الصفحات

من قتل بسام البغل؟ ــ قصة قصيرة | أحمد عبد السلام - مصر

لم تكن مشكلة "الحاج بسام" الوحيدة، التي تؤرقه وتقض مضجعه ليل نهار، هي اسمه الباعث على الضحك، والذي لا يتناسب مع جلال مكانته باعتباره كبير عائلة "البغل"، مما حدا بالعديد من أعضاء مجلس العائلة الموقر إلى التندر به والسخرية منه - في السر طبعًا- دون أن يجرؤ أحدهم على الإفصاح عن حقيقة مشاعره، بل ترى الواحد منهم يظهر كل الاحترام والتبجيل، في حضرة الكبير أو أحد عيونه، لئلا تنزل به اللعنة، أو يحل عليه الغضب.

ولكم شتم أول من حمل اللقب من جدوده، ونال منه في خلواته، حيث ارتضى لنفسه ولمن بعده، حمل هذا اللقب المقيت. وكانت نقمته على أبي جده أشد، لأنه هو الذي سمى ولده بهذا الاسم، فكانت إساءته متعدية لكل من جاء من بعده من نسله.
ولقد فكر في التنصل من هذا العار، بالنبش في شجرة العائلة، عله يظفر باسم مبجل ينتسب إليه، ويحط عن كاهله وزره الذي ناء به سنوات طويلة، لكنه اصطدم بأسماء أشد خسة، وأدعى إلى الاستهزاء، فرضي من الغنيمة بالإياب، وقنع على هون بما هو عليه، ورضي على مضض بما هو فيه.
والناظر إلى وجه "الحاج بسام" يتعذر عليه أن يحدد عمره الحقيقي، فهذا العبوس الذي لا يناسب اسمه، ويلازم جبهته كوسم ولد به، أو كطابع البريد المختوم بخطوط سود متعرجة، والملصق على وجه مظروف أبيض، يضيف إلى عمره الحقيقي سنوات عديدة، كان في غني عنها لو أنه بسط أساريره للناس، كما يبسط إليهم لسانه ويده.
والحق أنَّ كثيرًا من الناس ممن لم يخالطه، أو يعرفه حق المعرفة، قد يتوهم أن وراء هذا الوجه الحديدي قلبًا قُدَّ من جلمود صخر لا يهاب شيئًا.
غير أنَّ الذين اقتربوا منه كثيرًا اكتشفوا، أنَّ الرجل الفارع، ذو عقل فارغ، يحمل قلب فأر رعديد، يفرق من حفيف الأشجار، ويرتعد لصفير الرياح، ويظنُّ أنَّ وراء الأكمة ما وراءها.
ولقد أفاده هذا العبوس المعيب من حيث لا يدري، حيث أخرس الغرباء عن الخوض في مدى جدارته بالمكان، الذي سطا عليه شابًّا حديث الأسنان، وفي العائلة من هو أكثر منه مالًا وولدًا، وأطول يدًا، وأكبر سنًّا وحنكة.
المشكلة الأكبر كانت سمعته السيئة، وتاريخه الأسود، الذي لم تفلح مياه المحيط في غسل أدرانه، كان مجرمًا يعشق الدم، ويتلذذ بتعذيب الضحايا، بارعًا في التملص من جرائمه، وإلصاقها بأتباعه الأدنين أو بالأحرى بمنافسيه، فلم تطله يد العدالة يومًا.
يبيتُ يترقب الموت كل ليلة، وهو موقن أن مصرعه يسعى إليه حثيثًا، إن لم يكن على يد أحد الموتورين، فعلى يد أحد الأقربين، الطامعين في مكانه ومكانته.
حين مات مسمومًا طارت الظنون في كل مكان، وطالت كل من حوله، حتى الثعابين والعقارب، التي كان يربيها ويطلقها على ضحاياه، وحده الكلب كاد يكشف اللغز، بنباحه المتواصل على "الأرملة السوداء"،غير أنها عاجلته بلدغة ألحقته بصاحبه.
أحمد عبد السلام - مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.