحكومة الثيوقراطية الدينية في عراق التخلف ولا تنفعها أقوى مقوّمات العقاقير العشائرية والعرفية والدينية لأنّ الأكسباير سيفقد صلاحيته ويتوجّب رميه لأنّه لا ينفع لأيّ ذكورةٍ قوّادةٍ في ماخور أو عمائميةٍ في صومعةٍ أو جامع . هذه المفعولية كتب عنها القاصّ حسين في ( أكسباير) لتندرج ضمن البوح الآيروتيكي للمجموعة :
هنا الحديث عن عقار المناطحة الجنسية ( الفياغرا) وهذا الدواء الفحولي دخل مع الاحتلال فكانت ثقافة العراقي تنحصر في عمره الجنسي ومتى ما شعر بالخمود ترك الأمور على غاربها دون أن يعرف أنّ هناك من المنشطات تستطيع دفع الدم في عضوه حتّى ينتصب مثل السيف. موضوعة تتعلّق أيضا بين الفناء والبقاء حيث يتّخذ القاصّ حكاية رجل يتناول قرص فياغرا لغرض تحريك ما تحت سرواله ، فبدلاً من أن يقضي اللّيل مضاجعة وانتشاءً مع زوجه راح يقضيه منتظراً إنتعاضه ساعة بعد ساعة مع كلّ حبةٍ يتناولها ، لكنّها لا تنفع في تحريك الميت منذ زمنٍ وزمن ، فلا يصلح العقار والدواء ما أتعبهُ العمر.
مادام القاص حسين يعيش في زمن الاحتلال فلا يستطيع أن يخرج من هذه الدوامة الكارهة للمحتلّ الأجنبي والمحلّي الذي غيّر طوبوغرافية الثقافة العراقية السومرية والمدنية العاشقة للخمر بدلاً من ماء الورد الرذاذي في أيام عاشوراء والزيارات المكوكية لطوابير النّاس التي يراها القاصّ حسين على مدار السّاعة في كلّ مناسبةٍ وأخرى فكتب لنا قصّة ( أدغار) :
الفنتازية المخيالية للقاصّ حسين تجعل منه أن يرى (أدغار ألن بو) السكير والشاعر الأمريكي الشهير شاخصاً يلعن الأمريكان في شوارع العراق شاتما غاضبا على احتلالهم . حسين لا يصدّق نفسه لكنّه في لحظة ما يسحب كتابا من درج دولابه كاد أن يسقط من يده فيتفاجأ حين يراه كتابا لأدغار ألن بو من إهداء الصديق كريم غريب إلى حسين رشيد .
أدغار ألن بو .. كان يُطرد من الحانة يوميا بركلة من النادل ترميه خارج البار لعدم دفعه تكاليف ما يعبّه في جوفه من خمر ، فهل يُطرَد أو يُلعن الأمريكي بركلة من شيخ الجامع في العراق لعدم دفعه تكاليف الاحتلال والدّمار . فلماذا نحن نتكفّل كلّ هذا الألم أمام احتلال ، طلبتْ منه زمرة معيّنة أن يحتلّ بلدنا فحصل هذا الدّمار الهائل ، وأعتقدُ لدينا آلافا من أمثال أدغار سكيرون يطالبون برحيل هذا الاحتلال . أنا شخصيا مشكلتي ليست فقط مع حكام أمريكا بل مع الشعب الأمريكي لأنّه هو المسؤول الأول والأخير على انتخاب حكومات قاتلة على مرّ هذه العصور. الشعب الأمريكي واعيا ومتعلما حين ينتخب حكومات قاتلة وعنيفة أمّا شعبنا العراقي بسيط للغاية فينتخب حكّامًا جهلة ورجعيّين لكنّهم ذوي خبرة في اللّصوصية والقتل . الشّعب الأمريكي متغطرس ومصاب بمرض الغرور والهيمنة ، يفرح ويهزج للحروب كما في رواية الجميل علي بدر ( الركض وراء الذئاب ) والذي أوضح لنا مدى سعادة هذا الشّعب وزيادة متوسّط دخله في أوقات الحروب وقتل البشر . وأمّا الشّعب العراقي فجرتْ عليه أعظم حملة إستغباء من قبل لصوص السياسة بحجّة الرّجاء ودعاء كميل وما شابه مثلما نقرأ في رائعة ( ربي) :
كل مصائبنا من الإله الحقيقي أو الافتراضي لأنه عونٌ للسياسيّين وسفلة هذا الكون ناهبي قوتنا وثرواتنا. حيث بعد أن يُنتخب يقول هذا من فضل ربي وليس من فضل ممّن انتخبوه وأوصلوه في غفلة من الزّمن (لا تركنن إلى الزّمان فربما خدَعت مخيلتهُ الفؤادَ الغافلا / فالدهر كالدولاب يخفضُ عاليا من غير قصدٍ ويرفعُ سافلا... محمود سامي البارودي) .
