الصفحات

الشعراء بين الماضي و المستقبل | عبد الحميد دلعو ـ راوند

السارق من الماضي و السارق من المستقبل
الشعراء _في هذا العصر _ قسمان :
قسم يحاول التجديد في بنية العبارة العربية من حيث الشكل و المضمون ، و هذا كالسارق من المستقبل محاولاً توسُّمَهُ و سَبرَ أغوارِه ، فما أعظمها من مكرمة على طريق الإبداع. و ما الإبداع إلا سرقة من قَبَسِ المستقبل و تفطُّناً للغيب القابع في ما وراء الزمن.

و قسم آخر يحاول استرجاع طريقة السَّبك التي شاعت في العصرين العبَّاسي و الأموي! .
و ينبغي للحداثة أن ترفض إعادة توليد عبارات العصور الغابرة و أن تعتبر ذلك تضييعاً للوقت و اجتراراً لا قيمة له ، بل سرقة من الماضي تقتضي المحاكمة و التغريم!
فما الفائدة من استعادة لهجات و تراكيب عفا عليها الزمن و لم تعد مستخدمة على الألسن ؟
آدابنا لن تتطور و ترتقي إلى المستوى العالمي إلا بتطور اللغة و الأفكار و المضمون.
و على سبيل المثال و زيادة في الإيضاح ، إليك البيتين التاليين لشاعر من العصر العباسي يصف قططاً ترضع من أمها :
(و ثلاثُ مُرضعةٍ بِكِسرِ ديارِنا
و الرَّتلُ ظُمَّاءٌ بِقعْرِ المَنهلِ
مَلأى فَوارِغَ نُسْجِها بِلَبانةِ
الأمِّ الرَّؤومِ كَحَامِلٍ للحَوجَل )
في الواقع كتبت البيتين السابقين ( اليوم ) لأبين للقارئ أنه من الممكن لأي شاعر أن يقتبس التراكيب التي سادت في العصر العباسي أو الجاهلي ثم ينسج على منوالها ، فهي ليست بالمهمة الصعبة. كل ما ينبغي عليك فعله هو قراءة بعض المعلقات و بضعة قصائد من الشعر العباسي و لا يمنع أن تقرأ كتابين للجاحظ و بعض الصفحات من نهج بلاغة الشريف الرضي. و عندها ستصبح قادراً على استحضار التراكيب القابعة في أحشاء العصر العباسي ....
و لكن !
ما هي الفائدة من فعل ذلك ؟
الأمم تتطلع إلى المستقبل و بعضنا يتطلع لاستعادة الماضي بقِيَمه و خِيَمِه ، بجَماله و جِمالِه بِعَجره و بَجره!
آن لفكرنا أن يتطور و لرواياتنا و قصائدنا أن تأخذ بعداً عميقاً جماعياً تجديدياً.
سيأتي أحد التقليديين ليتحدث عن الركاكة الموجودة عند بعض حداثيي هذا العصر!
و هذا خطأ ، إذ لا علاقة للركاكة بالإبداع و التقليد ، فهناك من الأساليب التقليدية التي لا تخلو من الركاكة في حين نجد الكثير من الشعر الحر الحداثي المليء بالجزالة اللفظية و التجديد و العمق و و و ...
و بالتالي نحن أمام عقبة كأداء تتمثل بالعقول المتحجرة و التي ترى الأدب القيم هو ذاك المغرق في تقليد النغمة العباسية و الأموية للنص الأدبي ، فتراهم يسفهون كل جديد و ينسفون كل تجديد .... علينا في الحقيقة أن نأخذ بيد هؤلاء نحو التنوير و الانفتاح و أن نبين لهم أن اجترار العبارات و الأساليب التي كانت سائدة في العصر العباسي ليس إلا عملية رجعية لا تنطوي لا على إبداع و لا على فن .... فما الفائدة من إعادة رسم الموناليزا بنفس الطريقة ؟ أو معارضة قصيدة للمتنبي بنفس الأسلوب ؟
كن مختلفاً لتكون ، كن نسخة لتفنى !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.