الصفحات

العجوز | وليد.ع.العايش

توكأ على عصاه ، ثم مضى تاركا خلفه ذكريات عقود من الزمن ، وبعض دموع أبت أن تغادر ، شعره الأبيض كما ثلج عتقه صرير سيف ، وتلك اللحية الكثة تركن إلى السماء ، بينما ثارت التجاعيد على نفسها هذه المرة ، ربما أرادت أن تقول شيئا ، لكن عقارب ساعة الوداع لم تمنحها آخر فرصة ، انحناءة ظهر أبو نايف تنبئ ببدء لعبة مع القدر ،
عينان غائرتان في سحق حفرة التاريخ ، هجرهما لمعان همس الحنين ( الجوع كافر ) قال أبو نايف ... الدرب كانت زلقة ذلك المساء ، فالمطر تساقط طوال اليوم ، لعله توقف لتوه ، ليفسح الدرب أمام العجوز الهائم في شوارع المدينة المظلمة ، بينما كانت نسائم الرحمة تداعب لحيته البيضاء وشعره المنكوش كما شلال متناثر ، مسافة كبيرة قطعها العجوز ، ساعدته العصا في تجاوز مطبات الوحل ، المارة يهرعون إلى بيوتهم ، امرأة في قمة أنوثتها تدك في جيبه ورقة ما ، ضحك أبو نايف ( أصبحت شحادا ههه ) ... لم تعد قدماه قادرتان على حث الخطا ، جلس على حجر بجانب دكان قديم ، اختلس النظر إلى الورقة ، مهمة جدا هذه الورقة ، عادت تراوده الابتسامة مرة أخرى ، صفع الأرض بعصاه ، الدموع التي رافقته بدأت بالتحرك ، شاب أسمر كان يراقبه من زاوية معتمة ...
_ ما بك يا أبتاه ... البرد لا يناسبك ...
هز برأسه تفاديا لنظرات الشاب ...
_ هل أساعدك للوصول إلى بيتك ؟ ...
قهقه أبو نايف هذه المرة بقسوة ، ماذا يقول هذا الصبي ، لا يدري ، نعم إنه لا يدري ...
_ أين طريق البيت ؟ هات يدك واحمل عصاك ...
خيم الصمت عليهما ، الآن فقط بدأ الشاب يستوعب ما هو مبهم ...
كسر العجوز الصمت بصوته الذي هز الجبل القريب ، بل ربما هز العالم ...
_ مهما مشينا يا ولدي فلن نصل ، لن نصل ... ابني هناك ، لن نصل ...
هز الشاب رأسه ، قال العجوز في سره : ( الحمد لله أنه لم يعرف لما أنا هنا ) ...
----------------
وليد.ع.العايش
16/7/2017م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.