الشاعرة سوسن شتيان: أنا لا اكتب الشعر عن ترف في الحروف، أنا فقط أرتق قلبي
الشاعرة السورية تريد من الشعر ألا يغادرها أبداً، فهي تعيش لأجله وبه
حاورها : خالد ديريك
لـ سوسن شتيان في مدينة السلمية، حيث مسقط رأسها، دفق حب ووحي وذوبان من عيون مائها الناشفة إلى ضفاف قلبها العطشان، نهر شعر أورق عشباً في شوارعها وغباراً. فرط الياسمين بياضه أربعين عطراً وسراباً. السوسن زهر كانون الثاني، دلف بتلاته في هسيس البرد، والثلج يغطي سيقان الشجر، يعلو بياضاً غير متناه وبرداً وناراً ودخاناً.
في بيت عربي من غرفتين وفسحة للشمس والمطر وتنور عتيق وشجرة جوز وبرتقالتين كانت سوسن شتيان تزرع خطواتها وألعاباً كثيرة لا تتكلم ولا تتحرك فتكسرها. سوسن الكثيرة الحركة والكلام كما دونت معلمتها في سجل ملاحظاتها في نتيجة العام الأول من دخولها إلى المدرسة بعد أن كتبت (ذكية -مهذبة -سريعة البديهة -تعتمد على نفسها، لكنها ….)
والدتها الطفلة، ترتجف وتقرأ لأحلام مستغانم فتكره الرجال، ولغادة السمان فتحب الحياة.
والدتها التي ما أكملت لعبتها السابعة عشرة، اشترتها من الله كي تلعب معها وتكون دميتها الشقراء بشرائط وأساور وضفائر وتنورات صوفية من غزل سنارتها وقوس قزح. دمية تلعب معاً، تنكش حويقات الجوري بشفتيها ومساكب النعناع في صدرها وتفرط كل سنابل الحنطة العائمة على شعرها وقلبها.
والدها المعلم الرصين الهاذئ بفقر الدنيا وغناها، الممعن زهداً وتعباً، له في دواوين المتنبي ومحمد مهدي الجواهري شغف وعشق قديم، يحلم بذكر، يحمل معه حطب الحياة وأشواكها ويغرس اسم العائلة بنطاف ذكية في أرحام جديدة كي لا يندثر نسل الفقراء الطيبين.
جدها كان طفلاً كبيراً يتسلى بالخشب والخضار والثياب، وفي كل نهار يعود من السوق بخرجية (مصروف) تقرقع في أجيابه، يتسطح على ظهره، ويجلسها على عرش صدره لتعد له ما جمع من الليرات (النقود السورية)، وتدلق على جلابيته كأس المتة المنقوعة بالسكر الكثير. هو يبني لها بيوتاً من العتابا والأغنيات فتسكنها وتنام. كان يصغر جدتها بأربع أعوام ويكبرها شعراً ومواويلاً.
جدتها صورة عن الآلهة القديمة جالبة الخير والبركة لا تغادر بلاط الدار، ترعى فراخ الحمام والدجاج وتجفف الكثير من العنب والتين على سطح بيتها، وتعدها بأن تورث كل ثروتها من الهديل والزبيب والقمح والنبيذ والدمع.
هكذا بقيت سوسن دمية العائلة المدللة لمدة خمس سنوات إلى أن اشترت والدتها دمية جديدة (أسمتها “مها” قلبي يحبها، شقراء لعبتي، تفهم همستي، عيونها خضراء وحظها شقاء)
ثم جاء الفرج ومعه شقيقها “كريم” بطلها العظيم، خجول يتعثر بحروفه وقلبها به كم تعثر!
ثم جاء الأخ الأصفر “وسيم” ذو العينين المحتالتين والقلب المشاغب والطير المهاجر، وفي النهاية وقبل أن يلتحق والدها ببعثة تعليمية إلى اليمن السعيد، جاءهم الهدهد بآخر حبات العنب “يمنة” بياض الثلج، شعرها شلال ذهب غجري، صوتها خلاخيل ونرجس تبوح.
كان السرير يتسع لخمس كرات من اللحم الطري وزندا سوسن مخدتان، عليها تتزاحم أربعة رؤوس صغيرة، تصغي بشغف لحكاياتها الخيالية قبل أن يتسرب لعيونها النعاس فتغط الفراشات في شرنقة نومها على قلب سوسن.
