وعدَ زوجته بهدية لم ترَ مثلها من قبل, في عيد زواجهما غدًا, فتهيأت الزوجة, بأبهى أثوابها, و تجملت بصالون تجميل قريب, و حملت الزهور, و اتصلت بمطعمٍ يتميز بمأكولاته الشهية, و طلبت قائمة مميزة من الأطباق التي يحبها الزوج..
كان كل شيءٍ على مايُرام..
الشموع موقدة ..
و المائدة عامرة بنا لذَّ, و طاب ..
الأطفال يبيتون الليلة لدى جدتهم لِأمهم ..
الموسيقى الهادئة, تغمر جنبات المنزل بدفءٍ إضافي محبب للنفس..
و لكن الزوج قد تأخر للغاية, فقد تجاوزت الساعة الثانية عشرة و النصف ..
هاتفتْهُ مِرارًا.. و لكن الهاتف مغلق..
ساورها القلق.. فراحتْ تتنقل مابين النوافذ, و الشرفات, عسى أن تلمح سيارته قادمة من بعيد ..
الهاتف الأرضي, قد علا رنينه, لعله متصل يعلم عن الزوج شيئًا ..
ردتْ في فزع:
ــ منْ ؟!
صوتٌ أجش, قد ملأها رعبًا:
ــ اذهبي إلى أمكِ فورًا.. طفلكِ الأصغر مريض للغاية !
أغلقتْ الهاتف دون تعقيب..
و أسرعتْ إلى هاتفها المحمول, كي تتصل بأمها..
لا أحد يرد ..
فهمست مرتعبة:
ــ ماذا لو كان المتصل صادقًا !
ولكن سرعان ما تذكَّرتْ بأن أمها من ذوات النوم الثقيل, حيث لايستطيع أحد أن يوقظها حال نومها !
فأردفتْ في هلع:
ــ تبًا لي.. كيف أترك أطفالي الثلاثة لدى أمى, و أنا أعرف أنها لن تستفق لو بكى أحدهم ليلًا ؟!!!!
سُحقًا لهذه المربية اللعينة.. لماذا تركتني الليلة أتحمل مسؤولية الأشقياء الثلاثة ؟!
ثم هدرتْ متوعدة:
ــ سوف أطردها, و لن أعطيها راتبها لهذا الشهر !!!
هرعت نحو خزانة ملابسها, و التقطت حقيبة اليد, حيث تحتفظ بنسخةٍ أخرى من مفتاح شقة أمها.. و هى تقول بصوتٍ خافت:
ــ لا بُد أن أستطلع الأمر !
ارتدت ملابسها بسرعةٍ فائقة.. و عندما مرتْ بالمائدة, ألقتْ عليها نظرةٍ خالية ..
وقالت:
ــ لِيَعُد زوجي متى يريد..
..
قادتْ الزوجة سيارتها, و هى مازالت تفكر, في أمر تلك الهدية التي وعدها بها زوجها صباحًا !
في يوم عيد زواجهما السالف, قد أحضر لها زوجها خاتم ثمين..
و في يوم عيد زواجهما قبل الفائت؛ قد جلب لها هذه السيارة, التي باتت في نظرها "موديل قديم", و كم ألحتْ عليه في تغييرها بسيارة أخرى "موديل العام الجديد"..
و لكن الزوج كان يمر بضائقة مادية عابرة, جعلته يرجوها أن تتنازل عن ذلك المطلب حتى تتيسر أموره, و تدور عجلة أعماله بقوة ثانيةً..
فتنازلت الزوجة على مضض ..
حدَّثتْ الزوجة نفسها قائلة:
ــ لعله سيفاجئني بالسيارة الأحدث لهذا العام ..
فهو لايستطيع أن يرفض لي طلبًا ..
داعبتْ خصلات شعرها المتطايرة فوق جبينها, وهى تتأمل وجهها بمرآة السيارة, و هى تقول في زهوٍ:
ــ يا لِإطلالتي الساحرة !!!
