في الجامعة، رأيته لأولِ مرة، من حينها ونظراتهُ تلاحقني أينما ذهبتْ ، لم أكنْ سعيدة بهذهِ النظرات ، لكني لم أعترضْ ربما لانها كانت تُشبع ذلك الغرورالكامن داخلي كفتاة جميلة دون أن أدري , لم أحببهُ قط لكني أيضا لم أرفضهُ حين تقدم للزواج مني بعد أربعة اعوام , فتحديهِ لاهلهِ من أجلي بسبب اختلاف طائفتنا كانت كافيةٍ لاسكاتي وأقناعي من أنني سأعيش في ظلِ رجل يعرفُ كيفَ يحميني ..
كل شيء سارَ بهدوء, لم يكسرهُ الا صراخ طفلتنا حين ولدتها في يوم كانت السماءُ مليئة بسحبٍ سوداء, فرحته بالبنت لمْ تتغلب على شرقيته , فظلَ يحلمُ بالصبي الذي يحملُ اسمهُ حتى تحققَ له ذلك بعد عام ونصف ..
انتقالنا للعيش في بيتِ أهله في احدى المحافظات, كانت الانعطافة التي غيرتْ مسيرة حياتنا وجعلتها تتأخذ لونا أخر ليس هو اللون الذي ابتدأت به ..
صحونا ذات يومٍ ربيعي على خبرِ سقوط النظام ..
اصبحَ أنسانا أخر, يتحاشى التحدثُ معي أو الجلوسَ بجانبي بل بلغُ ألامر به ألامتناعَ عن تناول الطعام معي , شيئا فشيئا لم أعدْ أشعر أني متزوجة ألا حين أدخل غرفتي لاجدهُ ممدا على السرير ينتظرَ أن يسدَ جوعهُ من جسدي ثم يغُطُ في نومٍ عميق دون أن يتفوه بكلمة ..
فقداني لخصوصيتي هو الشيء الذي ظلَ يثيرُ سخطي, خارج الغرفة لم أكنْ زوجة , بل خادمة لكلِ مَنْ في المنزل لا أجروء على فعلِ أو قولِ شيء الا بعد موافقة الجميع , المرة الوحيدة التي تجرأتُ فيها واعترضتُ كانت نهايتها صفعة على خدي وأنذارا بالطلاق ..
كبرتْ المسافة بيني وبينه, أخذ يتغيب طويلا عن البيت, وعن المدينة كلها , وحينَ يعود يبدو عليه القلق والخوف, عيناه مترقبة , أحيانا كثيرة َ يقطعُ حديثهُ حين يلمحني قادمة نحوه , بدأت أشعر بتحاشيه لي , هناك أمر جلل شغله عن كل شيء ..
وقعَ الطلاقُ بعد ست سنوات , أطفالي كانوا الصفقة التي ربحتها مقابل تنازلي له عن كل شيء , فتنفستُ بعمق لانني ظننتُ أن القدر قد أكتفى مني ..
لم أكن أريدُ لاطفالي أن يكبروا بعيدا عن والدهم , فسمحتُ له برؤيتهم بين فترةٍ وأخرى, فليس من العدلِ أن يخطىء الكبار ليدفع الصغار الثمن , هكذا كنتُ أقنعُ نفسي وليتها اعترضتْ ولم تقتنعْ ..
صراخي حينَ عرفت أنه قد هرب بالاطفال لمْ يسمعهُ أحد, لان صوت انفجار قريب غطى كل شيء,
الدخان الاسود ملىء سماء المدينة, المستقبل غاب في ظلمة الحاضر, تغيرت معاني الكلمات, عيوننا فقط كانت بخوف تترقب ..
بعد أشهر,لم يعد أحد يسألني عنهما, فالاحداثُ الكبيرة مثل حيتان البحر, تلتهم السمك الصغير, وحدي , بقيت أتتبع أخبار اطفالي من بعيد بعد أن هدم طليقي كل جسرٍ قد يصلْ بيني وبينهم ..
تزوجت ثانية, لابدَ للحياة أن تستمر, واستمرتْ حين أنجبتُ بنتا وصبي , لكن حنيني لا طفالي أبدا لم يهدأ ..
حين وصلني خبر انضمام طليقي لاحدى التنظيمات الارهابية لم أتفاجىء , لاني وجدت أخيرا تفسيرا لكل افعاله الغريبة , ولكن , الذي أفزعني وجعلَ ساعات الليلِ طويلة سوداء وساعات النهار قلق قاتل حين عرفت انه زجّ باطفالنا في درب نهايته الموت أو ألانحراف عن الحياة ..
