لجنة الذرائعية للنشر
الشعر المعاصر :
• الشعر الوسيط :
الشعر الحر هو تأثير غربي دخل الأدب العربي بدافع إذلال قصيدة القريض و محوها من ذهن الإنسان العربي، وذاك محال، حيث جاء الردّ عكسيًّا من شعرائنا حين نحتوا منه الشعر ( الوسيط ) بموسيقى خليليّة وتعبير غربي مليء بالانزياح نحو الخيال والرمز، فكان لونًا حداثيًّا جميلًا انبثق من سيّدته قصيدة القريض بشكل
جميل ومبهر، وحلقة وصل بين القريض والحر المستورد, وتلك حركة عبقرية نابعة من الانزلاق الحيادي للرفض المجتمعي لساكني ذلك الزمن الجميل (منتصف القرن العشرين), الذي يتمسّك بالموروث ولا يرضى بديلًا عنه، ومن هؤلاء الشعراء بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، فكانوا عندها مختبئين تحت جلباب الحذر والخجل من أنّهم أدخلوا شيئًا غريبًا للخيمة
العربية المترعة بشموخ الفراهيدي، لذلك جاءت أوزان قصائدهم (وسيطة) تميل كثيرًا نحو الأوزان الخليلية بتحفّظ شديد من تطبيق الحريّة الكاملة و الاتجاه المستعجل نحو التفعيلة بشكل كامل, كما هو الحال عند عبد الوهاب البيّاتي وشعراء الحداثة وغيرهم الكثير, و قدّم هذا النوع الوسيط فائدة كبيرة للشاعر العربي, ولم يكن بمنافسٍ للشعر القريض بل خضع له و صار فرعًا مهمًّا منه، يقع بين شعر الحر المموسق بتفعيلة و القريض المقفّى، وكان وجوده مع الشعر القريض مساندة قوية ومحطّة فائدة، زوّدته بمضامين القصيدة الحرّة بشكل تبادلي...
لقد ساهم الشعر الوسيط بتقريب الحريّة للشعر، التي استفاد القريض منها عند ملاحقة الشعر الحر للمعنى، حتى صارت ملاحقة القريض للمعنى بدرجة ملاحقته للموسيقى الخليليّة وأكثر، وربما بشكل متوازٍ مع طريق موجة الشعر الوسيط السيّابي، الذي يجمع بين موسيقى التفعيلة والمضامين المتعددة، و بخروجه عن الأغراض الشعريّة السلبيّة من مدح وهجاء وذم، وكسب مفهومًا ذرائعيًّا حين دخل المذاهب والمدارس الأدبية، أمّا القريض فقد حاز على تطوّر ملحوظ بخروجه عن الأغراض وقبوله الانزياحات, كالانزياح نحو الرمز والخيال, فازداد عمقًا حين بدأ بهجر المباشرة التكوينيّة، مع تمسّكه بالوزن والقافية، أمّا الفائدة التبادليّة ذات الأهميّة التي حصل عليها الشعر الحر الوسيط من القريض, فهي الموسيقى التفعيلية المقترنة بالموسيقى الداخلية، التي أعطت الشعر الحرّ تناغمًا ولحنًا جميلًا متتابعًا وخاتمًا للجملة الشعريّة الحرّة…
• الشعر الحر شعر التفعيلة:
وأمّا مبعث الحريّة في الشعر الحر فيتأتّى من إسفين الموسيقى الحديديّ الذي دُقّ بين الشعر عمومًا والنثر، فانحسار الموسيقى من الشعر يجعله نثرًا والعكس صحيح، أمّا الحريّة في قصيدة الحر التفعيلة فتنبع من تحرّرها من الأوزان
الخليليّة الستّة عشر، وجعلها حرّة في تنغيم التفعيلة المتتالية في نهاية الجمل, والمتغيّرة باستمرار طبقًا لملاحقة المعنى بضمان التفعيلة المستمرة، ولذلك وقع في الخطأ الكثيرون ممن أعطَوا شعرَ التفعيلة الحر أوزانًا ثابتة, أي أنّهم ساهموا في إعادته من جديد لقيود الوزن والقافية بعد تحرّره منها.
