الصفحات

ولع الآهات | وسام السقا - العراق

ما بين آه و آه تكدست في القلب مرارة وجروح متقيحة، كانت قد ولدة أول آه من جوف شجنٍ خادع، فمزقت بجبروتها الحنان، وولدة الأخرى من جور هجر الأحلام، لتدخل بوقاحة مالئةً عيون الحب دمعاً، وكذا فعلت مع الفؤاد ملأته حزناً بسواد توافدها، وما بين آه وحسن نورك يا حب الأمس، ألوان الطيف احترقت بنيران الرحيل، كان العشق آنذاك يحمل باسماً عناقيد الضحكات والقُبل، آه يا سفن العشق المحملة بالحب، أما زلت رابضة في خليج القلب، تنتظرين شمس الأحضان ونسائم الحب، لتبحري نحو محيطات الفرح. آه يا حب أصبح نُصفكَ أوهام
والنصف الأخر غيهب تناثر في ذكريات الأحلام. بالأمس القريب فارسة النوى كانت تمتطي صهوة عطور الحب في ساحات الهيام، تقتضب اللقاءات، وتمتعض الأحضان والقُبل، لكن شفتيها في وادي أخر تفيضان بالقبول وتقبلان الغربان خلف ستائر العيون. آه يا ضحكات النوى، وآه يا مقلة العين، آه يا بسمة الصباح، وآه يا نور الحياة. ولسوف تبقى مدى الحياة عيني متعطشة تترقب بصيصك، وفيض نسائم عطرك وجمال الزهور في خديك، لتتلاقى العيون من جديد وتنسجم الأرواح، مستبشرة هانئة تنبض بالحياة الباسمة، فاين أنت من ذألك يا سعد الروح؟. جاءني الرد بعد سنين، ضرف بريدي بالي، أختامه قديمة، قال لي ساعي البريد، أستاذ نحن أسفون لتأخر وصول الرسالة، نظرت إلى المرسل، أنها هي صاحبة الرسالة، احتضنت الضرف بشوق، واطلقت الروح أهازيج الفرح، بعد صبرٍ طويل، تجمعت نسائم الذكريات في لحظة إحساس ثائر، حلق فؤادي طائراً راقصاً بين سرب بجع عائد من الغربة، وبعد صحوتي من نشوة الفرحة، فَضَضْتُ ختم الرسالة، فإذا بورقة كبيرة بيضاء في وسطها كلمة (أسفة) بحجم كبيرةٌ وبالون الأسود، صعقني تيار الحقيقة، وقالت هواجس الحروف اتركها، ولكمة قاضية من (كلاي) دمرت سروري، فعزف الغضب نشيده القاتل، تهتكت بين أصابعي ورقتها المشؤمة، فكان رد قطرات الدمع قاسي، أحرقت سواد الحروف بلهيب جمرها، حاولت الأيام اقتضاب ما مضى، لكن الرسالة حملت فؤادي في نعش وتوارى داخل زجاجة رماها القدر إلى محيط. شمس حواء إطلالة انبثقت من الجمال والحب والألوان، الوجه قمرٌ بهي، والجسم برشاقة الحمام، والعينين زرقاوين والشعر ذيل حصان، صبية تتنسم على شاطئ البحر ترمي شباكها لتصطاد الأمنيات، الرمال تفتخر بتقبل أقدامها، وقورٌ ذلك النسيم العطر يهاب لمسها، ورمت تحت أقدامها الأمواج زجاجة، وبأكف حنانٍ، وعيون لاهفة، أخرجت نعش فؤادي لتعود له نبضاته الحائرة، ودوت من بين الأمواج معزوفة حب من ألة القرب، تفاقمت واشتدت لهفة الشوق أكثر، فقررت الصبية البحث عن صاحب النعش، همت بالعودة إلى المنزل شاردة الذهن مشغولة البال، فتعثرت بالرمال واصطدمت بي، فوقعت الزجاجة من يدها وانكسرت، فقفز قلبي باسماً من النعش فدخل أحشائي، فزعت الصبية وقالت؛ هل هو لك؟ قلت؛ نعم، قالت؛ لماذا إذا هو في النعش؟ قلت؛ إنها قصة طويلة فلم تتركني أغادر حتى رويت لها ما كان وما حدث، أذنت الشمس بالمغيب لكن الغسق طال جلوسه ولم يرحل، كان نماماً يتنصت لحديثنا، كذلك فعلت الأمواج، لكن لقاء لا يصدق أنه شيء من الخيال، منذ زمن بعيد كانت الأوقات عصيبة، والحياة صعبة، والمعيشة باهظة، فتشتت الصداقات ورحل الأقارب باحثين عن عالم جديد للرزق، كنتُ والصبية زملاء دراسة، نسكن الحي ذاته، فجمعتنا الزجاجة من جديد، أزهرت الأحاسيس احمرار الخدود، وتناغمت القلوب كأنها كانت تنتظر قلوباً من زمن الذكريات الجميلة، ليدب فيها الحب من جديد، ومذ تلك اللحظة أوقد الحب شموعه، فلم نترك للزمن خياراً، جاءت الخطوبة سريعاً، وكان الزواج قريب، والفرحة ملأت القلوب وأزاحت الآهات من أمنياتنا السعيدة.

وسام السقا
العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.