أولاً : بيتا القصيد :
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ***أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم ***لامتنعتْ عيـني من الغَمْضِ
حِطّان بنِ الْمُعَلَّي الطَّائِي.
ثانياً : التخريجات :
1 - (ديوان الحملسة) - وهو مختارات من شعر شعراء العرب - : أبو تمام ، حبيب بن أوس الطائي ( توفي 228 هـ أو 231 هـ / 845م أو 846م) ، طبعة دار الكتب العلمية سنة 1998م بتحقيق أحمد حسن بسج .
- ( ديوان الحماسة ) : أبو تمام 1 / 101 ، 102 - الوراق - الموسوعة الشاملة .
2 - (العقد الفريد) : أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1404 هـ
ج2 ص 274م - يذكر اسمه : حطان بن المعلي الطائي.
3 - شرح ديوان الحماسة (ديوان الحماسة: اختاره أبو تمام حبيب بن أوس ت 231 هـ) : لمؤلفه يحيى بن علي بن محمد الشيبانيّ التبريزي، أبو زكريا (المتوفى: 502هـ) الناشر: دار القلم - بيروت ج1 ص 101 ،102.
4 - شرح ديوان الحماسة : أبو على أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني (المتوفى: 421 هـ) المحقق: غريد الشيخ وضع فهارسه العامة: إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م. ج 1 ص 207 - 209 ، ويذكر اسمه (خطاب بن المعلّى)
5 - (الزهرة ) : أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي الظاهري (المتوفى: 297هـ) - 1 / 195 - الوراق - الموسوعة الشاملة .
6 - (بهجة المجالس وأنس المجالس) : ابن عبد البر القرطبي أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي ( 368 هـ - 463هـ) - 1 / 163 - الوراق - الموسوعة الشاملة.
7 - ( محاضرات الأدباء) : الراغب الأصفهاني ( 502 هـ / 1108م) - 1 م 145 - ينقل بيتين منها ، ويشير إلى حماسة أبي تمام ، وأنّه إسلامي
8 - الأعلام : خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى : 1396هـ) ينقل منها بيتين : ج 2 ص 263
الناشر: دار العلم للملايين.
الطبعة: الخامسة عشرة - أيار / مايو 2002 م
1) ويهمش نقلاً عن : سمط اللآلي 803 والتبريزي 1: 151 وديوان الحماسة طبعة محمود توفيق 1: 108 9 - مجلة العربي "الكويت" - مارس 1962 م العدد40 ص20
ثالثاً : الشاعر حِطّان بنِ الْمُعَلَّي الطَّائِي.
شاعر عاش في صدر الإسلام، كما يذكر أبو تمام في (حماسته) ناقلاً أبياته السبعة ، وينقلها ابن عبد البر القرطبي في ( بهجة مجالسه) بترتيبٍ آخر ، ويذكر اسمه دون نسب ، ويقول عنه ( شاعر أعرابي) ، ولكن ينسبه ابن عبد ربّه الأندلسي إلى قبيلة طيء في ( عقد فريده ).وأبو علي المرزوقي الأصفهاني في شرحه ( ديوان الحماسة) لأبي تمّام ، يجعل اسمه (خطاب بن المعلّى) ، ربّما تحريف أو تصحيف في نقاط الاسمين ، وهو ينفرد بهذا الاسم .
لا نعرف تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته، لم يذكرا في كل المراجع القديمة ، والمصادر الحديثة ، فقد أغفل مؤرخو الأدب ذلك ، ولكننا نعرف من شعره أنّه كان غنيّاً، وأطاح به الدهر فقرا ، وأذلَّه بعد عزّ ويسرى ، ووصف حاله بشكل مذهل ، وبين بعبقرية فذة مدى تشابك الوشائج بين الأباء والأبناء ، مما أكسب شعره الشهرة والخلود :
أنزلني الدهـرُ على حُكْمِـه*** مـن شامخٍ عـالٍ إلى خـَفْضِ
وغالني الدهرُ بوَفْرِ الغِنى*** فليس لي مالٌ سوى عِرْضي
رابعاً : وزنها الموسيقي من (البحرالسريع) ، عروضه مكسوفة مطويّة ( فاعلن، وضربه أصلم (فعْلنْ):
مستفعلن مستفعلن فاعلن ****مستفعلن مستفعلن فعْلن
جوازات البحر السريع لهذه القصيدة:
- الْخَبْن (حذف الثاني الساكن) فتصبح به (مُسْتَفْعِلُنْ): (مُتَفْعِلُنْ) وهو حسن.