أين كان سيجد زوجةً مثلي ؟!
لذا؛ لا بُد أن يظل يدفع ثمن حظوه بي !
تذكرتْ أباها الموظف الذي ظل يصطلي بنار الروتين, و اللوائح الحكومية, و الذي ظلَّ حتى إحالته للمعاش, قبل رحيله؛ ينتظر العلاوات, و الحوافز, وغيرها..
تلك التي لاتتجاوز الجنيهات المعدودة..
و تذكرتْ كذلك, تطلُّعها لمستوى بعض زميلاتها بالمدرسة, و بالجامعة, من بنات الأُسر الميسورة نوعًا ما !
شريط ذكرياتها يجري أمام عينيها بسرعةٍ خاطفة, إلى أن مثُل أمامها وجه "فريد",
الذي رآها بحفل ميلاد إحدى قريباته.. فأغراه جمالها, و بساطتها إلى الاقتراب من شخصها, حتى اختارها شريكة حياته..
اعتزم في قرارة نفسه أن يجعلها ملكة متوجة, طلباتها مُجابة.. حتى أن ثراءها, قد طال بيت أهلها.. فذاقوا رافه العيش على إثر زواج ابنتهم من ذلك الرجل السخي !
تأففتْ من بكاء طفلها الأول ليلًا, فاستقدم لها مُربية تلو الأخرى..
كانت تصرخ عليهن, و تتزمر منهن رغم طاعتهن العمياء لها, و رُغم وفائهن لها, و لأسرتها ..
كلما تعالتْ صيحاتها, و كلما استشعرتْ ذُلهنَ أمامها, كلما امتلأت بالرِّضى..
منهُنَ منْ تحملت منها مالاتطيقه النفس, و ما تأباه الكرامة !
فزادتْ من الضغط عليهن بوابل الإهانات حتى فررن بما تبقى لديهن من ماء الوجه !
فيماعدا المُربية الأخيرة.. الشابة بمنتصف العِقد الثالث.. متوسطة الجمال.. حاصلة على شهادة معهد المحاسبة المتوسط ..
خبا شبيب صدر الزوجة, عندما استبان لها ذلك الفارق الشاسع بين درجتي الجمال الظاهري بينها و بين المُربية التي تصغرها بثماني أعوام على أقل تقدير !
فأوكلتْ لها أمر تربية الأطفال الذين جاءوا إلى الدنيا في غضون ستة أعوام..
فهاهو الطفل الأول وهو ابن ستة أعوام.. و الثاني بالرابعة.. أما الطفل الثالث, فهو بالثانية من عمره ..
خشيت الزوجة على قوامها المتناسق من إرضاع الأطفال, فكان غذاؤهم, اللبن الصناعي, و معلبات الفاكهة المحفوظة ..
تسمع بكاء أحدهم بجوف الليل؛ فلا تنهض من فراشها, كي تطمئن عليهم..
و عندما يسألها الزوج مستنكرًا:
ــ أمَا سمعتِ بكاء الولد ؟!
فتقول في لامبالاة:
ــ وماجدوى وجود مُربية بحجرتهم ؟!
هل جلبناها؛ كي أقوم أنا بمهمتها ؟!
فيصمت الزوج, حتى كان يوم أمس, عندما طرقتْ المربية الشابة حجرة نوم الزوجين بساعةٍ متأخرة, وهى فزعة.. تقول:
ــ أعتذر.. ولكن الطفل الصغير حرارته مرتفعة.. ولا بُد من إحضار الطبيب !
صرختْ الزوجة بوجهها, مكتفية بقولها:
ــ تصرَّفي !!!
ثم أغلقت باب حجرة النوم بقوة ..
و الزوج يحملق بالسقف, و يزفر في صمت.. ثم قال لزوجته:
ــ غدًا عيد زواجنا السابع..
فتهللت أسايريرها, و كأن شيئًا لم يكن.. و ابتسمتْ قائلة:
ــ وماذا ستحضر من أجلي ؟!
