لن تهدأ ثورتك، لن تفلت من هذا الضجر الذي يحاصرك من كل الجهات، سينال منك القاصي والداني، ويعلنوك على الملأ زنديقًا كفر بتعاويذ الأجداد، ورمى خلف ظهره صورة باهتة للوطن!
لم يبقَ فيها حيًا إلا الخراب! إنه يكبر ويمتد وينتشر مع الشمس وذرات الهواء؛ لأنهما لا يجيدان القراءة بين السطور وخلف الأفق، ولا يمتدان إلى الزوايا العميقة ومنتصف الفؤاد، لا يعرفان ماء المحبة الذي شح وانقطع؛ فتربع الخراب على كتفيهما، وهبط بنعليه، ومشى.
في الماضي القريب كنتُ أعتبر صمتك داءً خبيثًا يجب أن يُجتث من جذوره، أن تُجفف مآقيه وسواقيه ونوابعه؛ فركضت أبحث عن الدواء، هرولت إلى الكتب القريبة والبعيدة، أفتش فيها كيف أداويك؟ كيف أصنع لك رفاقًا من الورق؟ كيف أرسم وطنًا على باطن الكف تشتهيه كل صباح وأنت ترتشف قهوتك؟ كيف أرسم ضحكاتهم الغائبة على جدار بارد كي لا تنساهم وتنسى كيف يكون الضحك؟
كانت الشمس أحيانًا لا تكرهني، تحنُّ عليَّ فجأة فتشرق في أعماقي، وكنتُ لا أكذب خبرًا؛ فأنفض الخريف عن قلبي، وأميط الضجر عن عينيِّ وأمضي في حقول الصباح؛ أقطف من كل حديقة بنفسجة، وياسمينة، وأذيبهم مع رحيق الزعتر، وأرتشفهم على الريق ثلاث مرات متوالية؛ فينتعش الوطن في قلبي، وأكتب إليه قصيدة من ألف بيت، تذوب أحرفها على الجسور والمعابر، وتتشتت قوافيها، ويلملمها الرفاق ويعلقونها على قبة الصخرة؛ فيبتسم المسجد الأقصى ويضحك كل "الحَرَم"؛ فيُجبَر خاطري الذي كُسر، وعمري الذي تصدع على بوابات الشمس.
لا ياسمينة حرَّة في حدائق الجوار، لا بنفسجة بِكرٌ، لا بقايا زعتر في أرجاء القلب، كل شيء فارغ حتى من الصور! والمطر هنا يأتي على استحياء، وفي آخر مرسوم صدر عن والي المدينة حرِّم فيه وجرِّم قطف حبات المطر؛ فلم أعد أستطيع أن أخبئ إليك بين كفيِّ حبات المطر، ولم أعد أستطع أن أزرعهما حدائقَ لترى الوطن فيهما، وتشتهيه كل صباح وعند الغسق، ولم يعد الوطن قابلًا كي أرسمه، أو أصوره لك؛ كي تحتسيه نبيذًا معتقًا عند كل مساء وقبل أن تهاجم عينيك براثن النَعَس.
الوطن أصبح بعيدًا، والمطر شحيحًا، والشمس أعلنت كراهيتها بالمطلق، وتواطئت مع الأكسجين على الفتك بكل قصيدة، وملاحقة الشعراء، والزج بهم إلى كهوف بعيدة؛ فالخيام أصبحت مبعث قلقٍ وأرقٍ، ونزفها ولو كان عشقًا خالصًا لوجه عفراء أو مادونا سيبقى مرفوضًا بلا سبب.
وأنا بين كل هذا الظلام أخرج في الصباح كعادة قديمة، أفتش في الحدائق الباردة عن نرجسة يابسة، أو ضلع ياسمينة مهجورة؛ فاتخذها صديقة!
لم يبقَ منهم أحد، فلنعلن الصمت معًا؛ فهذا الوطن مثخن بجراحه، محترق حتى أصابع قدمه، لن تشفيه صلاة، لن يرثيه دعاء.