- الطَّيّ (حذف الرابع الساكن) فتصبح به (مُسْتَفْعِلُنْ): (مُسْتَعِلُنْ)، وهو صالح.
- الْخَبْل (حذف الثاني والرابع الساكنين) فتصبح به (مُسْتَفْعِلُنْ): (مُتَعِلُنْ) وهو قبيح.
- لا يجوز الخبن في عروضة وضرب هذا النوع من البحر السريع.
خامساً : أبيات القصيدة ، قصيدة قصيرة حتّى الكفاف ، خالدة على مدى الأسلاف ،سبعة أبيات :
1 - أنزلني الدّهـرُ على حُكْمِـه***مــن شامخٍ عالٍ إلــى خـَفْضِ
2 - وغالني الدّهرُ بوَفْرِ الغِنـى ***فليس لي مالٌ سوى عِرْضي
3 - أبكـانيَ الدّهــرُ، ويا طالمـا****أضحكني الدهـرُ بما يُرْضـي
4 - لولا بُنيّـــاتٌ كزُغْـبِ القَطـا ****رُدِدْنَ مـن بعـضٍ إلى بعضِ
5 - لكان لـي مُضْطَـرَبٌ واسعٌ **في الأرض ذاتِ الطول والعَرْضِ
6 - وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ****أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
7 - لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم ***لامتنـعتْ عيـني مـن الغَمْـضِ
سادساً : نظرة نقدية عن القصيدة .
قصيدة بليغة بصياغتها ، فصيحة بألفاظها ، خالية من التعقيد والتصنع والتكلف ، جاءت سهلة تصلح لكلّ عصرٍ وزمان ، وقطرٍ ومكان ، لأنها ابنة الإنسان ، سكب فيها الشاعر المرهف الحنون الحساس ، كلّ ما يختلج في قلوب الناس من مشاعر وعواطف صادقة لا يختلف فيها اثنان ...ومن هنا طاولت العقود الجمان على مدى الأزمان ، فخلّدها الإنسان :
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ****أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
والحق - وأكرر نفسي ، وأزيد - عبقرية الخلود لا تكمن في الأفكار والخواطر والصور والتخيلات والمعاني التي تمرُّ في عقول وأذهان ووجدان الناس ، وإنّما في الانتباه لها ، والإشارة إليها ، وتقديمها إلى الإنسانية في تشكيل بارعٍ ذائعٍ ، وإلا كما يقول جاحظنا العظيم المعاني مطروحة على الطرقات ... نعم العبقرية في الانتباه والإشارة والتشكيل ، وأزيد يجب أن يمتلك العبقري مقدرة فذة على توصيل نتاجه وإبداعه وفكره إلى عقول ونفوس الآخرين ، أو يساعده الآخرون من أبناء عصره ، أو العصور التالية على إتمام رسالته الفنية أو الفكرية ، ومن هنا - أيضاً - يجب أن نقرُّ بالعرفان والجميل الذي تفضل به عبقرينا الخالد أبو تمام لعرض المعلّى في (حماسته) ، فحمّسنا له و إليه ، ولا أريد أن أظلم شعر أبي تمام ، وهو في الطبقة الأولى من عمالقة شعرنا العربي بفنّه وبلاغته وتجديده ، ولكن مجرد إشارة إلى أهمية ( ديوان حماسته) ، يقول أحد النقاد : " أبو تمّام في حماسته أشعر منه في شعره ".
والشيء بالشيء يذكر ، ونحن نمرُّ على ( الحماسة) التمّامية ، لابد لنا أن نتساءل ، هل ابن عبد ربّه الأندلسي في ( عقد فريده) ، قد نسب حطان المعلّى إلى قبيلة طيء ، لأن أبا تمّام كان طائياً بالولاء ، أم اعتمد على مرجع آخر ، لم نقف عليه ؟!! الله أعلم !
ومن الجدير ذكره أنّ عدداً كبيراً من شعراء الحماسة ينتسبون لقبيلة طيء التي ينتمي إليها أبو تمّام بالولاء..(55 شاعراً من مجموع الشعراء -351 شاعراً - من قبيلته طىء) .
