الصفحات

انشطارات ـ قصة قصيرة || محمد علام

وقفت بشال أبيض تحته منديل رأس أسود تتأمل ملامحها في المرآة وكأنها تراها لأول مرة – تأمل رجل يتقدم لفتاة -
حدثت نفسها :
-أين هذا الرجل الذي يتقدم لنحيفة ..قصيرة.. وهذه ملامحها ؟
مرت سنوات العمر في الحفاظ علي العادات والتقاليد والاحتشام والواجب والوقار في الوقت الذي أصبحن رفيقاتها جدات وهن في العقد الرابع .
قالت :
- وأنا ؟ أنا عذراء أرقب ذياك الفارس المغوار أبو صدر مشمس ليفتح حصوني و أرويه شراييني ليروي واديٌّ ليطرح وليدي ،ولكن هل سأسعده ؟ كيف ؟؟ وأنا المحرومة من
السعادة ..فلا ذنب لي في خلقتي أما عاداتي وتقاليدي اكتسبتها من بيئتي ، وسلوكياتي أملكها وحافظت عليها كفاني أنني لم أقبل حتي اليوم ( هكذا تخيلت صورتها تحدثها في المرأة ).
وبدون تفكير ردت علي مرآتها:
- لأنني لم أجد ذياك الرجل الذي يتصدق بها عليّ.
تحدثها شخصية المرآة:
- ألم يعتر ف أرمل شقيقتك بروحك النبيلة الشفافة.
قاطعتها ،
-غلطة لم يكررها وأنا التي دافعته بطريقة غير نبيله لهدف نبيل لي أنافقط.
- ألم يعترف بأنه نادم علي عدم اكتشافه شخصيتك من قبل ؟
- لأنني انسلخت مرة من بوتقتي آملة في تحقيق غرضي منه.
اتجهت بعصبية نحو سريرها آخذة مخدتها بعنف وكأنها تخنقها قائلة:
- ماذنبي أني ورثت ملامح جدتي !! ما ذنبي في معاملة جدتي السيئة لأمي !!
ما ذنبي في تعلق أبي بأمة وطاعتها !!
كثيرات أقل مني جمالا تزوجن وانجبن وأصبحن جدات .
نظرت للمرآة عن بعد متأملة لنفسها -شئ بداخلها يدفعها نحو تسريحتها-
تأخذ زجاجتها العطرية التي اعتادت استعمالها -تفتحها-رائحتها تثير انفعالتها وتزيد توترها ، تدير ظهرها للمرآة.
تتذكر جدتها وهي توصيها باستعمال هذا النوع من العطر لتذكر أمها بها في كل شئ ، حتى أسلوب حديثها أيضا ليجعل لها شخصية يهابها الجميع .
تنظر للمرآة وبكل قوتها تدفع بزجاجة العطر في المرآة قائلة:
لكن لم أحظى بحبهم .
تنشطر المرآة عدة انشطارات..مناظر متعددة لصورة الجدة .
تحدث الصور ثائرة :
- لن أكونكن تكررها مرات ، تتجه نحو دولابها وتخرج ثياب عرسها التي لم تلبسها يوما قائلة :
– أين ذياك العريس ؟ لمن ألبسها إذا ؟ ومتى ؟
تتذكر شيئا ..تبحث عنه ..تتساءل: أين ؟ أين؟ أخيرا وجدتك.
بنشوة تفتحها .. تشمها ..تشعر براحة وهدوء .
كم كانت تعشق هذه الرائحة ، وكم عوقبت بسببها من جدتها ، ويزداد عقابها كلما سألت عن سبب كرهها لهذا النوع من العطر ..لكنها تعرف السبب ..أنه النوع المفضل لأمها.
لم تحتفظ بشئ من ممتلكات أمها سوى بهذه الزجاجة التي اندهش لها الجميع فقد فضلتها علي المصاغ والمجوهرات .
- الآن فقط أحب أن أكون ما ينبغي أن أكونها.
تحررت من جميع ملابسها.. لم تفكر في النظر إلي المرآة .. ربما خوف؟ ربما .. فقط تنظر إلي ملابسها التي احتفظت بها سنوات العمر الجميل دون استعمال ..أخذت تفاضل بينهم حتى استقرت علي أجملهم ..تزينت وتعطرت ..ولأول مرة تتصيغ بحليها ومجوهراتها ..تمنت باقة ورد جميلة تزين بها سريرها علي هيئة رجل ..تشرد برهة ..تتصايح في دلال لم تألفه في نفسها :
- إنه في درج الدولاب .
بلهفة تفتح الدرج ..تخرج لفافة و تفرغها بفرحة مراهقة :
- هاهو .
كم كانت تتخيل قدميها فيه يوم الصباحية.
-مرآتي أين أنت لأصنع أجمل تسريحة في الدنيا .
تلتفت للمرآة ..صور جدتها في انشطارات .. المرآة تعنفها ..توبخها على ما آلت إليه.
بهدوء لم تألفه في نفسها وبرقة وعذوبة ورجاء ..
- لا ياجدتي دعيني ولو مرة واحدة أكون أنا ..أنت زمن مضى ومضى معه أجمل سنوات عمري .
تنظر لها صور الجدات في انشطارات المرآة نظرات كره .
بدلال تأخذ زجاجتها العطرية المحببة وتنثرها على انشطارات المرآة قائلة :
- سامحيني يا جدتي .. واحدة فينا فقط يجب أن تبقى .
تتجه نحو ستائر غرفتها .. بهدوء تخلعها وتفتح نافذتها ..يداعب الهواء الجديد خصلات شعرها ..تتذكر أنها لم تسرحه.. تعد نفسها أنها سوف تسرحه بعد أن تغير مفرش سريرها لتنام عليه ليلة كانت يجب أن تعيشها ويجب أن تحياها

محمد علام
 القاهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.