كانت سوسن شتيان أماً صغيرة لأربعة إخوة أو أبناء، شغفت بالعلم والكتب وتفوقت في دراستها وعلمت إخوتها أن الطريق يعبد بالمعرفة والأقلام، وأن الأوراق تبني البيوت لا الحجارة.
درست اللغة الفرنسية بعد أن نالت الشهادة الثانوية بفرعها العلمي مع أن اختصاصات كثيرة كانت مفتوحة أمامها، لكن والدها يريدها أن تختصر الطريق وتسلك درب التعليم فتصبح فيما بعد مُدرسة اللغة الفرنسية التي اختارتها بإرادتها عندما غيرها جُبر على دراستها حين سحبوا أوراقاً من سلة الفرز بين الفرنسي والانجليزي.
والدها الذي اختصر الطريق، غافلته سيارة الطحين ونقله الموت بسرعة الضوء إلى السماء. تركهم خمسة فراخ وقرقة يتخبطون بقش الحياة ودودها، والقمح صعب المنال فالحقول مسورة ولا أجنحة لهم.
ليعيشوا، عليهم أن يحفروا الأرض ويزرعوا السماء بالدعوات فاستجابت والتقت سوسن برجل يشبه والدها، أحبته من اللهفة الأولى وصارت له زوجةً وأماً وأختاً وأباً. أنجبت منه عصفوران وفراشة، وبنيا معاً عشاً صغيراً، شرنقة من حرير وعناء.
عملت سوسن في اختصاصها كَمُدرسة لغة فرنسية، وهي الآن معاونة مديرة في مدرسة ابتدائية، توزع قمح قلبها بالمجان لكل الفراشات والعصافير.
تقول الشاعرة سوسن شتيان: عباءة الشعر واسعة جداً، ويحق لها الاعتراض على من يرتديها فخيوطها الحريرية هي من تختار الأجنحة التي تحلق بها.
ومنذ أن كنت طالبة في المرحلة الإعدادية، كان مدرسو اللغة العربية يعجبون بما اكتب فكنت أبدع بالتعبير الأدبي وأصوغ تعابيراً مميزة وبطريقة شاعرية، لم أكن حينها أعرف أن الشعر قد اختارني لأرتدي عباءته، لكن وبعد زواجي ومتابعة بعض صديقاتي لما اكتبه وإعجابهن به، شجعوني على مواصلة الكتابة،
كما كان لانتشار وسائل التواصل دوراً باكتشافي، حيث بدأت أنشر على صفحتي على موقع الفيس بوك ما اكتبه، ومن خلال متابعة بعض الأدباء والشعراء لكتاباتي، أطلقوا علي صفة الشاعرة، التي لم أطلقها أنا على نفسي حتى الآن، وبالنسبة لي ما أزال أتعثر بطرف هذه العباءة الطويلة، وكل من يرتديها لابد أن يتعثر حتى تطول قامته لتناسب مع سموها وارتقاءها.
هواية مفضلة
الشعر لديها هواية، ويأتي بلا موعد، وفي جعبتها الكثير، وتسهب في الشرح قائلةً:
لدي هواية مفضلة كأي شاعر آخر يحب الكتابة وهي المطالعة والقراءة فالكتابة لا تأتي من فراغ، ولتبدع أكثر، عليك أن تقرأ كثيراً، وتغني ثقافتك وحصيلتك الفكرية واللغوية، كما أهوى الاستماع للموسيقى والغناء الأصيل.
والشعر لا وقت يحدد له أو موعد مسبق يمكن أن تتقيد به، هو أشبه بوحي أو نبوءة وحالة روحية تلقي قميصها على كيان الشاعر، فأحياناً التقيه ليلاً وأحياناً نهاراً وربما يغيب لفترة، لكنه لا يطيل الغياب، وحينما يهبط أتلقاه واتبعه وأفرش له الورق والروح، يمسكني القلم بيدي ويسحبني من قلبي وعقلي لأغيب عن الواقع في حالة تشبه التصوف وقد تصل للهذيان فاطرح كل هواجسي وأفرغ ما في وجداني وفكري من عواطف وانفعالات وأسئلة.
كل قصيدة اكتبها، هي من قلبي لذلك لا ابتعد عنها وتكون مقربة ومفضلة لدي، وكل قصيدة متقنة وأشعر إنها تلامس روحي، أحبها وإن لم تكن من كتابتي.
