كتبت رزان القرواني :ــ
في هذه الحياة الدنيا نصادف الجميل والقبيح , الإيجابي والسلبي, الحلو والمر، وانطلاقاً من هذه الحياة وما فيها من قيم.. سعى الشاعر راتب سكر للبحث عن الصداقة الحقيقية. فأبحر مع قلمه ليكتشف عالم الأصدقاء عالم الألفة والمحبة والإخلاص, عالم العطاء والصدق والود, وعندما وجد الصداقة رحبَ بها, وسُعد بذلك لأنه أيقن بأن الحياة ما زالت تنبض خيراً ووفاء ونبلاً.
وأمام هذا العالم الذي قدّسه وابتسم له الشاعر, وجد نفسه بين أوراقه البيضاء ليملأها أعذب وأصدق
الكلمات, فراح يكتب قصائد وردية ليهديها إلى أصدقائه الذين أحبوه وأحبهم.. ولكن هل هذه الحياة تقف عند جهة الصداقة فقط؟ لابد من أن يكون لها أيضاً جهة التضاد التي هي جهة الخصم..!
ففي قصيدته الأولى أحبّ الشاعر راتب سكر أن يفتح ديوانه بالقيم الإيجابية قبل السلبية, وهذا يدل تماماً على أنه مهتم بعالمه الجميل (عالم الصداقة) أكثر من اهتمامه بالخصوم.. فنثر إيقاعه على تفعيلات, كل تفعيلة حملت معنىً حقيقياً للصداقة, هي بهجة الدنيا اليانعة المثمرة, واليد التي تنبع مودة وعطاء, والمائدة الممتلئة بالعسل في خوابيها.. والتي تحمل معها أشواق المحبة وأغاني الفرح المنشود بالإخلاص والصدق, بدأ يقول:
(1)
هي بهجة الدنيا
تدلَّت في حدائقها
هديلاً يانعاً
(2)
هو معصم
يحنو على وجهي
بفيض من مودته
ونور مرهف
في دورة الإسوار
(3)
مدَّت موائدها
من العسل المصفّى
في خوابيها...
وغصونها
أهزوجة الأثمار ص 7 ـ 8
والقارئ لمجموعته الشعرية يجد بأن الشاعر راتب سكر لم يهمل جانباً مهماً وهو ذكره للتاريخ فالمعروف عن التاريخ أنه ماضٍ لانتصارات عظيمة, دروبه خضراء يانعة ومن هنا أشار إلى غرناطة وابن زيدون, ومن المؤكد عندما نسمع بهاتين الكلمتين نتذكر على الفور المجد العربي..
والسؤال : هل بقي هذا المجد العربي مستمراً أم أتت بعض القيم لتزيله؟
فبعد أن كانت هناك سحابة بيضاء جاءت السحابة السوداء لتزيلها وتحلّ محلّها, فحلّ الخراب وقتل الأطفال وسرقت أحلامهم وابتساماتهم وعاد البطش والقمع والسيطرة, والغاية هي قتل كل القيم الإيجابية الجميلة في هذه الحياة, يقول:
ـ (لوركا) ينام على تلال مدينة
ويداه ضارعتان بالأحلام
لا مرَّت قوافل (مصر)
تبعثه وزيراً من غيابته
ولا ناحت حمامة جده (زيدون)
ـ تعب البريد من الرسائل
لا تلون صبرها
بدم التلال يفض أحرفها
ولا احترقت
بما يكوي البنفسج في البراري
من جلال بهائها
ضاعت وما وصلت إليه ص15
وفي قصيدة (خزّاف الأوهام) نجد الشاعر قلقاً لرحيل القيم الإيجابية فلا عيش وراحة بدونها, فهذه القيم عند الشاعر هي تلك الجرار المضيئة الريّانة فوق التلال فيتساءل في قصيدته: كيف الصعود إليها؟! ولأنه يُدرك بأن الناس ستسأل أيضاً, فمن أراد الحصول عليها يتعب, فكثير من الناس يجعلونها في إطار أمنياتهم... يقول:
ـ خزاف أوهامي
يضيء جراره
ريّانة فوق التلال
قلق على سفر
حصاني متعب
حار الكلام يفسر الفلوات
شاردة
تنام على سرير صهيله
ويهزها بحبال أمنية.. ص63
كيف الصعود إلى الجرار
وكيف يعرفني الدليل
إذا استبدت في الليالي
ظلمتي؟ ص 63 ـ 64
وثمة قيم ذكرها الشاعر على أدراج الريح تعود راقصة مع الكلمات والأنغام على مواقد الرحمة والتسامح والاعتراف بالذنب..
