قَريَةُ الفَراشَاتِ
القصَّةُ الأولى " الفَراشَةُ المَغرورَةُ "
على تلّةٍ صغيرةٍ كانت تقع قرية الفراشات الجميلة، وكان لكلّ فراشة منزلٌ على شكل زهرة من لونِها.
كانت الفراشات تعيش بسلامٍ، وطُمأنينةٍ في تلك القرية، وكانت ملكتهم الفراشة البيضاء الحكيمة، الّتي تلجأ إليها الفراشات عند الضّرورة.
وفي يوم من الأيّام اضطرّت الفراشة الملكة إلى السّفر لقريةٍ أخرى لرؤية فراشةٍ قريبةٍ لها
تعاني من مرضٍ شديدٍ.
استيقظت الفراشات نشيطاتٍ، رفرفن بأجنحتهنّ بسعادة وزهوٍ، وقمن بجمع الرّحيق من زهور القرية الملوّنة.
ثمّ لاحظنَ أنّ الفراشة السّوداء لم تكن معهنّ في جولتهنّ الصّباحيّةِ، فقالتِ الفراشةُ الحمراءُ:
لعلّها بقيت نائمةً، علينا إيقاظها لتناول وجبة الفطور الشّهيّ من هذي الأزهار الشّذيّة.
فردّتِ الفراشةُ البنفسجيّةُ:
أو لعلّ مكروهًا أصابها؟
فقالت على الفور الفراشة الزّرقاءُ:
لنتّجه إلى منزلها، أظنّها مريضةً، لم تقوَ على النّهوضِ.
وهمَّتِ الفراشاتُ النّبيلاتُ بالطَّيرانِ نحوَ منزلها
إلّا الفراشةَ الصَّفراءَ، فقد رفضتْ قائلةً بغرور:
لن أذهبَ معكنّ!
إنّي الفراشةُ الصَّفراءُ الذَّهبيَةُ
وهيَ تلك الفراشةُ السَّوداءُ المُعتِمةُ كالليلِ
إنَّها تشبهُ الوطواطَ القبيحَ!
انزعجتِ الفراشاتُ كلهنَّ من كلامها الجارحِ، وتركنَها وحدَها في تلك المروجِ، فقد كنَّ يعانينَ دومًا من غُرورِها وتكبُّرِها عليهنَّ.
لمَّا وصلتِ الفراشاتُ منزلَ الفراشةِ السَّوداءِ، كانتِ المسكينةُ تُعاني من ارتفاعِ حرارتِها، فقامتِ الفراشةُ البرتقاليَّةُ على الفورِ بِوضعِِ كمَّاداتٍ على جبينِها، ومكثنَ قربَها يسلينَها كي لاتشعرَ بالوحدةِ، ووطأةِ المرضِ.
في تلكَ الأثناءِ، كانتِ الفراشةُ الصَّفراءُ تطيرُ بزَهوٍ وهي تغنِّي بفرحٍ:
أنا الفراشةُ الجميلةْ
أطيرُ مسرورةً
عبر الحقولِ
أرشفُ رحيقَ الزُّهورِ
الكلُّ يُحبُّني
أنا الجميلةُ السَّاحرةُ
يهواني كلُّ مرجٍ
تناديني بلهفةٍ
كلُّ خميلةْ
أنا الأميرةُ
أنا الذَّهبيَّةُ
أنا.. أنا الجمييييييلةْ
وبينما هيَ مسرورةٌ تغنِّي، سمعها الأخوانِ الشَّقيَّانِ أدهم وأيهم فاقتربا بهدوءٍ، وأمسكاها، ووضعاها في كيسٍ شفَّافٍ، ثمَّ علَّقاها على غصنِ شُجيرةٍ صغيرةٍ، وأخذا يضحكانِ عليها، وهي تحاولُ بصعوبةٍ الخروجَ منَ الكيسِ.
بعدَ قليلٍ سمِعا صوتَ أُمِّهما تناديهما لتناول وجبة الغداءِ فقد كانوا في نزهةٍ جميلةٍ بالقربِ من قرية الفراشاتِ الجميلةِ.
أسرعَ المشاكسانِ، وتركا تلك المسكينةَ معلَّقةً على ذلكَ الغصنِ، وقد أنهكها التَّعبُ، لكثرةِ محاولاتِها اختراقَ الكيسِ والخروجَ منهُ.
أنهتِ الفراشاتُ زيارتهنَّ للفراشةِ السَّوداءِ، ولمَّا رأينَها تحسَّنتْ، اقترحنَ عليها القيامَ معهنَّ بجولةٍ عبرَ الحقولِ، علَّها تتنشَّطُ قليلًا، وترشفُ شيئًا يُقيتُها من رحيقِ الزُّهورِ.