الموت البطىء , لا أحد يصف هذا المعنى الا مَنْ عاشه, لم أعدْ اشعرُ بالألم لاني غرقتُ فيه, صور مرعبة أحتلتْ كوابيسي وأنا اتخيل ابنتي ذات الخمسة عشر ربيعا تتلاقفها ايادي المجرمين, تعبث بها باسم الدين وأبني أصبح رأسه الفارغ وعاءا لافكارٍ مسمومة من أبٍ كره الحياة قبل أن يفهمها..
ثلاث سنوات مرتْ, أحيانا كنت أتمنى أن أسمع خبرُ موتهما حينها يصبح لسياطِ الالم التي أتلقاها جلاد واحد, ولكن حتى هذهِ الامنية قد منَ بها القدر علي , امسيتُ أفزع لكل رنةِ هاتف أو لطرقةِ بابٍ لا اعرفُ صاحبها , الشك كادَ يقتلني حين أرى اثنين يتهامسان فاظنُ انهما يخفيان شيئا عني ..
لا أدري كيفَ اصفُ مشاعري حين وصلني ذاتَ يومٍ قائضٍ خبرُ مقتلُ طليقي, فالمدينة التي يتحصنُ بها هو والجماعات التي ينتمي اليها قد تحررتْ, أرى الفرحةَ في عيونِ الجميع الا عيوني غَرقتْ بدمعها, بموتهِ ضاع الخيط الذي كنتُ اتمسكُ به ليصلني باطفالي ..
شعوري باليأس جعلَ الوقت يمرسريعا فلم يعدْ هناكَ ما أنتظرهُ , لمْ تعدْ أسماء الايام تهمني, أضحى النهارُ يشبه الليل لم يكن لدي من رفيق سوى سيجارتي وصمتي ..
كأني ولدت من جديد, فصرختي كانت صرخة ألم من أجل الحياة .. أتصال جاءني من مجهول يطلب مني أن أحضر الى المدينة المحررة لاستلم أبنتي ..
الليل الموحش والخطر الذي قد اتعرض له وانا اقطع شوارع مظلمة, كل ذلك لم يمنعاني من السفر اليها ..
حين نودي بأسمها في المخيم, نهضتْ من بين عشرات الفتيات, السواد يلفُ جسدها , لا يظهر منها الا وجه خالٍ من اي تعبير وبين يديها طفل رضيع ..
أما أبني , هرب مع من هرب من الجماعات وهو يهدد بالانتقام لابيه .
حسين خلف موسى
كل شيء سارَ بهدوء, لم يكسرهُ الا صراخ طفلتنا حين ولدتها في يوم كانت السماءُ مليئة بسحبٍ سوداء, فرحته بالبنت لمْ تتغلب على شرقيته , فظلَ يحلمُ بالصبي الذي يحملُ اسمهُ حتى تحققَ له ذلك بعد عام ونصف ..
انتقالنا للعيش في بيتِ أهله في احدى المحافظات, كانت الانعطافة التي غيرتْ مسيرة حياتنا وجعلتها تتأخذ لونا أخر ليس هو اللون الذي ابتدأت به ..
صحونا ذات يومٍ ربيعي على خبرِ سقوط النظام ..
اصبحَ أنسانا أخر, يتحاشى التحدثُ معي أو الجلوسَ بجانبي بل بلغُ ألامر به ألامتناعَ عن تناول الطعام معي , شيئا فشيئا لم أعدْ أشعر أني متزوجة ألا حين أدخل غرفتي لاجدهُ ممدا على السرير ينتظرَ أن يسدَ جوعهُ من جسدي ثم يغُطُ في نومٍ عميق دون أن يتفوه بكلمة ..
فقداني لخصوصيتي هو الشيء الذي ظلَ يثيرُ سخطي, خارج الغرفة لم أكنْ زوجة , بل خادمة لكلِ مَنْ في المنزل لا أجروء على فعلِ أو قولِ شيء الا بعد موافقة الجميع , المرة الوحيدة التي تجرأتُ فيها واعترضتُ كانت نهايتها صفعة على خدي وأنذارا بالطلاق ..
كبرتْ المسافة بيني وبينه, أخذ يتغيب طويلا عن البيت, وعن المدينة كلها , وحينَ يعود يبدو عليه القلق والخوف, عيناه مترقبة , أحيانا كثيرة َ يقطعُ حديثهُ حين يلمحني قادمة نحوه , بدأت أشعر بتحاشيه لي , هناك أمر جلل شغله عن كل شيء ..