يقول في قصيدته (خزاف الأوهام):
طال السؤال ببابه
والريح عاتية
وضاربة على الأبواب
أصواتَ السؤال
افتح أخي..!
نور تفتّح في النشيد
حملتهُ
في القلب, نبض مودة
وأتيت أقرع بابك الموصود
فافتح يا أخي!
أنا حاطب الأوهام
أكسر في المواقد بهجة
رقصت مع الكلمات والأنغام
في لهب حلال ص 65 ـ 66
وإذا أردنا أن نتخيل ـ لبضع دقائق رحيل تلك القيم, فماذا سيحلّ بنا؟ أليس الجفاف والتصحر سيعمّان؟ كثيراً ما حاول الشاعر أن يحول الصحراء إلى غابة خضراء مليئة بينابيع صافية فأشار لذلك بألفاظ واضحة في قصيدته (لم يسأل عنك أحد) فجاء صوته رافضاً أن تحلّ القيم السلبية مكان القيم الإيجابية, يقول:
ـ أنا صوتي
راجع من رحلة طالت
إلى حقل
يغطي خضرة الوهم
بأغصان السراب
ـ أنا صوتي
رغبة محمومة
في رؤية الوجه بهياً
ومنيراً
كابتسام الأم
إذ تحبو على سجادة الرمل
تناغي طفلها
ثمّ يغيبان كوشي في كتاب ص 69 ـ 70
وكما أن للأصدقاء ملامح وصفات جميلة ونبيلة, كذلك للخصوم ملامح وصفات قبيحة وسلبية, ولذا راح الشاعر يبوح بقصيدته (بطاقات شكر للخصوم) على إيقاع الألم والحزن معبراً عنهما بلفظة الشكر .. يقول:
(شكراً لجلاد يؤجل لحظة), (شكراً لنمَّام القبيلة), (شكراً لكل خصومة), (شكراً لساحات الليالي).
وإذا ما عدنا إلى قصائد أخرى نرى الشاعر وقد أحب أن تظهر في ديوانه نافذة جميلة, إطلالة رائعة, وهذا يدّل على مدى الود والحب الصادق ومدى الإخلاص لأصدقائه, فعبر عن ذلك بقصيدته (أسماء على ضفاف القصيدة) فذكر صديقه سليمان العيسى يقول:
حلم يشرب من نبع بعيد
كأسه الضوء وأسرار الغمام ص41
قلّب الشاعر ذكرياته فوجد نفسه مع صديقه سعد الدين كليب على ضفاف العاصي الوديع, فالشوق والحنين مازالا ينبضان في قلبه.. يقول:
ـ ودالية لها لغة
تدلّيها بأنوار من العنب.
سكبنا بعض أحرفها
بآنية من الذهب ص43
ـ وعدنا حالمين
برقصة العاصي الوديع
على أنين صاعد
من بحّة القصب ص43
وكذلك صديقه أيمن أبو شعر شقيق الروح والوجدان, وصديقه نزار بريك هنيدي المعروف بنزاهته وكلامه الذي يفوح عطراً وذهباً... يقول:
ـ في بساط الغيم مكتوب
سيأتي فارس يلهو قليلاً
بكلام ذي رنين.
يملأ المعنى فراقاً وعذاباً
ثم يكوي ما يواري من ضياء
في صناديق من السرّ الدفين ص46
... وبعد النظر في مجموعته الشعرية, يُدرك القارئ أن الشاعر راتب سكر أراد أن تصل رسالته من خلال ديوانه (أقرب من الأصدقاء أبعد من الخصوم) إلى قرّائه.. مهما طغت القيم السلبية, فالقيم الإيجابية غالبة لأنها موجودة بالفطرة وخالدة.. ولأنّ عدد الخصوم مهما كان كبيراً وكان عدد الأصدقاء صغيراً, فإن فعل الأصدقاء بالود والألفة والمحبة الصادقة والإخلاص والنبل تكون له الغلبة.