كل شاعر يحمل رسالة ويصوغ عاطفته بشكل مقرب من القلب، اعتبره قدوة لي، ولا أريد أن أذكر أسماء فالشعراء كلهم أحبتي وليس من يدعون الشعر وقد اكتظت بهم الساحات والمنابر.
ما يزال في جعبتي ووجداني الكثير من الشعر مما لم ير النور بعد، والأجمل حرفاً وصياغة ما لم اكتبه حتى الآن فالشعر عالم عميق وبحر لا قرار له، واللؤلؤة الأجمل مازالت تختبئ في محارتها وتحتاج للغوص أكثر في أعماق هذا البحر لاستخراجها.
تريد من الشعر ألا يغادرها أبداً:
الشعر، لا أريده أن يغادرني أبداً، فأنا أعيش لأجله وبه، وهو من يهديني الفضاء لأحلق بأجنحتي وهو الأنيس الذي يواسني ويسمعني ويكلمني حين أخلو بنفسي بعيداً عن الواقع وأسرح بأيائلي وخيولي في مراعيه لأنوش قطوفه الدانية والقاصية.
وتتابع: بعد ان انتهي من طقوس الكتابة وأكمل رصف حروفي في نص جديد، أشعر وكأني بنيت بيتاً جديداً فأدخله بزهو المنتصر وفرح المكافح، هو شعور رائع جداً وأحياناً أضحك وابتهج وكأنني وجدت شيئاً ضائعاً مني وعزيزاً علي.
ترى في قصيدة النثر عالماً مفتوحاً، والإبداع وليد المعاناة:
قصيدة النثر عالم مفتوح، وفي وقتنا المعاصر تتناسب مع معطيات الزمن ومتغيراته، كما إنها لا تحد ولا تقيد الشاعر فمن خلالها يمكن أن يعبر عن رؤاه بطريقة جذابة ومغرية ومدهشة وبحرية واسعة دون أن يلتزم ببحر أو وزن أو قافية.
قصيدة النثر هي الشكل الفني الشعري العربي والعالمي أيضاً الذي يوائم الذائقة الشعرية للإنسانية الحاملة مجموعة التجارب الإنسانية الثقافية الذهنية والفلسفية برؤية متطورة ومبدعة بعيداً عن الشعر التقليدي الذي استهلك كل أغراضه وأدواته ولم يعد قادراً على تقديم الجديد.
وتضيف: من وجهة نظري وحسب تجربتي لا يصدر الإبداع من سعة العيش أو فراغ القلب، فهو وليد المعاناة، والحاجة أم الاختراع، والمترفون ليسوا بحاجة لشيء لذلك أغلب من يبدع هو من يمر بمشاكل وصعوبات يسعى لحلها، فهو يعمل بعقله وبصيرته ليتوصل إلى الحلول مما يخفف من معاناته …. (أنا لا اكتب الشعر عن ترف في الحروف، أنا فقط أرتق قلبي).
يتم وترمل:
كتبت عن اليتم والترمل لأن الموت خطف والدي، وهو بنظري صفوة الرجال ومَن يهبني الدهشات الصغيرة بيديه المحشوتين بالنجوم والأشواك والحبر والفاكهة.
تركنا سقف البيت وعموده لتنهار علينا الحياة ببردها، رياحها، جوعها، حرمانها وكل ما فيها من الركام، أنا وأمي وأربعة إخوة قاصرين فكتبت عن مشكلة اليتم والترمل وما تقاسيه مثل هذه العائلات من مشاكل.
كتبت عن الحب أيضاً لكن بشكل رومنسي وعاطفي ووجداني. بنظري الحب هو علاقة روحية يمكن أن تقوم بين الشاعر وكل من حوله ولا تقتصر فقط على الحبيب.
مساهماتها الأدبية:
أولى مشاركاتي الشعرية كانت في مهرجان سلمية الشعري الخامس والعشرين عام 2015 قدمت فيه قصيدة تفعيلة بعنوان (تنام الأرض) ونصان نثريان.
وفي مهرجان سلمية الشعري السادس والعشرين عام 2017 قدمت فيه نص نثري وقصيدة بعنوان (هذي سلمية) وقصيدة موزونة بعنوان (جلنار القلب)
شاركت أيضاً في الملتقى الإبداعي الثقافي في جمعية الهلال الأحمر السوري بمدينة سلمية ـ محافظة حماه.
قمت بتدريب بعض الشباب الموهوبين على فنون الكتابة وأجناسها من خلال برنامج “لنبدع معاً” في جمعية العاديات بمدينتي.
