الصفحات

هجرة السوري وتزايد الهجرة... فلتبقَ لا ترحل...! .. رزان القرواني

 ــ رزان القرواني
كنا نشهد سابقاً هجرة العقول العربية إلى الدول الأوربية والأجنبية وكان دافع هذه الهجرة- كما هو معروف – تحسين الأوضاع المعيشية للمهاجر، وما تقدمه الدول المتقدمة من تسهيلات للكفاءات من الشباب العربي يشجع على الاستقرار بالخارج...
أما الآن أصبحنا نرى وبكثافة هجرة السوريين إلى الدول الأوربية ، فمنهم من هاجر بحثاً عن حياة آمنة بعد أن فقد كل شيء، ومنهم من هاجر كي يتابع تعليمه الدراسي مبرراً بأن
الدراسة بحاجة إلى الهدوء والتركيز، فأين هذا في الجو الصاخب المؤلم حيث أصوات التفجيرات والرصاص ، ناهيك عن قطع الكهرباء المتكرر ومنهم من هاجر كتقليد أعمى، ومنهم من هاجر طمعاً بالمال بعد أن سمع عن العطاء الذي تهبه الدول الأوربية لكل لاجئ سوري...
وما زلنا نشهد حتى هذه اللحظة التزايد المستمر لهجرة الشباب العرب متناسين بأن غربتهم عن وطنهم ليست إلا كربة ، وقد قال أحدهم:
لا ترغبوا إخوتي في غربة أبداً إنّ الغريب ذليلٌ حيثما كانا
وإذا عدنا إلى أخبار العرب وأيامها في حنينها إلى أوطانها ، سنجد شوقها إلى تربها وبلدانها، ووصفها في أشعارها توقُّد النار في أكبادها، وكانت العرب إذا غزت وسافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقه عند نزلة أو زكام أو صداع ، وأنشد لبعض بني ضّبة:
نسير على علمٍ لكنه مسيرنا وعـــدّة زاد فــي بقايا المزاودِ
ونحمل في الأسفار ماء قبيصةٍ من المنشأ النائي لحبِّ المراود
وقال أعرابي في الحنين إلى وطنه:
ألا ليت شعري والحوادث جمّةٌ متى تجمع الأيام يوماً لنا الشملا
وكلُّ غريب سوف يُمسي بذلة ٍ إذا بان عن أوطانه وجفا الأهلا
- وقيل لبعض الأعراب: ما الغبطة؟ قال : الكفاية مع لزوم الأوطان ، والجلوس مع الإخوان، قيل: فما المذلة؟ قال: التنقل في البلدان، والتنحي عن الأوطان .
- وحكى الموبذ أنه قرأ في سيرة إسفنديار بن يستاسف بن لهواسف، بالفارسية ، أنه لمّا غزا بلاد الخزر ليستنقذ أخته من الأسر، اعتلّ بها، فقيل له: ما تشتهي؟ قال: شمّةً من تُربة بلخ، وشربةً من ماء واديها.
واعتل سابورذ والأكتاف في بلاد الروم ، وكان مأسوراً ، فقالت له بنت ملك الروم وقد عشقته: ما تشتهي مما كان فيه غذاؤك؟ قال: شربة من ماء دجلة وشمة من تربة إصصخر! فغبرت عنه أياماً ثم أتته يوماً بماء الفرات وقبضة من تراب شاطئه وقالت: هذا من ماء دجلة، وهذه من تربة أرضك، فشرب واشتمّ من تلك التربة فنقه من مرضه.
-والقول في حبِّ الناس الوطن وافتخارهم بالمحال قد سبق، فوجدنا الناس بأوطانهم أقنع منهم بأرزاقهم ، ولذلك قال ابن الزبير: (( لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى عبدٌ الرزق )).
- وقال آخر: عسرك في دارك أعزلك من يُسرك في غربتك
وأنشد آخر:
لقرب الدار في الأقتار خيرٌ من العيش الموسع في اغتراب
-ومما يؤكد ما قلنا في حب الأوطان قول الله عز وجل حين ذكر الديار يخبر عن مواقعها من قلوب عباده فقال: (( لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم: فسوى بين قتل أنفسهم وبين الخروج من ديارهم.
وقال تعالى: (( وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا)).
وقال عمر رضي الله عنه: (( عمرَّ الله البلدان بحب الأوطان )).
وقال آخر في حب الوطن:
سقى الله أرض العاشقين بغيثه وردّ إلى الأوطان كلّ غريب
وأعطى ذوي الهيئات فوق مُناهم ومتّع محبوباً بقرب حبيب
وإلى كل من يهاجر دون سبب قاهر لا يسعني إلا أن أقدم هذه الأبيات للطبيب عمار العقاد يخاطب ابنه:
لتبق هنا ولا ترحل ....تحمّل بطعم الفقر طعم الموت... أثمل
لتبق كصخــرة صمـــاء ســـدا أمــــام الطامعيـــن بنـــا لتقفــــل
أتهجـــر أرضنا ليجوس فيــها غريــــب طــــامع؟ ولـدي! تمهل
تغـــادر بيتنــا هــرباً وتمضــي أتتــــرك حقلنا والـــــزرع يهمـل
أننســى ديننـــا ولدي ! وتسلــو ليهتــــك عرضنــــا ، أتراك تقبل!
أتتركنـي هنــا وحدي وتمضي لتنجـــو مـــن هـــلاك أو لتعمــــل!
تخاف الموت يا ولـدي وعندي كثــــوب العـــرس أكفانـي وأجمل!

رزان القرواني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.