رزان القرواني
في هذه الحياة الدنيا نصادف الجميل والقبيح , الإيجابي والسلبي, الحلو والمر، وانطلاقاً من هذه الحياة وما فيها من قيم.. سعى الشاعر راتب سكر للبحث عن الصداقة الحقيقية. فأبحر مع قلمه ليكتشف عالم الأصدقاء عالم الألفة والمحبة والإخلاص, عالم العطاء والصدق والود, وعندما وجد الصداقة رحبَ بها, وسُعد بذلك لأنه أيقن بأن الحياة ما زالت تنبض خيراً ووفاء ونبلاً.
وأمام هذا العالم الذي قدّسه وابتسم له الشاعر, وجد نفسه بين أوراقه البيضاء ليملأها أعذب وأصدق
الكلمات, فراح يكتب قصائد وردية ليهديها إلى أصدقائه الذين أحبوه وأحبهم.. ولكن هل هذه الحياة تقف عند جهة الصداقة فقط؟ لابد من أن يكون لها أيضاً جهة التضاد التي هي جهة الخصم..!
ففي قصيدته الأولى أحبّ الشاعر راتب سكر أن يفتح ديوانه بالقيم الإيجابية قبل السلبية, وهذا يدل تماماً على أنه مهتم بعالمه الجميل (عالم الصداقة) أكثر من اهتمامه بالخصوم.. فنثر إيقاعه على تفعيلات, كل تفعيلة حملت معنىً حقيقياً للصداقة, هي بهجة الدنيا اليانعة المثمرة, واليد التي تنبع مودة وعطاء, والمائدة الممتلئة بالعسل في خوابيها.. والتي تحمل معها أشواق المحبة وأغاني الفرح المنشود بالإخلاص والصدق, بدأ يقول:
(1)
هي بهجة الدنيا
تدلَّت في حدائقها
هديلاً يانعاً
(2)
هو معصم
يحنو على وجهي
بفيض من مودته
ونور مرهف
في دورة الإسوار
(3)
مدَّت موائدها
من العسل المصفّى
في خوابيها...
وغصونها
أهزوجة الأثمار ص 7 ـ 8
والقارئ لمجموعته الشعرية يجد بأن الشاعر راتب سكر لم يهمل جانباً مهماً وهو ذكره للتاريخ فالمعروف عن التاريخ أنه ماضٍ لانتصارات عظيمة, دروبه خضراء يانعة ومن هنا أشار إلى غرناطة وابن زيدون, ومن المؤكد عندما نسمع بهاتين الكلمتين نتذكر على الفور المجد العربي..
والسؤال : هل بقي هذا المجد العربي مستمراً أم أتت بعض القيم لتزيله؟
فبعد أن كانت هناك سحابة بيضاء جاءت السحابة السوداء لتزيلها وتحلّ محلّها, فحلّ الخراب وقتل الأطفال وسرقت أحلامهم وابتساماتهم وعاد البطش والقمع والسيطرة, والغاية هي قتل كل القيم الإيجابية الجميلة في هذه الحياة, يقول:
ـ (لوركا) ينام على تلال مدينة
ويداه ضارعتان بالأحلام
لا مرَّت قوافل (مصر)
تبعثه وزيراً من غيابته
ولا ناحت حمامة جده (زيدون)
ـ تعب البريد من الرسائل
لا تلون صبرها
بدم التلال يفض أحرفها
ولا احترقت
بما يكوي البنفسج في البراري
من جلال بهائها
ضاعت وما وصلت إليه ص15
وفي قصيدة (خزّاف الأوهام) نجد الشاعر قلقاً لرحيل القيم الإيجابية فلا عيش وراحة بدونها, فهذه القيم عند الشاعر هي تلك الجرار المضيئة الريّانة فوق التلال فيتساءل في قصيدته: كيف الصعود إليها؟! ولأنه يُدرك بأن الناس ستسأل أيضاً, فمن أراد الحصول عليها يتعب, فكثير من الناس يجعلونها في إطار أمنياتهم... يقول:
ـ خزاف أوهامي
يضيء جراره
ريّانة فوق التلال
قلق على سفر
حصاني متعب
حار الكلام يفسر الفلوات
شاردة
تنام على سرير صهيله
ويهزها بحبال أمنية.. ص63
كيف الصعود إلى الجرار
وكيف يعرفني الدليل
إذا استبدت في الليالي
ظلمتي؟ ص 63 ـ 64
وثمة قيم ذكرها الشاعر على أدراج الريح تعود راقصة مع الكلمات والأنغام على مواقد الرحمة والتسامح والاعتراف بالذنب..