وقعَ الطلاقُ بعد ست سنوات , أطفالي كانوا الصفقة التي ربحتها مقابل تنازلي له عن كل شيء , فتنفستُ بعمق لانني ظننتُ أن القدر قد أكتفى مني ..
لم أكن أريدُ لاطفالي أن يكبروا بعيدا عن والدهم , فسمحتُ له برؤيتهم بين فترةٍ وأخرى, فليس من العدلِ أن يخطىء الكبار ليدفع الصغار الثمن , هكذا كنتُ أقنعُ نفسي وليتها اعترضتْ ولم تقتنعْ ..
صراخي حينَ عرفت أنه قد هرب بالاطفال لمْ يسمعهُ أحد, لان صوت انفجار قريب غطى كل شيء,
الدخان الاسود ملىء سماء المدينة, المستقبل غاب في ظلمة الحاضر, تغيرت معاني الكلمات, عيوننا فقط كانت بخوف تترقب ..
بعد أشهر,لم يعد أحد يسألني عنهما, فالاحداثُ الكبيرة مثل حيتان البحر, تلتهم السمك الصغير, وحدي , بقيت أتتبع أخبار اطفالي من بعيد بعد أن هدم طليقي كل جسرٍ قد يصلْ بيني وبينهم ..
تزوجت ثانية, لابدَ للحياة أن تستمر, واستمرتْ حين أنجبتُ بنتا وصبي , لكن حنيني لا طفالي أبدا لم يهدأ ..
حين وصلني خبر انضمام طليقي لاحدى التنظيمات الارهابية لم أتفاجىء , لاني وجدت أخيرا تفسيرا لكل افعاله الغريبة , ولكن , الذي أفزعني وجعلَ ساعات الليلِ طويلة سوداء وساعات النهار قلق قاتل حين عرفت انه زجّ باطفالنا في درب نهايته الموت أو ألانحراف عن الحياة ..
الموت البطىء , لا أحد يصف هذا المعنى الا مَنْ عاشه, لم أعدْ اشعرُ بالألم لاني غرقتُ فيه, صور مرعبة أحتلتْ كوابيسي وأنا اتخيل ابنتي ذات الخمسة عشر ربيعا تتلاقفها ايادي المجرمين, تعبث بها باسم الدين وأبني أصبح رأسه الفارغ وعاءا لافكارٍ مسمومة من أبٍ كره الحياة قبل أن يفهمها..
ثلاث سنوات مرتْ, أحيانا كنت أتمنى أن أسمع خبرُ موتهما حينها يصبح لسياطِ الالم التي أتلقاها جلاد واحد, ولكن حتى هذهِ الامنية قد منَ بها القدر علي , امسيتُ أفزع لكل رنةِ هاتف أو لطرقةِ بابٍ لا اعرفُ صاحبها , الشك كادَ يقتلني حين أرى اثنين يتهامسان فاظنُ انهما يخفيان شيئا عني ..
لا أدري كيفَ اصفُ مشاعري حين وصلني ذاتَ يومٍ قائضٍ خبرُ مقتلُ طليقي, فالمدينة التي يتحصنُ بها هو والجماعات التي ينتمي اليها قد تحررتْ, أرى الفرحةَ في عيونِ الجميع الا عيوني غَرقتْ بدمعها, بموتهِ ضاع الخيط الذي كنتُ اتمسكُ به ليصلني باطفالي ..
شعوري باليأس جعلَ الوقت يمرسريعا فلم يعدْ هناكَ ما أنتظرهُ , لمْ تعدْ أسماء الايام تهمني, أضحى النهارُ يشبه الليل لم يكن لدي من رفيق سوى سيجارتي وصمتي ..
كأني ولدت من جديد, فصرختي كانت صرخة ألم من أجل الحياة .. أتصال جاءني من مجهول يطلب مني أن أحضر الى المدينة المحررة لاستلم أبنتي ..
الليل الموحش والخطر الذي قد اتعرض له وانا اقطع شوارع مظلمة, كل ذلك لم يمنعاني من السفر اليها ..
حين نودي بأسمها في المخيم, نهضتْ من بين عشرات الفتيات, السواد يلفُ جسدها , لا يظهر منها الا وجه خالٍ من اي تعبير وبين يديها طفل رضيع ..
أما أبني , هرب مع من هرب من الجماعات وهو يهدد بالانتقام لابيه .
حسين خلف موسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.