قال الزوج و هو يحدق في وجهها:
ــ سأجلبُ لكِ هدية؛ لا أظنُ أن هناك زوج قد أتى بها زوجته يوم ذكرى زواجهما !!
انتفض قلبها طربًا.. و تراءت لها صورة السيارة الأمريكية الحديثة, التي تتطلع إلى اقتنائها كافة الرفيقات بالنادي العائلي الشهير !!!
ثم نهضَ, و لم يعد إلى غرفته حتى أشرق النهار !
بينما غفتْ عيناها, وهى تحلم بالسيارة المنشودة ..
وعندما استفاقتْ الزوجة الحسناء, إذ رأت الزوج يجلس فوق كرسي متأرجح, و كأنها أهمهُ أمرًا ما.. فسألته في غير اهتمام:
ــ أما نمتَ منذ صحوت ؟!
أجابها ضاحكًا:
ــ و كيف أنام, و أنا أرتب لهديتكِ الكبرى ؟!
شهقتْ, و قالت في لهفة:
ــ و أنا سأتهيأ لتلقي هديتك الليلة كما لم تتهيأ عروس ليلة عُرسها !
أومأ موافقًا .. ثم تأهب للذهاب إلى عمله, على وعدٍ بالعودة مساءً ..
أسرعتْ بسؤاله, مفتعلة الاهتمام:
ــ ولكن.. ماذا عن "شادي" ؟!
ـــ لقد أحضرتُ له الطبيب, وبقيتُ إلى جواره, حتى نام قبل قليل..
ــ و "شروق" ؟!
تقصد المُربية ..
فقال الزوج, ملتمسًا العذر للفتاة:
ــ لقد نال منها التعب, فاستئذنت في إجازة اليوم..
ثم استطرد الزوج قائلًا:
ــ ستعود غدًا !
*
وصلت الزوجة, إلى حيث شقة أمها, و أدارت المفتاح بالباب, فإذ بطفلها الأصغر "شادي" يبكي بصوتٍ مبحوح.. يبدو أنه بكى كثيرا..
و أخوية نائمان في هدوء.. رغم ما اعترى أخيهم الصغير !
أما الجدة "أمها"؛ فقد نامتْ كأهل الكهف.. جثة هامدة.. إلا من شخير متقطع ..
حملت الزوجة أطفالها واحدًا وراء الأخر حتى السيارة.. ثم قفلت عائدة إلى بيتها..
لا أثر لسيارة الزوج بالحديقة.. ولكن ثمة ضوءٍ خافت يضيء الطابق الأعلى..
طمأنت نفسها هامسة:
ــ إنها الشموع التي أوقَدتُّها بنفسي قبل أن أذهب..
دلفت, بعد أن أيقظت الطفلين الأكبر و الأوسط.. فسارا معها بينما تحمل الطفل الصغير ..
أرقدت الأطفال بمخادعهم.. ثم همتْ بتبديل ملابسها.. و لكن ثمة زرٌ قد أضاء بنهاية الردهة..
هروات نحو حقيبتها.. و التقطتْ هاتفها.. و عاودت الاتصال بالزوج.. ولكن هاتفه مازال "خارج التغطية" ..
ألقت بالهاتف فوق الفراش.. ثم تسللتْ عبر الردهة المفضية إلى المائدة, فإذ ببهو الفيلا مضاءٌ, و كأنما أحدهم ينتظرها هناك !!!
تلفتتْ في رهبةٍ, و لكن لا أثر لمخلوقٍ بالمكان !
ولكنها لمحتْ صندوقًا أنيقًا يتوسط الأطباق الشهية فوق المائدة !!!
انفرجتْ شفتاها عن ابتسامةٍ واسعة.. و قالت في سعادة:
ــ يالك من رقيق يا " أمير " !!!
لا بُد أن مفتاح السيارة داخل ذلك الصندوق !
لم تُطِق صبرًا.. فضَّتْ رباطه الأحمر الأنيق ..