يقول في قصيدته (خزاف الأوهام):
طال السؤال ببابه
والريح عاتية
وضاربة على الأبواب
أصواتَ السؤال
افتح أخي..!
نور تفتّح في النشيد
حملتهُ
في القلب, نبض مودة
وأتيت أقرع بابك الموصود
فافتح يا أخي!
أنا حاطب الأوهام
أكسر في المواقد بهجة
رقصت مع الكلمات والأنغام
في لهب حلال ص 65 ـ 66
وإذا أردنا أن نتخيل ـ لبضع دقائق رحيل تلك القيم, فماذا سيحلّ بنا؟ أليس الجفاف والتصحر سيعمّان؟ كثيراً ما حاول الشاعر أن يحول الصحراء إلى غابة خضراء مليئة بينابيع صافية فأشار لذلك بألفاظ واضحة في قصيدته (لم يسأل عنك أحد) فجاء صوته رافضاً أن تحلّ القيم السلبية مكان القيم الإيجابية, يقول:
ـ أنا صوتي
راجع من رحلة طالت
إلى حقل
يغطي خضرة الوهم
بأغصان السراب
ـ أنا صوتي
رغبة محمومة
في رؤية الوجه بهياً
ومنيراً
كابتسام الأم
إذ تحبو على سجادة الرمل
تناغي طفلها
ثمّ يغيبان كوشي في كتاب ص 69 ـ 70
وكما أن للأصدقاء ملامح وصفات جميلة ونبيلة, كذلك للخصوم ملامح وصفات قبيحة وسلبية, ولذا راح الشاعر يبوح بقصيدته (بطاقات شكر للخصوم) على إيقاع الألم والحزن معبراً عنهما بلفظة الشكر .. يقول:
(شكراً لجلاد يؤجل لحظة), (شكراً لنمَّام القبيلة), (شكراً لكل خصومة), (شكراً لساحات الليالي).
وإذا ما عدنا إلى قصائد أخرى نرى الشاعر وقد أحب أن تظهر في ديوانه نافذة جميلة, إطلالة رائعة, وهذا يدّل على مدى الود والحب الصادق ومدى الإخلاص لأصدقائه, فعبر عن ذلك بقصيدته (أسماء على ضفاف القصيدة) فذكر صديقه سليمان العيسى يقول:
حلم يشرب من نبع بعيد
كأسه الضوء وأسرار الغمام ص41
قلّب الشاعر ذكرياته فوجد نفسه مع صديقه سعد الدين كليب على ضفاف العاصي الوديع, فالشوق والحنين مازالا ينبضان في قلبه.. يقول:
ـ ودالية لها لغة
تدلّيها بأنوار من العنب.
سكبنا بعض أحرفها
بآنية من الذهب ص43
ـ وعدنا حالمين
برقصة العاصي الوديع
على أنين صاعد
من بحّة القصب ص43
وكذلك صديقه أيمن أبو شعر شقيق الروح والوجدان, وصديقه نزار بريك هنيدي المعروف بنزاهته وكلامه الذي يفوح عطراً وذهباً... يقول:
ـ في بساط الغيم مكتوب
سيأتي فارس يلهو قليلاً
بكلام ذي رنين.
يملأ المعنى فراقاً وعذاباً
ثم يكوي ما يواري من ضياء
في صناديق من السرّ الدفين ص46
... وبعد النظر في مجموعته الشعرية, يُدرك القارئ أن الشاعر راتب سكر أراد أن تصل رسالته من خلال ديوانه (أقرب من الأصدقاء أبعد من الخصوم) إلى قرّائه.. مهما طغت القيم السلبية, فالقيم الإيجابية غالبة لأنها موجودة بالفطرة وخالدة.. ولأنّ عدد الخصوم مهما كان كبيراً وكان عدد الأصدقاء صغيراً, فإن فعل الأصدقاء بالود والألفة والمحبة الصادقة والإخلاص والنبل تكون له الغلبة.
رزان القرواني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.