الصفحات

ذكريات طفلة ونصوص أخرى | هُدى محمد وجيه الجلاّب

(تجاهل)
..
كلّما اقتربت مِني التعاسة أتجاهل خطواتها البائسة
وأنصت إلى موسيقى روحي وأبدأ ترجمة الآمال
تطفق السطور كجيوش تتسحب تحت ستائر الظلام
طقس يُشعرني بالرضا وأتعامى عن وقت يلتهم تفاصيلي
لتقترب لحظة الرحيل حيث السكون إلى ما يشاء الله
أتصوّر هُناك مَن يفهم طلاسم جنوني
وأجلس أترقب فوق شوك الانتظار

...

(رافد)
..
منذ ذلك الوقت وأيّة نسمة تمرّ تذكرني به وأيّة حبّة مطر
صرت أتماهى مع غصن زيزفون راقص أوعرق نعناع أخضر
كلّما اجتمع الندى على وجنات تستحمّ بالشحوب يتحوّل
إلى همسة ناعمة على متن فضاء يرغب حمل الضنى عن الكاهل المهموم
يوماً إثر يوم تتراكم السطور وسط كالحة تتنعم بعبق يرفد الأحلام بالسرور
..

(شتاء)
..
مع مساء يتثاءب
أمسكُ ورقة خريفيّة
ويتملكني ذلك الشعور
ألقي نظرة سريعة نحو الأمس
للأسف كانت الخطوات
باردة ساذجة
يتكهرب بعضي مِن الندم
والقهر على ما راح بين ترهات
مُتلاحقة وعقارب سوداء
واكتمل الأسى بهذه الحرب
ضاعت الأيّام وراء انتظار
ينتحب ويتشاكى
وأراني أنتظر قسوة الشتاء
مُرغمة مِن غير خيَار
ربّمَا يأتي ذلك الفصل بلمح البصر
وقد لا يتسنى له الوصول
..

(غلطة)
..
ماذا يضير لو قلت له ما يجول في خاطري
يومئذ أخبرته أنّني بخير كي يطمئن وعدت حانقة على ذاتي
توجهت نحو مرايا الدار أتفحص ملامحي ولوني وثيابي
لست وحدي شاحبة كل الأشياء صارت باهتة
وغلطتي الوحيدة صمت الكبرياء
..

(تدفق) ..
..
دونَ حدود تتأجج الحياة بلحظة
تحتَ سماء تتلألأ باسمة ساطعة
فوقَ عشب خُلبيّ و ورود ناهضة
وجانبي نهر يتدفق حيث الكثير
مِن الفراشات المتسابقة
وأهازيج الطيور
أجلسُ مُتماهية أغني
وتتراقص نسيمات غصون
لا أسى ولا أسئلة عقيمة
ولا حنجرة متورمة مِن حصر أمور
وبلا أيّ إنذار يستيقظ الحلم القصير
مُرتبكاً على شفير اليأس القاصم
يعود واقع يتكئ على سطور
أصرخ ولا تسمعني الحواس المُنشغلة
حرب تدور طاحنة وقذائف
وألف غول يحوم
دمعة ساخنة تنحدر وراء تنهيدة
وسط ظلام صار رفيق الدروب
ونكتب كي نرمم ما بقي مِن أحاسيس
ولا تهدأ مُخيلة تستعظم قلّة الحيلة
..

(همهمة)
..
همهمة غريبة تدهمني بغرور
لله درّها تلك النفس المُواظبة
  تقيدني بسلاسل
وأصوات تنخر الرأس المصدع
بين مفارق تتوه الروح
تبدو صغيرة هذه الأرض
في عيني
فارغة كدفتر بلا سطور
مع شمس تميل وحفيف غصون رصينة
أنتظر عتمة مراودة كي أهيمن على الكون
..

ذكريات طفلة) ..

..
أعودُ إلى الوراء مسافة طويلة وأراني أبكي وأصرخ
على سطوح بيتنا في الصالحيّة كي تسمعني أمّي
مُتأكدة أنّها في هذا الوقت عند جارتنا العجوز أم بديع
في البناية المقابلة
إنّه موعد إبرة أم بديع المريضة
وتأتي أمّي على نداء صوتي المبحوح لتحملني وتعود
كان من عادتها بعد الإبرة أنْ تجهز العشاء الإجباري لأمّي
وكانت طاولتها المستديرة المُجللة بشرشف طحيني براق
مُتخمة بما لذّ وطاب مِن الحواضر الشاميّة اللذيذة
مِن المربيات أنواع عديدة ومِن الزيتون والأجبان والمكدوس
أمد يدي بناء على طلب أمْ بديع وتزورني أمّي بصرامة
فترجع أصابعي مخذولة مُرتجفة
وأقول كما فهمتني أمّي في البيت - أكلنا منذ قليل يا خالة
نرجع إلى بيتنا وتعطيني أمّي سندويشة وحبة شوكولاتة
لأنّني لم أخجلها عند الناس
كظمت نفسي الراغبة في كلّ شيء حسب طلب أمّي
إلى الآن أتذكر لطف أمّ بديع الطيبة وهي تلامس خصلات شعري
بحنان تقول أمانة خذي هذه مِن يدي ولكن عقدة في جبين أمّي تمنعني
كانت التربية صارمة وكنا نسمع وننفذ ونستجيب ولا نتمادى خشية
أن تخبر أبي مع أن حنان والدي لا يحده سوى الرحمة الطافحة
لله درّها تلك الأيام بحلاوتها وصعوبتها وعنفوان زمان
..

(سواد)
..
أيقظني حلم وهامت الأفكار بسلاسة
مع عتمة تقبع هامدة تترقّب
كأنّها تنتظر الوهم كي ينضج
ويستفحل
أنهض وأبعثر العطور في كلّ صوب
لا أجد شيء يتلامع في الحاضر البخيل
فأدخلُ سراديب الأمس أترجّى
فسحة بياض بين الوقت المُتفحم العقيم
..
هُدى الجلاّب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.