فثمة رسالة ..
زفرتْ في ضيق.. قائلة:
ـــ رسالة ؟! يا لرومانسيتك المستفزة !!!
ماذا سأفيدُ بكلمات الحب الرنانة الآن ؟!
بدأت بقراءة الورقة المطوية ..
ولكن سرعان ماحملقتْ في ذعرٍ, بأنفاس محتبسة !
و إذ بصوته يأتيها من خلفها:
ــ نعم .. كما قرأتِ تمامًا يا جميلتي ..
أنْــ تِ .. طَـــ ااااا لِــــ قْ !
استدارت كالمُخدرة, لتجده يقول مبتسمًا:
ــ و الآن.. سأخلد إلى النوم ..
دلف في هدوءٍ إلى غرفة النوم, و أغلق الباب بهدوءٍ كذلك خلفه..
تقدمتْ متجمدة الدماء.. و ما أن دفعت الباب, حتى وجدتْ "شروق" تقف أمامها بثوب عُرسٍ أنيق..
أغشى على الزوجة.. و لما فتحت عينيها, طالعها وجه زوجها.. قائلًا:
ــ من ترعى أبنائي؛ تمتلك قلبي !
و منْ لاتراني سوى مصرفًا وحسب, فلتغادر حياتي على الفور, و إلا ....
عائدة هى إلى نقطة الصفر..
إلى تلك الحياة التي كم بغضتها, و تمردت عليها ..
بينما تعبر الحديقة صوب سيارتها, إذ سمعته يقول من خلال الشرفة:
ــ السيارة ليست لكِ..
فلتذهبي سيرًا.. كما كنتِ قبل أن تلتقيني !
تركت وراءها أطفالها؛ لا لشيء إلا لأنها لاتدري كيف تُعد طعامهم, و لا تنظفهم, ولا حتى كيف تعانقهم, تلاعبهم, و تقصُ عليهم الحكايات, و الحواديت !
لا تعرف كيف تطببهم.. أو تسهر من أجل راحتهم !
لا تعرف سوى ذاتها و حسب !
من عاش لذاته؛ عاش وحيدًا .. لو تعلمون ..
ــــــــــــــــ
أسماء الصياد
كان كل شيءٍ على مايُرام..
الشموع موقدة ..
و المائدة عامرة بنا لذَّ, و طاب ..
الأطفال يبيتون الليلة لدى جدتهم لِأمهم ..
الموسيقى الهادئة, تغمر جنبات المنزل بدفءٍ إضافي محبب للنفس..
و لكن الزوج قد تأخر للغاية, فقد تجاوزت الساعة الثانية عشرة و النصف ..
هاتفتْهُ مِرارًا.. و لكن الهاتف مغلق..
ساورها القلق.. فراحتْ تتنقل مابين النوافذ, و الشرفات, عسى أن تلمح سيارته قادمة من بعيد ..
الهاتف الأرضي, قد علا رنينه, لعله متصل يعلم عن الزوج شيئًا ..
ردتْ في فزع:
ــ منْ ؟!
صوتٌ أجش, قد ملأها رعبًا:
ــ اذهبي إلى أمكِ فورًا.. طفلكِ الأصغر مريض للغاية !
أغلقتْ الهاتف دون تعقيب..
و أسرعتْ إلى هاتفها المحمول, كي تتصل بأمها..
لا أحد يرد ..
فهمست مرتعبة:
ــ ماذا لو كان المتصل صادقًا !
ولكن سرعان ما تذكَّرتْ بأن أمها من ذوات النوم الثقيل, حيث لايستطيع أحد أن يوقظها حال نومها !
فأردفتْ في هلع:
ــ تبًا لي.. كيف أترك أطفالي الثلاثة لدى أمى, و أنا أعرف أنها لن تستفق لو بكى أحدهم ليلًا ؟!!!!
سُحقًا لهذه المربية اللعينة.. لماذا تركتني الليلة أتحمل مسؤولية الأشقياء الثلاثة ؟!