عَبس الوطن، ولن يبتسم لقصيدة.
لم يبقَ فيها حيًا إلا الخراب! إنه يكبر ويمتد وينتشر مع الشمس وذرات الهواء؛ لأنهما لا يجيدان القراءة بين السطور وخلف الأفق، ولا يمتدان إلى الزوايا العميقة ومنتصف الفؤاد، لا يعرفان ماء المحبة الذي شح وانقطع؛ فتربع الخراب على كتفيهما، وهبط بنعليه، ومشى.
في الماضي القريب كنتُ أعتبر صمتك داءً خبيثًا يجب أن يُجتث من جذوره، أن تُجفف مآقيه وسواقيه ونوابعه؛ فركضت أبحث عن الدواء، هرولت إلى الكتب القريبة والبعيدة، أفتش فيها كيف أداويك؟ كيف أصنع لك رفاقًا من الورق؟ كيف أرسم وطنًا على باطن الكف تشتهيه كل صباح وأنت ترتشف قهوتك؟ كيف أرسم ضحكاتهم الغائبة على جدار بارد كي لا تنساهم وتنسى كيف يكون الضحك؟
كانت الشمس أحيانًا لا تكرهني، تحنُّ عليَّ فجأة فتشرق في أعماقي، وكنتُ لا أكذب خبرًا؛ فأنفض الخريف عن قلبي، وأميط الضجر عن عينيِّ وأمضي في حقول الصباح؛ أقطف من كل حديقة بنفسجة، وياسمينة، وأذيبهم مع رحيق الزعتر، وأرتشفهم على الريق ثلاث مرات متوالية؛ فينتعش الوطن في قلبي، وأكتب إليه قصيدة من ألف بيت، تذوب أحرفها على الجسور والمعابر، وتتشتت قوافيها، ويلملمها الرفاق ويعلقونها على قبة الصخرة؛ فيبتسم المسجد الأقصى ويضحك كل "الحَرَم"؛ فيُجبَر خاطري الذي كُسر، وعمري الذي تصدع على بوابات الشمس.
لا ياسمينة حرَّة في حدائق الجوار، لا بنفسجة بِكرٌ، لا بقايا زعتر في أرجاء القلب، كل شيء فارغ حتى من الصور! والمطر هنا يأتي على استحياء، وفي آخر مرسوم صدر عن والي المدينة حرِّم فيه وجرِّم قطف حبات المطر؛ فلم أعد أستطيع أن أخبئ إليك بين كفيِّ حبات المطر، ولم أعد أستطع أن أزرعهما حدائقَ لترى الوطن فيهما، وتشتهيه كل صباح وعند الغسق، ولم يعد الوطن قابلًا كي أرسمه، أو أصوره لك؛ كي تحتسيه نبيذًا معتقًا عند كل مساء وقبل أن تهاجم عينيك براثن النَعَس.
الوطن أصبح بعيدًا، والمطر شحيحًا، والشمس أعلنت كراهيتها بالمطلق، وتواطئت مع الأكسجين على الفتك بكل قصيدة، وملاحقة الشعراء، والزج بهم إلى كهوف بعيدة؛ فالخيام أصبحت مبعث قلقٍ وأرقٍ، ونزفها ولو كان عشقًا خالصًا لوجه عفراء أو مادونا سيبقى مرفوضًا بلا سبب.
وأنا بين كل هذا الظلام أخرج في الصباح كعادة قديمة، أفتش في الحدائق الباردة عن نرجسة يابسة، أو ضلع ياسمينة مهجورة؛ فاتخذها صديقة!
لم يبقَ منهم أحد، فلنعلن الصمت معًا؛ فهذا الوطن مثخن بجراحه، محترق حتى أصابع قدمه، لن تشفيه صلاة، لن يرثيه دعاء.
عَبس الوطن، ولن يبتسم لقصيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.