وعندي جميع الشعراء والأدباء من قبيلته ، أليس أبو تمام نفسه القائل ؟ !! :
إنْ يكدِ مطرفُ الإخاءَ فإننـا ***نغْدُو وَنَسْري في إِخَاءٍ تَالدِ
أوْ يختلفْ ماءُ الوصالِ فماؤنا **عذبٌ تحدرَ من غمامٍ واحدِ
أو يفْتَرقْ نَسَــبٌ ، يُؤَلف بَيْننا ****أدبٌ ، أقمناهُ مقامَ الوالدِ
نعود إلى أبيات القصيدة ، والعود أوجع...!!
يبدأ الشاعر الأبيات الثلاثة الأولى بأفعال تدلُّ على أحداث قاسية مريرة مؤلمة غادرة محزنة ، ثم يمسح دموعه ليتذكر في عجز البيت الثالث أحداثاً مفرحة فات عليها الزمن ساحقاً... والأحداث كلّها يرميها على الدّهر ، ويكرر الدّهر عدد الأفعال ، والدهر حيلة الإنسان ، يعلّق عليه كلّ أحزانه وأتراحه ، ويستعيره أنّى شاء استعارات مكنية أو معنوية عن نفسه أو ناسه ، أو قدره ، مثله مثل بقية البشر ...!!
أنزلني الدّهـرُ ....وغالني الدّهرُ... أبكـانيَ الدّهــرُ ....أضحكني الدهـرُ ...!!
يا ويلي ... ماذا حلّ بالرجل وأهله...!!
أنزله حكم الدهر أي منزلة ؟!!
مــن شامخٍ عالٍ إلــى خـَفْضِ....أراه أمام صاعقة حلّت ، فأودت به من القمّة الشّمّاء إلى الحضيض الأوهد ،من قويٍّ قادر إلى ضعيفٍ عاجز...!!
ثم ماذا؟!!
غاله الدهر اغتيالاً ، وأهلكه فقراً من غنيٍّ بماله حتى فقيرٍ بحاله...!!
ولهذا البيت رواية ثانية ، ورؤية أخرى فيذكر المرزوقي الأصقهاني في شرحه : يروى: عالني ومعناه غلبني، ويروى: غالني ومعناه أهلكني بارتجاع عواريه من المال، واستلاب ما كنت وفرت به من العتاد، فمالي مالٌ سوى نفسي، وليس النفس من المال في شيءٍ. وموضع سوى نصبٌ على أنه استثناءٌ خارجٌ، وهذا الاستثناء يتأكد به انتفاء الغنى. ومثله قوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلولٌ من قراع الكتائب
ويجوز أن يكون المعن ى: ليس لي غنىً سوى غنى نفسي، فحذف المضاف، والمعنى : إن نفسي غنيةٌ فلا تطمع في المكاسب الوضيعة.
ثم ماذا يا صاحبي ؟!!
يحدّثنا عن الأحداث بلسان عربيٍّ فصيحٍ بليغٍ ، لا لفٌّ ولا دوران ...
أبكاني الدّهر ....ويا طالما أضحكني الدّهر ....طباق إيجابي بين أبكاني وأضحكني ، وهما كنايتان عن الحزن والفرح ، وطالما قد استعملا في الشعر العربي ، وهذا قول ابن زيدون في نونيته الشهيرة :
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا *** أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
ولكن الحال ليس مثل بعضه ، وللناس حالات وحالات ، ( ويا طالما ) - وفي رواية أخرى ( ويا ربّما) ... يا للتنبيه ، وهذا اللفظ ( ويا طالما) يقصد به التكثير ، ويا طلما استعملناه في لغتنا الدارجة ، واستعملته الآن تكراراً متعمداً ، وأنا أميل إليه من ( ويا ربّما) ...!!
