الصفحات

ورطة ـ قصة قصيرة || أسماء الصياد

جاءني صديقي "الأنتيم" متجهِّما, و أخذ يحكي مأساةً قد وقعت له أمس:
ــ " بعد أن أسدل الليل سدوله, و غرق الشارع ــ حيث أسكن ــ في ظُلمته, خاصةً بعدما رشقَ صبي مصباح عمود النور بحجر, فلم تخِب رميته..

خلدتُ إلى النوم, و القلق يعتريني.. فقد تخوَّفتُ سرقة سيارتي التي ــ كما تعلم يا صديقي ــ أن قسطها الشهر يأتي على مايزيد عن نصف راتبي..
ولكن زوجتي طمأنتني.. و قالت و هى تضحك:
ــ اطمئن.. المال الحلال لايضيع هباءً .. ولن يسرق سيارتك غريب على كل حال !
كان ردها منطقيًا حقًا.. عندما قالت " المال الحلال لايضيع هباءً " ..

ولكنني تعجبتُ كثيرًا؛ فما من شيء يستدعي ضحكها, و تهكمها هكذا .. عندما قالت؛ أنه لن يسرق سيارتي غريب !!!

ورغم ذلكَ يا صاحبي؛ لم أسألها لماذا تضحك, و أنا بي ما بي من قلق على ذلك النحو ..

و أغمضتُ عيني, و آخر ما أفكر به؛ قولها المريب؛
" لن يسرق سيارتك غريب على كل حال " !!!!

فهل ترتب زوجتي لسرقة سيارتي ؟!
و لماذا تفعل , و أنا أوفر لها كل ماتحتاج إليه قدر استطاعتي ؟!

سكتَ الصديق هنيهةً, ثم قال وهو يتنهد كما لو جثم جبل أشم فوق صدره:
ــ وقد وقعت الفأس في الرأس.. و تسلل السارق إلى مرأب السيارة, و قادها مبتعدًا !

فغر فاهي, قبل أن أسأله:
ــ ومن هو ذلك السارق ؟ و كيف حصل على مفاتيح السيارة ؟ و كيفَ فتح المرآب ؟!

أطرقَ صاحب السيارة في وجوم.. وهو يقول:
ــ لايهم كل ذلك ياصديقي..

صِحتُ غاضبًا:
ــ وما المُهم برأيك إذن ؟!

قال وهو على هدوئه:
ــ لقد صُدمتُ بوجود زوجتي معه بالسيارة !!!

عُقِد لساني.. و لم أستطع أن أنطق بكلمةٍ واحدة ..
لأن زوجة صديقي هذا؛ من هؤلاء اللواتي يُضربُ بِهن المثل في حُسن الخُلق, و التقوى !

ثم أنه لاصديقَ له سواي أنا .. فهل يشكُ بي ؟!

مرَّتْ دقيقتان كالدهر.. تكاد أنفاسي أن تنحبس, و أختنق رعبًا ..

فإذ بصديقي هذا يقول:
ــ لقد صدقتْ زوجتي.. فالسارق ليس غريبًا بالفعل !

تتسارع دقات قلبي خوفًا.. هل أوقعت زوجته بيننا ؟ هل جاءه أحدهم عني بنبأ مكذوب ؟!

ولكنه مالبثَ أن قال:
ــ أنا السارق يا صديقي.. لقد صارحتني زوجتي بهذه الحقيقة المُّرة مؤخرًا..

نعم.. أنا الذي أتسلل كل ليلة, و أسرق سيارتي, و أبتعد بها إلى حيث ناحية نائية.. ثم أعود إلى بيتي سيرًا على الأقدام.. وعندما توالت بلاغاتي عن سرقة السيارة؛ بدأت زوجتي ترافقني كل ليلة, حتى إذا ما تركتُ السيارة بمكانٍ بعيد؛ أعادتها إلى حيث كانت !

كان رأسي يدور.. و لا أجد تفسيرًا لما يفعل ذلك الصديق الذي أكاد ألا أكون أعرفه من قبل !

فإذ به يقول:
ــ أنا مصاب بمتلازمة السير أثناء النوم !

ثم قال, و هو يبتسم:
ــ هلا رافقتني بحوادث السطو التالية ؟ فقد تعبتْ زوجتي كثيرا, و أريد لها أن ترتاح !

لم أُعقّب.. فاستدار نحوي, بينما هو ذاهب.. وقال ضاحكًا:
ــ لقد أطلعتُكَ على سِرِّي الدفين.. فانتظرني مع انتصاف كل ليلة أمام المرأب.. و إلا فلن يرضيكَ أن أفقدَ سيارتي للأبد !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسماء الصياد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.