ثم هدرتْ متوعدة:
ــ سوف أطردها, و لن أعطيها راتبها لهذا الشهر !!!
هرعت نحو خزانة ملابسها, و التقطت حقيبة اليد, حيث تحتفظ بنسخةٍ أخرى من مفتاح شقة أمها.. و هى تقول بصوتٍ خافت:
ــ لا بُد أن أستطلع الأمر !
ارتدت ملابسها بسرعةٍ فائقة.. و عندما مرتْ بالمائدة, ألقتْ عليها نظرةٍ خالية ..
وقالت:
ــ لِيَعُد زوجي متى يريد..
..
قادتْ الزوجة سيارتها, و هى مازالت تفكر, في أمر تلك الهدية التي وعدها بها زوجها صباحًا !
في يوم عيد زواجهما السالف, قد أحضر لها زوجها خاتم ثمين..
و في يوم عيد زواجهما قبل الفائت؛ قد جلب لها هذه السيارة, التي باتت في نظرها "موديل قديم", و كم ألحتْ عليه في تغييرها بسيارة أخرى "موديل العام الجديد"..
و لكن الزوج كان يمر بضائقة مادية عابرة, جعلته يرجوها أن تتنازل عن ذلك المطلب حتى تتيسر أموره, و تدور عجلة أعماله بقوة ثانيةً..
فتنازلت الزوجة على مضض ..
حدَّثتْ الزوجة نفسها قائلة:
ــ لعله سيفاجئني بالسيارة الأحدث لهذا العام ..
فهو لايستطيع أن يرفض لي طلبًا ..
داعبتْ خصلات شعرها المتطايرة فوق جبينها, وهى تتأمل وجهها بمرآة السيارة, و هى تقول في زهوٍ:
ــ يا لِإطلالتي الساحرة !!!
أين كان سيجد زوجةً مثلي ؟!
لذا؛ لا بُد أن يظل يدفع ثمن حظوه بي !
تذكرتْ أباها الموظف الذي ظل يصطلي بنار الروتين, و اللوائح الحكومية, و الذي ظلَّ حتى إحالته للمعاش, قبل رحيله؛ ينتظر العلاوات, و الحوافز, وغيرها..
تلك التي لاتتجاوز الجنيهات المعدودة..
و تذكرتْ كذلك, تطلُّعها لمستوى بعض زميلاتها بالمدرسة, و بالجامعة, من بنات الأُسر الميسورة نوعًا ما !
شريط ذكرياتها يجري أمام عينيها بسرعةٍ خاطفة, إلى أن مثُل أمامها وجه "فريد",
الذي رآها بحفل ميلاد إحدى قريباته.. فأغراه جمالها, و بساطتها إلى الاقتراب من شخصها, حتى اختارها شريكة حياته..
اعتزم في قرارة نفسه أن يجعلها ملكة متوجة, طلباتها مُجابة.. حتى أن ثراءها, قد طال بيت أهلها.. فذاقوا رافه العيش على إثر زواج ابنتهم من ذلك الرجل السخي !
تأففتْ من بكاء طفلها الأول ليلًا, فاستقدم لها مُربية تلو الأخرى..
كانت تصرخ عليهن, و تتزمر منهن رغم طاعتهن العمياء لها, و رُغم وفائهن لها, و لأسرتها ..
كلما تعالتْ صيحاتها, و كلما استشعرتْ ذُلهنَ أمامها, كلما امتلأت بالرِّضى..
منهُنَ منْ تحملت منها مالاتطيقه النفس, و ما تأباه الكرامة !
فزادتْ من الضغط عليهن بوابل الإهانات حتى فررن بما تبقى لديهن من ماء الوجه !
فيماعدا المُربية الأخيرة.. الشابة بمنتصف العِقد الثالث.. متوسطة الجمال.. حاصلة على شهادة معهد المحاسبة المتوسط ..