حوار أجراه: خالد ديريك
الشاعرة السورية تريد من الشعر ألا يغادرها أبداً، فهي تعيش لأجله وبه
حاورها : خالد ديريك
لـ سوسن شتيان في مدينة السلمية، حيث مسقط رأسها، دفق حب ووحي وذوبان من عيون مائها الناشفة إلى ضفاف قلبها العطشان، نهر شعر أورق عشباً في شوارعها وغباراً. فرط الياسمين بياضه أربعين عطراً وسراباً. السوسن زهر كانون الثاني، دلف بتلاته في هسيس البرد، والثلج يغطي سيقان الشجر، يعلو بياضاً غير متناه وبرداً وناراً ودخاناً.
في بيت عربي من غرفتين وفسحة للشمس والمطر وتنور عتيق وشجرة جوز وبرتقالتين كانت سوسن شتيان تزرع خطواتها وألعاباً كثيرة لا تتكلم ولا تتحرك فتكسرها. سوسن الكثيرة الحركة والكلام كما دونت معلمتها في سجل ملاحظاتها في نتيجة العام الأول من دخولها إلى المدرسة بعد أن كتبت (ذكية -مهذبة -سريعة البديهة -تعتمد على نفسها، لكنها ….)
والدتها الطفلة، ترتجف وتقرأ لأحلام مستغانم فتكره الرجال، ولغادة السمان فتحب الحياة.
والدتها التي ما أكملت لعبتها السابعة عشرة، اشترتها من الله كي تلعب معها وتكون دميتها الشقراء بشرائط وأساور وضفائر وتنورات صوفية من غزل سنارتها وقوس قزح. دمية تلعب معاً، تنكش حويقات الجوري بشفتيها ومساكب النعناع في صدرها وتفرط كل سنابل الحنطة العائمة على شعرها وقلبها.
والدها المعلم الرصين الهاذئ بفقر الدنيا وغناها، الممعن زهداً وتعباً، له في دواوين المتنبي ومحمد مهدي الجواهري شغف وعشق قديم، يحلم بذكر، يحمل معه حطب الحياة وأشواكها ويغرس اسم العائلة بنطاف ذكية في أرحام جديدة كي لا يندثر نسل الفقراء الطيبين.
جدها كان طفلاً كبيراً يتسلى بالخشب والخضار والثياب، وفي كل نهار يعود من السوق بخرجية (مصروف) تقرقع في أجيابه، يتسطح على ظهره، ويجلسها على عرش صدره لتعد له ما جمع من الليرات (النقود السورية)، وتدلق على جلابيته كأس المتة المنقوعة بالسكر الكثير. هو يبني لها بيوتاً من العتابا والأغنيات فتسكنها وتنام. كان يصغر جدتها بأربع أعوام ويكبرها شعراً ومواويلاً.
جدتها صورة عن الآلهة القديمة جالبة الخير والبركة لا تغادر بلاط الدار، ترعى فراخ الحمام والدجاج وتجفف الكثير من العنب والتين على سطح بيتها، وتعدها بأن تورث كل ثروتها من الهديل والزبيب والقمح والنبيذ والدمع.
هكذا بقيت سوسن دمية العائلة المدللة لمدة خمس سنوات إلى أن اشترت والدتها دمية جديدة (أسمتها “مها” قلبي يحبها، شقراء لعبتي، تفهم همستي، عيونها خضراء وحظها شقاء)
ثم جاء الفرج ومعه شقيقها “كريم” بطلها العظيم، خجول يتعثر بحروفه وقلبها به كم تعثر!
ثم جاء الأخ الأصفر “وسيم” ذو العينين المحتالتين والقلب المشاغب والطير المهاجر، وفي النهاية وقبل أن يلتحق والدها ببعثة تعليمية إلى اليمن السعيد، جاءهم الهدهد بآخر حبات العنب “يمنة” بياض الثلج، شعرها شلال ذهب غجري، صوتها خلاخيل ونرجس تبوح.
كان السرير يتسع لخمس كرات من اللحم الطري وزندا سوسن مخدتان، عليها تتزاحم أربعة رؤوس صغيرة، تصغي بشغف لحكاياتها الخيالية قبل أن يتسرب لعيونها النعاس فتغط الفراشات في شرنقة نومها على قلب سوسن.