وأثناءَ طيرانهنَّ انتبهتْ فجأةً أنَّ هناكَ شيئًا صغيرًا يتخبَّطُ في كيسٍ، فاقتربتْ، وصرختْ مذعورةً:
أسرعنَ ياصديقاتي!
اجتمعتِ الفراشاتُ مذهولاتٍ، وأصابتهنَّ الحيرةُ
كيف ينقذنها، ومن يستشرنَ، فالفراشةُ البيضاءُ الحكيمةُ لم تعدْ بعدُ من زيارتِها؟
وهنَ في حيرتهنَّ قالتِ الفراشةُ السَّوداءُ:
سأذهبُ قليلًا وأعودُ إليكم!
وماهيَ إلَّا لحظاتٌ، وإذْ بها قدْ عادتْ،
ومعَها سنجابٌ صغيرٌ، فابتسمتِ الفراشاتُ منشرحاتٍ لذكائِها.
قامَ السِّنجابُ بقرضِ الكيسِ، وخرجتْ على الفورِ الفراشةُ المغرورةُ، وهيَ بالكادِ تتنفَّسُ، هنَّأتْها الفراشاتُ بالسَّلامةِ، فأدمعتْ عيناها، وهي تشكرهنَّ، ثمَّ تقدَّمتْ منَ الفراشةِ السَّوداءِ، عانقَتْها بِحُبٍّ، وأسفٍ قائلةً:
لقدْ أنقذتِ حياتي، رغمًا أنِّي كنتُ أستحقُّ
الموتَ، فقد رفضتُ زيارَتكِ، وأنتِ مريضةٌ، ثمَّ عاقبَني اللهُ، وكانَ خلاصي على يديكِ
أرجوكِ..سامحيني أُختاهُ!
فرحتِ الفراشاتُ جميعهنَّ، وأمضينَ وقتًا مسلِّيًا وهنَّ يمرحنَ، ثمَّ قرَّرْنَ العودةَ إلى بيوتهنَّ، فالشَّمسُ قاربتْ على المغيبِ، والفراشةُ البيضاءُ الحكيمةُ لاشكَّ عادتْ، وستقلقُ عليهنَّ.
رفرفنَ بمحبَّةٍ، وسكينةٍ، ومضينَ إلى قريتهنَّ الوادعةِ الجميلةِ، وحكَينَ ماجرى معهنَّ من أحداثٍ غريبةٍ في هذا اليومِ لملكتهنَّ الحكيمةِ.
ميّادة مهنَّا سليمان
القصَّةُ الأولى " الفَراشَةُ المَغرورَةُ "
على تلّةٍ صغيرةٍ كانت تقع قرية الفراشات الجميلة، وكان لكلّ فراشة منزلٌ على شكل زهرة من لونِها.
كانت الفراشات تعيش بسلامٍ، وطُمأنينةٍ في تلك القرية، وكانت ملكتهم الفراشة البيضاء الحكيمة، الّتي تلجأ إليها الفراشات عند الضّرورة.
وفي يوم من الأيّام اضطرّت الفراشة الملكة إلى السّفر لقريةٍ أخرى لرؤية فراشةٍ قريبةٍ لها
تعاني من مرضٍ شديدٍ.
استيقظت الفراشات نشيطاتٍ، رفرفن بأجنحتهنّ بسعادة وزهوٍ، وقمن بجمع الرّحيق من زهور القرية الملوّنة.
ثمّ لاحظنَ أنّ الفراشة السّوداء لم تكن معهنّ في جولتهنّ الصّباحيّةِ، فقالتِ الفراشةُ الحمراءُ:
لعلّها بقيت نائمةً، علينا إيقاظها لتناول وجبة الفطور الشّهيّ من هذي الأزهار الشّذيّة.
فردّتِ الفراشةُ البنفسجيّةُ:
أو لعلّ مكروهًا أصابها؟
فقالت على الفور الفراشة الزّرقاءُ:
لنتّجه إلى منزلها، أظنّها مريضةً، لم تقوَ على النّهوضِ.
وهمَّتِ الفراشاتُ النّبيلاتُ بالطَّيرانِ نحوَ منزلها
إلّا الفراشةَ الصَّفراءَ، فقد رفضتْ قائلةً بغرور:
لن أذهبَ معكنّ!
إنّي الفراشةُ الصَّفراءُ الذَّهبيَةُ
وهيَ تلك الفراشةُ السَّوداءُ المُعتِمةُ كالليلِ
إنَّها تشبهُ الوطواطَ القبيحَ!
انزعجتِ الفراشاتُ كلهنَّ من كلامها الجارحِ، وتركنَها وحدَها في تلك المروجِ، فقد كنَّ يعانينَ دومًا من غُرورِها وتكبُّرِها عليهنَّ.
