الصفحات

فالونتين || الاطرش بن قابل


كانت الساعة تنكشف على بداية الليل، غير أن هذا اليوم لم يكن كبقية أيام السنة، فهو اليوم الذي عرف فيه زوجته وهو نفس اليوم الذي تزوج بها بعد أن تعبت خطواتها في متابعته بشتى أنواع السبل والأودية سنوات.
في هذه الليلة تأخر الظلام على غير عادته، لم ينتظرا حتى يبلغ الظلام أوجه، تبعته تحت جنح الأديرة المتاخمة للوادي على حواف المدينة، كان أخوها ككُل ليلة يشق خصلات الزمن بما جادت عليه الطبيعة من عفيون أو غراء الخشب إن لم يجد ما يزفه في غمرة الذهول، لم يكن حظه من العقل كحظه من الجسم فقد كان وافر القامة، أبطح الوجه ذي رأس كبير منتفخ الخدود يتوسط أربعة أخوة ذكور عوانس، ذوو أخلاق على خلافه، وكانت أخته الصغرى الوحيدة ذات الخمسة وعشرون عاما.

لم يكن ليلاحظها في هبوطهما ممسكة بكتف عشيقها تخشى السقوط في المنحدر، سارا عبر حواف الوادي إلى الغابة المجردة من الحياء، لولا نباح كلاب الحي في أرنب ضل طريق جحر عشيقته، وأمام ذهول الجمع من نباح الكلاب على غير عادتها فقد سئمت حركات المتنقلين إلى الغابة ليلا، وتعففت عن النباح بعد إلحاح المتنقلين عليها بالسكوت والتستر.
تطوع أخوها لرؤية السبب فكان أن تبع صوت المشي، وفي منعرج غير بعيد رأى حراكا غير عادي، تلَّمس الطريق على حواف أقدامه، إلى أن وصل لمصدره، وكان سيدور على أعقابه فقد رأى الجواب على سؤال جماعته وغير مبالي بما رأى، وفي لحظة اغتصب فيها القمر ظلام الليلة، رأى بعضا من ملابس كان يعرف صاحبتها، سرعان ما ذهب ضباب السكر عن عيونه، وبين ذهول الحيرة، لم يكن ليصدق أخته في هذا الوضع، ذهب إلى البيت مسرعا ودخل غرفة أخته التي لم يجدها، فبحث عنها في كل جوانب المنزل ولم يكن لها أثر.
ومع بزوغ الفجر وتساقط فلقات الجليد جاء العشيقان منكمشان في أطرافهما كل يلتصق بجوانبه، يترنحان من التعب والبرد، وكان أخوها ينتظر الاثنين على رأس الوادي، تخالجه روح الانتقام حفاظا على شرفه فقد أحس أنه قد لامس الطين بأنفه، وفي لحظة من العبقرية وضع خنجره المسموم على رقبة العشيق الذي كان ذو جسم نحيل يميل إلى السلم، ووجه بارد أصفر تراءى له أنه يعرفه جيدا بل ناداه باسمه، اغروقت عينا العشيق وأحس ببعض ندى الجليد يلامس بنطاله لولا سخونته، فهو يعرف مدى قسوة من يتربص به، وفي المنتصف الأخير من نفس النهار كان خاطبا على باب أخته التي لم يراها منذ ذلك الحين.
وبعد عدة سنوات، في ليلة غابرة كليلة زواجه، جاء الزوج مُلتحيا يحمل دمية في شكل دب أحمر يلازم صدره ويلازم لذراعه بعض الورود الحمراء من البلاستيك المـُـعاد، وفي جيبه كتلة ربما تكون قارورة كبيرة من زجاج يظهر عنقها الأسود تميل بجسمه البالي غير أن الطفلة الصغيرة ذات الأربع سنوات كانت تنادي بأعلى صوتها تريد تجربتها فهي ترى كثيرا من أفلام العنف وتتمثل البطل في أبيها، وكانت الزوجة اليائسة من ضنك السنين تعد رضاعة لإبنها التوأم، من حملها الثالث. وضع الدمية والورود على طرف الطاولة وداس على أطراف نعله في خروجه من المنزل، متجها إلى أطراف الوادي، أين لا تنبح الكلاب من حراك المتنقلين، وقطع الوعد أن يكرر الفالونتين في غير هذه المدينة مرات ومرات بلون أحمر كلّون الدم.

الاطرش بن قابل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.