خبا شبيب صدر الزوجة, عندما استبان لها ذلك الفارق الشاسع بين درجتي الجمال الظاهري بينها و بين المُربية التي تصغرها بثماني أعوام على أقل تقدير !
فأوكلتْ لها أمر تربية الأطفال الذين جاءوا إلى الدنيا في غضون ستة أعوام..
فهاهو الطفل الأول وهو ابن ستة أعوام.. و الثاني بالرابعة.. أما الطفل الثالث, فهو بالثانية من عمره ..
خشيت الزوجة على قوامها المتناسق من إرضاع الأطفال, فكان غذاؤهم, اللبن الصناعي, و معلبات الفاكهة المحفوظة ..
تسمع بكاء أحدهم بجوف الليل؛ فلا تنهض من فراشها, كي تطمئن عليهم..
و عندما يسألها الزوج مستنكرًا:
ــ أمَا سمعتِ بكاء الولد ؟!
فتقول في لامبالاة:
ــ وماجدوى وجود مُربية بحجرتهم ؟!
هل جلبناها؛ كي أقوم أنا بمهمتها ؟!
فيصمت الزوج, حتى كان يوم أمس, عندما طرقتْ المربية الشابة حجرة نوم الزوجين بساعةٍ متأخرة, وهى فزعة.. تقول:
ــ أعتذر.. ولكن الطفل الصغير حرارته مرتفعة.. ولا بُد من إحضار الطبيب !
صرختْ الزوجة بوجهها, مكتفية بقولها:
ــ تصرَّفي !!!
ثم أغلقت باب حجرة النوم بقوة ..
و الزوج يحملق بالسقف, و يزفر في صمت.. ثم قال لزوجته:
ــ غدًا عيد زواجنا السابع..
فتهللت أسايريرها, و كأن شيئًا لم يكن.. و ابتسمتْ قائلة:
ــ وماذا ستحضر من أجلي ؟!
قال الزوج و هو يحدق في وجهها:
ــ سأجلبُ لكِ هدية؛ لا أظنُ أن هناك زوج قد أتى بها زوجته يوم ذكرى زواجهما !!
انتفض قلبها طربًا.. و تراءت لها صورة السيارة الأمريكية الحديثة, التي تتطلع إلى اقتنائها كافة الرفيقات بالنادي العائلي الشهير !!!
ثم نهضَ, و لم يعد إلى غرفته حتى أشرق النهار !
بينما غفتْ عيناها, وهى تحلم بالسيارة المنشودة ..
وعندما استفاقتْ الزوجة الحسناء, إذ رأت الزوج يجلس فوق كرسي متأرجح, و كأنها أهمهُ أمرًا ما.. فسألته في غير اهتمام:
ــ أما نمتَ منذ صحوت ؟!
أجابها ضاحكًا:
ــ و كيف أنام, و أنا أرتب لهديتكِ الكبرى ؟!
شهقتْ, و قالت في لهفة:
ــ و أنا سأتهيأ لتلقي هديتك الليلة كما لم تتهيأ عروس ليلة عُرسها !
أومأ موافقًا .. ثم تأهب للذهاب إلى عمله, على وعدٍ بالعودة مساءً ..
أسرعتْ بسؤاله, مفتعلة الاهتمام:
ــ ولكن.. ماذا عن "شادي" ؟!
ـــ لقد أحضرتُ له الطبيب, وبقيتُ إلى جواره, حتى نام قبل قليل..
ــ و "شروق" ؟!
تقصد المُربية ..
فقال الزوج, ملتمسًا العذر للفتاة:
ــ لقد نال منها التعب, فاستئذنت في إجازة اليوم..
ثم استطرد الزوج قائلًا:
ــ ستعود غدًا !
*
وصلت الزوجة, إلى حيث شقة أمها, و أدارت المفتاح بالباب, فإذ بطفلها الأصغر "شادي" يبكي بصوتٍ مبحوح.. يبدو أنه بكى كثيرا..
و أخوية نائمان في هدوء.. رغم ما اعترى أخيهم الصغير !