ومن جهة أخرى، فإنّ الحريّة في قصيدة النثر تكمن في التحررّ الكامل من موسيقى النهايات، و كليًّا من التنغيم المتتالي في نهايات جملها, وتكتفي بالموسيقى الداخلية المختبئة بين سطورها وتحتها, وليس في احتلال النهايات بشكل ظاهري، وأعجب أنا من بعض الباحثين الذين أخرجوها من الشعر الحر وأعطوها استقلالية وكأنّها مريض بداء معدي وعزلوه عن أخوته، ولا أعلم على سند علمي أسند هذا العزل والإبعاد، هي شعر حرّ مموسق خالٍ من التفعيلة، أي أنّها لا تفتقد الشعرية حتى تعزل، وهي تتبع حالة الشعر الحر التفعيلة الذي هو شعر مموسق فاقدٌ للقافية....
إنّ الفوائد التبادليّة تلك، منحت الحريّة الواسعة للشاعر بالتنويع الفكري والفني والجمالي والتكنيكي ما كان يمتلكها من قبل، وجعلت من الشاعر العربي شاملًا وموسوعيًّا و مستوعبًا لكثير من العوامل التي دخلت عليه من باب كان موصدًا, وفتحته الحداثة الإيجابية بشكل فجائي واسع، فجعلت من شاعرنا العربي اليوم يقف بشموخ وكبرياء بين شعراء اللغات الأخرى، وهو يجيد جميع العناصر المكوّنة للنص التي بثّتها المدارس الأجنبية شكلًا ومضمونًا، بذلك أصبح الشاعر يفكّر بالتّجنيس الدقيق وبشروط النصّ وحداثته، وبنائه الفني والجمالي، ويفرّق بين الطوارئ الداخلة على النصّ العربي والانزياح نحو الخيال والرمز, والمدخولات على دواخل النصّ الداخلية من القشرة الأولى حتى أعمق أعماق النص…
• الشعر الحر قصيدة النثر: نأتي عليها بمقالة تالية بإذن الله
من كتابنا ( دور الذرائعية في إعادة السيادة للأجناس الأدبية ) لمؤلفه الأستاذ عبد الرزاق عوده الغالبي
د.عبير خالد يحيي
الشعر المعاصر :
• الشعر الوسيط :
الشعر الحر هو تأثير غربي دخل الأدب العربي بدافع إذلال قصيدة القريض و محوها من ذهن الإنسان العربي، وذاك محال، حيث جاء الردّ عكسيًّا من شعرائنا حين نحتوا منه الشعر ( الوسيط ) بموسيقى خليليّة وتعبير غربي مليء بالانزياح نحو الخيال والرمز، فكان لونًا حداثيًّا جميلًا انبثق من سيّدته قصيدة القريض بشكل
جميل ومبهر، وحلقة وصل بين القريض والحر المستورد, وتلك حركة عبقرية نابعة من الانزلاق الحيادي للرفض المجتمعي لساكني ذلك الزمن الجميل (منتصف القرن العشرين), الذي يتمسّك بالموروث ولا يرضى بديلًا عنه، ومن هؤلاء الشعراء بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، فكانوا عندها مختبئين تحت جلباب الحذر والخجل من أنّهم أدخلوا شيئًا غريبًا للخيمة
العربية المترعة بشموخ الفراهيدي، لذلك جاءت أوزان قصائدهم (وسيطة) تميل كثيرًا نحو الأوزان الخليلية بتحفّظ شديد من تطبيق الحريّة الكاملة و الاتجاه المستعجل نحو التفعيلة بشكل كامل, كما هو الحال عند عبد الوهاب البيّاتي وشعراء الحداثة وغيرهم الكثير, و قدّم هذا النوع الوسيط فائدة كبيرة للشاعر العربي, ولم يكن بمنافسٍ للشعر القريض بل خضع له و صار فرعًا مهمًّا منه، يقع بين شعر الحر المموسق بتفعيلة و القريض المقفّى، وكان وجوده مع الشعر القريض مساندة قوية ومحطّة فائدة، زوّدته بمضامين القصيدة الحرّة بشكل تبادلي...