بعد أن يصل البرلماني إلى مبتغاه في التجارة والربح نراه يقضيها بين الجوامع والحسينيات ناسياً ما يترتّب عليه (إذا أردنا أن نفهم الإسلام يجب أن نفهمه على أنّ النبي محمد كان تاجرا، أبو بكر كان تاجرا ، عمر ثمّ عثمان تجّارٌ كبار ، ومن هذا المنطلق علينا أن نفهم بما يدور.....أدونيس) . هذه هي الحياة في بلدان التخلف والسّجون العبثية بلا طائل والتي يدخلها من كان معتزاً بشاعريته وكرامته وحياته المألوفة البعيدة عن مغرياتها كما في القريحة التالية للقاص حسين ( إليه) :
مجموعة بريئة من الشعراء يدخلون السجن البعثي يقول لهم المحقق مستغرباً : لماذا لا تصلّون مثلما الآخرين ، فيقولون : نحن لا نصلّي ، فيقول الجلواز فلماذا أنتم هنا إذن : فيُطلق سراحهم وفي قاعة الإنتظار للرحيل ، أحد السجناء ينسى فيقوم يصلي فرضاً قربة إلى الله لأنه أنقذهم من الموت ولكنه سرعان ما يَلمح الجلواز ينظر إليه فيترك الصلاة . فهنا إشارة إلى عدم الخوف من الله بل الخوف من البشر والجلاد أو أنّ الصّلاة هي صرخة الضّعيف كما قالها ماركس . وهنا مع هذا السّجين رغم عدم إيمانه لكنّه شكرَ الربّ في لحظة ضعفٍ معتقدا من أنّ الربّ هو من أخرجه من السّجن . شعوب خائفة على الدوام فكيف نريد لها أن تنهض إذا كانت بهذا المستوى المتدنّي العجيب غريب . ثمّ يستمرّ حسين مع الحرب والقتل والدّمار في ثلاث قصص ( شنكالي ..مقطع ..رصاصة) :
حيث يقوم أحدهم بجمع الخوذ في الحرب الأولى ثمّ البساطيل في الثانية والثالثة جمع أشلاء أصدقاءه حتى قال لأمّه بفنية وتقنية بارعة وإنزياحية مؤلمة من قبل القاص حسين : أنّ الوطن يسرقنا يا أمّي . أمّهُ التي تموت حرقةً وحزناً حين ظنت أنّ الجنازة القادمة في الحرب العراقية الإيرانية لإبنها . ما أقساك أيّها الوطن الثّقيل على قلوب أمّهاتنا.
ثمّ في قصّة (رصاصة) وكيف كان القناصّ يقضي عليهم واحدا تلو الآخر وهو يريد أن ينقذ أصدقاءه وفاءا وحبّا بهم وشجاعة لكنّه هو الآخر تنحشر في لحمه طلقة الربّ . نعم طلقة الأديان التي تتقاتل على موروثية السلطة بين علي وعمر . فلا غبار أن يكون القتل بدم بارد كما في فلم (إطلاقة الربّ) للمثل الشهير ( لي فان كليف ) في ستينات القرن المنصرم وكيف تتخذ الكنيسة كذريعة في تطبيق العدالة فيتمّ القصاص قتلاً بقتل في دوامةٍ لا تنتهي من الدمّ والعنف والرّصاص.
ويستمرّ سرد المجموعة عن خراب الوطن في رائعة حسين أدناه ( جسد...خيط ) وهي من ضمن قصص ثلاثية الشّكل السردي ، الجديد في القصّة القصيرة جدّا والذي يعد محاولة تجريب جريئة بهذا الجنس القصصي وأشكاله المثلثة :
جثة مقطوعة الرّأس لكنها منتفخة فينقلوها إلى المشفى وكانت قد خيطت من البطن .. يفتحوها فيجدوا الرأس داخل البطن الذي تسبب في انتفاخها ، فأي حقدٍ وانتقام لدى هذا المسلم الذي ارتكب هذه الجريمة . ويأتيك أحدهم ويقول هذا ليس مسلما بل متطرفاً خارج عن الدّين ويزيد علينا ويقول بل كافرا لا يعرف الله . بينما الكافر هو أرقى سموا وأخلاقا كما في الفيلم البديع( الميل الأخضر) The Green Mile للروائي (ستيفن كينج) ومن إنتاج 1999 وإخراج (فرانك داريونت) حيث نرى أعظم محاورة في تأريخ السينما العالمية بين (توم هانكس) والسجين الأسود والهائل في الضخامة (ميكائيل كلارك دنكان) الذي أراد الإنتحار بطريقة أخرى فيطلب من مأمور السجن ( توم هانكس) أن ينهي حياته بإعدامه بالكرسي الكهربائي فيجيبه توم هانكس ( في يوم محاسبتي عندما اقف أمام الله ويسألني لماذا قتلت واحدا من عبادي الصالحين وقتها ماذا سأقول ، هذا عملي .. إنّه عملي ... يجيبه( ميكائيل كلارك) ستقول عطفاً منك ففعلتها ، وأعرفُ أنك قلق ، لكنني متعب يا سيدي ، متعب من كوني وحيدا مثل عصفور في المطر، تعبت من وحشتي بلا رفيق ولا صديق ، في الغالب تعبت من البشر ، كونهم قبيحون مع بعضهم ، تعبت من كل الآلام التي أشعر بها، إنّها كل يوم في هذا العالم ، إنّها مثل قطع الزّجاج في رأسي طوال الوقت ....هل تفهمني ) .
هذه هي حياة الكفرة والملحدين في ساعات الضيق ، لهي أرقى بكثير من مجرمي البعث والعِمامة وزيف الأديان ، حيث يُعدم سجناؤنا في تلك الأيام السوداء بالجملة ويؤخذ ثمن الطلقة من جيب أهاليهم( وهل تتوقّع من ذئبٍ أن يدفن فريسته) ، أمّا في حرب القادسية فالعراقي كان كما الأرنب يُقتل غير مأسوفٍ عليه كما في قصّة ( أربعة) .
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.