أما الجدة "أمها"؛ فقد نامتْ كأهل الكهف.. جثة هامدة.. إلا من شخير متقطع ..
حملت الزوجة أطفالها واحدًا وراء الأخر حتى السيارة.. ثم قفلت عائدة إلى بيتها..
لا أثر لسيارة الزوج بالحديقة.. ولكن ثمة ضوءٍ خافت يضيء الطابق الأعلى..
طمأنت نفسها هامسة:
ــ إنها الشموع التي أوقَدتُّها بنفسي قبل أن أذهب..
دلفت, بعد أن أيقظت الطفلين الأكبر و الأوسط.. فسارا معها بينما تحمل الطفل الصغير ..
أرقدت الأطفال بمخادعهم.. ثم همتْ بتبديل ملابسها.. و لكن ثمة زرٌ قد أضاء بنهاية الردهة..
هروات نحو حقيبتها.. و التقطتْ هاتفها.. و عاودت الاتصال بالزوج.. ولكن هاتفه مازال "خارج التغطية" ..
ألقت بالهاتف فوق الفراش.. ثم تسللتْ عبر الردهة المفضية إلى المائدة, فإذ ببهو الفيلا مضاءٌ, و كأنما أحدهم ينتظرها هناك !!!
تلفتتْ في رهبةٍ, و لكن لا أثر لمخلوقٍ بالمكان !
ولكنها لمحتْ صندوقًا أنيقًا يتوسط الأطباق الشهية فوق المائدة !!!
انفرجتْ شفتاها عن ابتسامةٍ واسعة.. و قالت في سعادة:
ــ يالك من رقيق يا " أمير " !!!
لا بُد أن مفتاح السيارة داخل ذلك الصندوق !
لم تُطِق صبرًا.. فضَّتْ رباطه الأحمر الأنيق ..
فثمة رسالة ..
زفرتْ في ضيق.. قائلة:
ـــ رسالة ؟! يا لرومانسيتك المستفزة !!!
ماذا سأفيدُ بكلمات الحب الرنانة الآن ؟!
بدأت بقراءة الورقة المطوية ..
ولكن سرعان ماحملقتْ في ذعرٍ, بأنفاس محتبسة !
و إذ بصوته يأتيها من خلفها:
ــ نعم .. كما قرأتِ تمامًا يا جميلتي ..
أنْــ تِ .. طَـــ ااااا لِــــ قْ !
استدارت كالمُخدرة, لتجده يقول مبتسمًا:
ــ و الآن.. سأخلد إلى النوم ..
دلف في هدوءٍ إلى غرفة النوم, و أغلق الباب بهدوءٍ كذلك خلفه..
تقدمتْ متجمدة الدماء.. و ما أن دفعت الباب, حتى وجدتْ "شروق" تقف أمامها بثوب عُرسٍ أنيق..
أغشى على الزوجة.. و لما فتحت عينيها, طالعها وجه زوجها.. قائلًا:
ــ من ترعى أبنائي؛ تمتلك قلبي !
و منْ لاتراني سوى مصرفًا وحسب, فلتغادر حياتي على الفور, و إلا ....
عائدة هى إلى نقطة الصفر..
إلى تلك الحياة التي كم بغضتها, و تمردت عليها ..
بينما تعبر الحديقة صوب سيارتها, إذ سمعته يقول من خلال الشرفة:
ــ السيارة ليست لكِ..
فلتذهبي سيرًا.. كما كنتِ قبل أن تلتقيني !
تركت وراءها أطفالها؛ لا لشيء إلا لأنها لاتدري كيف تُعد طعامهم, و لا تنظفهم, ولا حتى كيف تعانقهم, تلاعبهم, و تقصُ عليهم الحكايات, و الحواديت !
لا تعرف كيف تطببهم.. أو تسهر من أجل راحتهم !
لا تعرف سوى ذاتها و حسب !
من عاش لذاته؛ عاش وحيدًا .. لو تعلمون ..
ــــــــــــــــ
أسماء الصياد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.