لقد ساهم الشعر الوسيط بتقريب الحريّة للشعر، التي استفاد القريض منها عند ملاحقة الشعر الحر للمعنى، حتى صارت ملاحقة القريض للمعنى بدرجة ملاحقته للموسيقى الخليليّة وأكثر، وربما بشكل متوازٍ مع طريق موجة الشعر الوسيط السيّابي، الذي يجمع بين موسيقى التفعيلة والمضامين المتعددة، و بخروجه عن الأغراض الشعريّة السلبيّة من مدح وهجاء وذم، وكسب مفهومًا ذرائعيًّا حين دخل المذاهب والمدارس الأدبية، أمّا القريض فقد حاز على تطوّر ملحوظ بخروجه عن الأغراض وقبوله الانزياحات, كالانزياح نحو الرمز والخيال, فازداد عمقًا حين بدأ بهجر المباشرة التكوينيّة، مع تمسّكه بالوزن والقافية، أمّا الفائدة التبادليّة ذات الأهميّة التي حصل عليها الشعر الحر الوسيط من القريض, فهي الموسيقى التفعيلية المقترنة بالموسيقى الداخلية، التي أعطت الشعر الحرّ تناغمًا ولحنًا جميلًا متتابعًا وخاتمًا للجملة الشعريّة الحرّة…
• الشعر الحر شعر التفعيلة:
وأمّا مبعث الحريّة في الشعر الحر فيتأتّى من إسفين الموسيقى الحديديّ الذي دُقّ بين الشعر عمومًا والنثر، فانحسار الموسيقى من الشعر يجعله نثرًا والعكس صحيح، أمّا الحريّة في قصيدة الحر التفعيلة فتنبع من تحرّرها من الأوزان
الخليليّة الستّة عشر، وجعلها حرّة في تنغيم التفعيلة المتتالية في نهاية الجمل, والمتغيّرة باستمرار طبقًا لملاحقة المعنى بضمان التفعيلة المستمرة، ولذلك وقع في الخطأ الكثيرون ممن أعطَوا شعرَ التفعيلة الحر أوزانًا ثابتة, أي أنّهم ساهموا في إعادته من جديد لقيود الوزن والقافية بعد تحرّره منها.
ومن جهة أخرى، فإنّ الحريّة في قصيدة النثر تكمن في التحررّ الكامل من موسيقى النهايات، و كليًّا من التنغيم المتتالي في نهايات جملها, وتكتفي بالموسيقى الداخلية المختبئة بين سطورها وتحتها, وليس في احتلال النهايات بشكل ظاهري، وأعجب أنا من بعض الباحثين الذين أخرجوها من الشعر الحر وأعطوها استقلالية وكأنّها مريض بداء معدي وعزلوه عن أخوته، ولا أعلم على سند علمي أسند هذا العزل والإبعاد، هي شعر حرّ مموسق خالٍ من التفعيلة، أي أنّها لا تفتقد الشعرية حتى تعزل، وهي تتبع حالة الشعر الحر التفعيلة الذي هو شعر مموسق فاقدٌ للقافية....
إنّ الفوائد التبادليّة تلك، منحت الحريّة الواسعة للشاعر بالتنويع الفكري والفني والجمالي والتكنيكي ما كان يمتلكها من قبل، وجعلت من الشاعر العربي شاملًا وموسوعيًّا و مستوعبًا لكثير من العوامل التي دخلت عليه من باب كان موصدًا, وفتحته الحداثة الإيجابية بشكل فجائي واسع، فجعلت من شاعرنا العربي اليوم يقف بشموخ وكبرياء بين شعراء اللغات الأخرى، وهو يجيد جميع العناصر المكوّنة للنص التي بثّتها المدارس الأجنبية شكلًا ومضمونًا، بذلك أصبح الشاعر يفكّر بالتّجنيس الدقيق وبشروط النصّ وحداثته، وبنائه الفني والجمالي، ويفرّق بين الطوارئ الداخلة على النصّ العربي والانزياح نحو الخيال والرمز, والمدخولات على دواخل النصّ الداخلية من القشرة الأولى حتى أعمق أعماق النص…
• الشعر الحر قصيدة النثر: نأتي عليها بمقالة تالية بإذن الله
من كتابنا ( دور الذرائعية في إعادة السيادة للأجناس الأدبية ) لمؤلفه الأستاذ عبد الرزاق عوده الغالبي
د.عبير خالد يحيي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.