كانت سوسن شتيان أماً صغيرة لأربعة إخوة أو أبناء، شغفت بالعلم والكتب وتفوقت في دراستها وعلمت إخوتها أن الطريق يعبد بالمعرفة والأقلام، وأن الأوراق تبني البيوت لا الحجارة.
درست اللغة الفرنسية بعد أن نالت الشهادة الثانوية بفرعها العلمي مع أن اختصاصات كثيرة كانت مفتوحة أمامها، لكن والدها يريدها أن تختصر الطريق وتسلك درب التعليم فتصبح فيما بعد مُدرسة اللغة الفرنسية التي اختارتها بإرادتها عندما غيرها جُبر على دراستها حين سحبوا أوراقاً من سلة الفرز بين الفرنسي والانجليزي.
والدها الذي اختصر الطريق، غافلته سيارة الطحين ونقله الموت بسرعة الضوء إلى السماء. تركهم خمسة فراخ وقرقة يتخبطون بقش الحياة ودودها، والقمح صعب المنال فالحقول مسورة ولا أجنحة لهم.
ليعيشوا، عليهم أن يحفروا الأرض ويزرعوا السماء بالدعوات فاستجابت والتقت سوسن برجل يشبه والدها، أحبته من اللهفة الأولى وصارت له زوجةً وأماً وأختاً وأباً. أنجبت منه عصفوران وفراشة، وبنيا معاً عشاً صغيراً، شرنقة من حرير وعناء.
عملت سوسن في اختصاصها كَمُدرسة لغة فرنسية، وهي الآن معاونة مديرة في مدرسة ابتدائية، توزع قمح قلبها بالمجان لكل الفراشات والعصافير.
تقول الشاعرة سوسن شتيان: عباءة الشعر واسعة جداً، ويحق لها الاعتراض على من يرتديها فخيوطها الحريرية هي من تختار الأجنحة التي تحلق بها.
ومنذ أن كنت طالبة في المرحلة الإعدادية، كان مدرسو اللغة العربية يعجبون بما اكتب فكنت أبدع بالتعبير الأدبي وأصوغ تعابيراً مميزة وبطريقة شاعرية، لم أكن حينها أعرف أن الشعر قد اختارني لأرتدي عباءته، لكن وبعد زواجي ومتابعة بعض صديقاتي لما اكتبه وإعجابهن به، شجعوني على مواصلة الكتابة،
كما كان لانتشار وسائل التواصل دوراً باكتشافي، حيث بدأت أنشر على صفحتي على موقع الفيس بوك ما اكتبه، ومن خلال متابعة بعض الأدباء والشعراء لكتاباتي، أطلقوا علي صفة الشاعرة، التي لم أطلقها أنا على نفسي حتى الآن، وبالنسبة لي ما أزال أتعثر بطرف هذه العباءة الطويلة، وكل من يرتديها لابد أن يتعثر حتى تطول قامته لتناسب مع سموها وارتقاءها.
هواية مفضلة
الشعر لديها هواية، ويأتي بلا موعد، وفي جعبتها الكثير، وتسهب في الشرح قائلةً:
لدي هواية مفضلة كأي شاعر آخر يحب الكتابة وهي المطالعة والقراءة فالكتابة لا تأتي من فراغ، ولتبدع أكثر، عليك أن تقرأ كثيراً، وتغني ثقافتك وحصيلتك الفكرية واللغوية، كما أهوى الاستماع للموسيقى والغناء الأصيل.
والشعر لا وقت يحدد له أو موعد مسبق يمكن أن تتقيد به، هو أشبه بوحي أو نبوءة وحالة روحية تلقي قميصها على كيان الشاعر، فأحياناً التقيه ليلاً وأحياناً نهاراً وربما يغيب لفترة، لكنه لا يطيل الغياب، وحينما يهبط أتلقاه واتبعه وأفرش له الورق والروح، يمسكني القلم بيدي ويسحبني من قلبي وعقلي لأغيب عن الواقع في حالة تشبه التصوف وقد تصل للهذيان فاطرح كل هواجسي وأفرغ ما في وجداني وفكري من عواطف وانفعالات وأسئلة.
كل قصيدة اكتبها، هي من قلبي لذلك لا ابتعد عنها وتكون مقربة ومفضلة لدي، وكل قصيدة متقنة وأشعر إنها تلامس روحي، أحبها وإن لم تكن من كتابتي.
كل شاعر يحمل رسالة ويصوغ عاطفته بشكل مقرب من القلب، اعتبره قدوة لي، ولا أريد أن أذكر أسماء فالشعراء كلهم أحبتي وليس من يدعون الشعر وقد اكتظت بهم الساحات والمنابر.