لمَّا وصلتِ الفراشاتُ منزلَ الفراشةِ السَّوداءِ، كانتِ المسكينةُ تُعاني من ارتفاعِ حرارتِها، فقامتِ الفراشةُ البرتقاليَّةُ على الفورِ بِوضعِِ كمَّاداتٍ على جبينِها، ومكثنَ قربَها يسلينَها كي لاتشعرَ بالوحدةِ، ووطأةِ المرضِ.
في تلكَ الأثناءِ، كانتِ الفراشةُ الصَّفراءُ تطيرُ بزَهوٍ وهي تغنِّي بفرحٍ:
أنا الفراشةُ الجميلةْ
أطيرُ مسرورةً
عبر الحقولِ
أرشفُ رحيقَ الزُّهورِ
الكلُّ يُحبُّني
أنا الجميلةُ السَّاحرةُ
يهواني كلُّ مرجٍ
تناديني بلهفةٍ
كلُّ خميلةْ
أنا الأميرةُ
أنا الذَّهبيَّةُ
أنا.. أنا الجمييييييلةْ
وبينما هيَ مسرورةٌ تغنِّي، سمعها الأخوانِ الشَّقيَّانِ أدهم وأيهم فاقتربا بهدوءٍ، وأمسكاها، ووضعاها في كيسٍ شفَّافٍ، ثمَّ علَّقاها على غصنِ شُجيرةٍ صغيرةٍ، وأخذا يضحكانِ عليها، وهي تحاولُ بصعوبةٍ الخروجَ منَ الكيسِ.
بعدَ قليلٍ سمِعا صوتَ أُمِّهما تناديهما لتناول وجبة الغداءِ فقد كانوا في نزهةٍ جميلةٍ بالقربِ من قرية الفراشاتِ الجميلةِ.
أسرعَ المشاكسانِ، وتركا تلك المسكينةَ معلَّقةً على ذلكَ الغصنِ، وقد أنهكها التَّعبُ، لكثرةِ محاولاتِها اختراقَ الكيسِ والخروجَ منهُ.
أنهتِ الفراشاتُ زيارتهنَّ للفراشةِ السَّوداءِ، ولمَّا رأينَها تحسَّنتْ، اقترحنَ عليها القيامَ معهنَّ بجولةٍ عبرَ الحقولِ، علَّها تتنشَّطُ قليلًا، وترشفُ شيئًا يُقيتُها من رحيقِ الزُّهورِ.
وأثناءَ طيرانهنَّ انتبهتْ فجأةً أنَّ هناكَ شيئًا صغيرًا يتخبَّطُ في كيسٍ، فاقتربتْ، وصرختْ مذعورةً:
أسرعنَ ياصديقاتي!
اجتمعتِ الفراشاتُ مذهولاتٍ، وأصابتهنَّ الحيرةُ
كيف ينقذنها، ومن يستشرنَ، فالفراشةُ البيضاءُ الحكيمةُ لم تعدْ بعدُ من زيارتِها؟
وهنَ في حيرتهنَّ قالتِ الفراشةُ السَّوداءُ:
سأذهبُ قليلًا وأعودُ إليكم!
وماهيَ إلَّا لحظاتٌ، وإذْ بها قدْ عادتْ،
ومعَها سنجابٌ صغيرٌ، فابتسمتِ الفراشاتُ منشرحاتٍ لذكائِها.
قامَ السِّنجابُ بقرضِ الكيسِ، وخرجتْ على الفورِ الفراشةُ المغرورةُ، وهيَ بالكادِ تتنفَّسُ، هنَّأتْها الفراشاتُ بالسَّلامةِ، فأدمعتْ عيناها، وهي تشكرهنَّ، ثمَّ تقدَّمتْ منَ الفراشةِ السَّوداءِ، عانقَتْها بِحُبٍّ، وأسفٍ قائلةً:
لقدْ أنقذتِ حياتي، رغمًا أنِّي كنتُ أستحقُّ
الموتَ، فقد رفضتُ زيارَتكِ، وأنتِ مريضةٌ، ثمَّ عاقبَني اللهُ، وكانَ خلاصي على يديكِ
أرجوكِ..سامحيني أُختاهُ!
فرحتِ الفراشاتُ جميعهنَّ، وأمضينَ وقتًا مسلِّيًا وهنَّ يمرحنَ، ثمَّ قرَّرْنَ العودةَ إلى بيوتهنَّ، فالشَّمسُ قاربتْ على المغيبِ، والفراشةُ البيضاءُ الحكيمةُ لاشكَّ عادتْ، وستقلقُ عليهنَّ.
رفرفنَ بمحبَّةٍ، وسكينةٍ، ومضينَ إلى قريتهنَّ الوادعةِ الجميلةِ، وحكَينَ ماجرى معهنَّ من أحداثٍ غريبةٍ في هذا اليومِ لملكتهنَّ الحكيمةِ.
ميّادة مهنَّا سليمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.