ما يزال في جعبتي ووجداني الكثير من الشعر مما لم ير النور بعد، والأجمل حرفاً وصياغة ما لم اكتبه حتى الآن فالشعر عالم عميق وبحر لا قرار له، واللؤلؤة الأجمل مازالت تختبئ في محارتها وتحتاج للغوص أكثر في أعماق هذا البحر لاستخراجها.
تريد من الشعر ألا يغادرها أبداً:
الشعر، لا أريده أن يغادرني أبداً، فأنا أعيش لأجله وبه، وهو من يهديني الفضاء لأحلق بأجنحتي وهو الأنيس الذي يواسني ويسمعني ويكلمني حين أخلو بنفسي بعيداً عن الواقع وأسرح بأيائلي وخيولي في مراعيه لأنوش قطوفه الدانية والقاصية.
وتتابع: بعد ان انتهي من طقوس الكتابة وأكمل رصف حروفي في نص جديد، أشعر وكأني بنيت بيتاً جديداً فأدخله بزهو المنتصر وفرح المكافح، هو شعور رائع جداً وأحياناً أضحك وابتهج وكأنني وجدت شيئاً ضائعاً مني وعزيزاً علي.
ترى في قصيدة النثر عالماً مفتوحاً، والإبداع وليد المعاناة:
قصيدة النثر عالم مفتوح، وفي وقتنا المعاصر تتناسب مع معطيات الزمن ومتغيراته، كما إنها لا تحد ولا تقيد الشاعر فمن خلالها يمكن أن يعبر عن رؤاه بطريقة جذابة ومغرية ومدهشة وبحرية واسعة دون أن يلتزم ببحر أو وزن أو قافية.
قصيدة النثر هي الشكل الفني الشعري العربي والعالمي أيضاً الذي يوائم الذائقة الشعرية للإنسانية الحاملة مجموعة التجارب الإنسانية الثقافية الذهنية والفلسفية برؤية متطورة ومبدعة بعيداً عن الشعر التقليدي الذي استهلك كل أغراضه وأدواته ولم يعد قادراً على تقديم الجديد.
وتضيف: من وجهة نظري وحسب تجربتي لا يصدر الإبداع من سعة العيش أو فراغ القلب، فهو وليد المعاناة، والحاجة أم الاختراع، والمترفون ليسوا بحاجة لشيء لذلك أغلب من يبدع هو من يمر بمشاكل وصعوبات يسعى لحلها، فهو يعمل بعقله وبصيرته ليتوصل إلى الحلول مما يخفف من معاناته …. (أنا لا اكتب الشعر عن ترف في الحروف، أنا فقط أرتق قلبي).
يتم وترمل:
كتبت عن اليتم والترمل لأن الموت خطف والدي، وهو بنظري صفوة الرجال ومَن يهبني الدهشات الصغيرة بيديه المحشوتين بالنجوم والأشواك والحبر والفاكهة.
تركنا سقف البيت وعموده لتنهار علينا الحياة ببردها، رياحها، جوعها، حرمانها وكل ما فيها من الركام، أنا وأمي وأربعة إخوة قاصرين فكتبت عن مشكلة اليتم والترمل وما تقاسيه مثل هذه العائلات من مشاكل.
كتبت عن الحب أيضاً لكن بشكل رومنسي وعاطفي ووجداني. بنظري الحب هو علاقة روحية يمكن أن تقوم بين الشاعر وكل من حوله ولا تقتصر فقط على الحبيب.
مساهماتها الأدبية:
أولى مشاركاتي الشعرية كانت في مهرجان سلمية الشعري الخامس والعشرين عام 2015 قدمت فيه قصيدة تفعيلة بعنوان (تنام الأرض) ونصان نثريان.
وفي مهرجان سلمية الشعري السادس والعشرين عام 2017 قدمت فيه نص نثري وقصيدة بعنوان (هذي سلمية) وقصيدة موزونة بعنوان (جلنار القلب)
شاركت أيضاً في الملتقى الإبداعي الثقافي في جمعية الهلال الأحمر السوري بمدينة سلمية ـ محافظة حماه.
قمت بتدريب بعض الشباب الموهوبين على فنون الكتابة وأجناسها من خلال برنامج “لنبدع معاً” في جمعية العاديات بمدينتي.
حوار أجراه: خالد ديريك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.