وفي البيتين الرابع والخامس ، يلهم الصبر الجميل ، ويهدّىء من روعه ، ويعلل نفسه :
( لولا بنيّات...) ليس التصغير هنا مكان الدلع والدلال ، بل تهويل أمر الخوف عليهن من نائبات الدهر الأقسى ، وصروفه الأمر ... وهنّ صغيرات كفراخ القطا الزواغب الريش ، يخشى عليهن أن يرددن مجتمعات خائفات من أهوال المصائب ، وخفايا المجهول ، تذكرت قول الحطيئة ، وهو يخاطب الخليفة عمر بن الخطاب حين سجنه في قعر مظلمةٍ ، لهجائه المقذع الشرير:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ *** زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ونواصل مسيرتنا ( الحطانية ) ، ولترابط البيتين الرابع والخامس إعراباً ، نقول : (لولا ) أداة شرط غير جازمة ، وهي حرف امتناع لوجود ، و(بنياتٌ) في موضع المبتدأ، وجاز الابتداء به لكونه محدوداً بما اتصل به من الصفات. وجواب لولا (لكان لي مضطربٌ واسعٌ) ، وهو أول البيت الخامس ، واستغنى به عن خبر المبتدأ، والتقدير: لولا البنيّات الصغيرات ، وخوفي عليهن من الضياع والبؤس، لكان الاضطراب والحركة والتنقل ، والعزُّ في النقلِ ، كما قال الطغرائي من بعدُ :
إنَّ العلا حدّثتني وهْي صادقـةٌ *** فيما تحدّث إنّ العزّ في النقـلِ
أو كما قال الشنفرى من قبلُ :
وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى **** وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ
لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمــرئٍ ***سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقــلُ
ولكن البنيّات الصغيرات منعن الأب المفجوع بالفقر والذلّ والغدر من أن يشدَّ الرحال لطلب الرزق الحلال في أرض الله الواسعة ، ويواصل حجّته الدامغة بالبيتين الشهيرين، والبيت السادس حصراً ، هو بيت القصيد ، تردده الألسن العربية من يومه إلى يومنا ، ولا تدري بحطان أو فلان ، لأنه يعبّر عن لسان الأمة ، بل لسان الإنسانية
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ****أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
( تمشي على الأرض) جملة في محل نصب حال ، تقديرها ( ماشيةً) ، تعود على الأكباد الأولاد ، وظرفها المكاني ( بيننا ) ، لو كنتم تعلمون ، لا من حيث الإعراب البسيط ، بل المعنى الإنساني العميق ، وهذا سر الله في خلقه لاستمرارية حياة الأنواع بعد ممات الأفراد.
ويدعم غريزة الأبوة البشرية بخاتمة القصيدة السبعية ( لو هبّتِ الرّيحُ ....)
وأبو تمّام يصنف قصائد ( ديوان حماسته) حسب موضوعاتها وأغراضها ، فتجد قبل أبيات المعلّى أبيات قصيدة أخرى لشاعر آخر يدعى إسحاق بن خلف ، يصور فيها مدى تعلقه بابنته ، وخوفه عليها بعد موته من التيتم والفقر والعوز ، مشاعر إنسانية عامة ، يشترك فيها الجميع ، ولكن القلة النادرة من يستطيع أن يعكسها ، ويصف خوالج وجدانه ، وانفعالات نفسه ، كما هي ، أو كاد صدقاً ، وإليك أبيات من الإسحاق:
لولا أميمةُ لم أجزعْ من العـَدَمِ **** ولم أقاسِ الدُّجُى في حنِدسِ الظلمِ
وزادني رغبةً في العيشِ معرفتي **** ذُلَّ اليتيمةِ يجفوها ذوو الرحــمِ
أُحَـــاذرُ الفَقْرَ يوماً أن يلـمَّ بهـا **** فيهتكَ الســـترَ عن لَحْمٍ على وَضَمِ
تَهْوى حياتي وأهـــوى مَوْتَها شفقاً **** والموتُ أكرمُ نَزَّالٍ على الحـرمِ
أَخْشَى فَظاظةَ عمٍ أو جَفــــــاءَ أخٍ **** وكنتُ أبقي عليها مــن أَذى الكِلَمِ
هذه هي الدنيا، لا يعرف سرّها إلا الذي خلقا ، يعِزُّ مَن يشَاءُ ، وَيذِلُّ مَن تَشَاءُ ،بِيَدِه الْخَيْرُ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير ....والإنسان كبير صغير ....!!
كريم مرزة الأسدي
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ***أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم ***لامتنعتْ عيـني من الغَمْضِ
حِطّان بنِ الْمُعَلَّي الطَّائِي.
ثانياً : التخريجات :
1 - (ديوان الحملسة) - وهو مختارات من شعر شعراء العرب - : أبو تمام ، حبيب بن أوس الطائي ( توفي 228 هـ أو 231 هـ / 845م أو 846م) ، طبعة دار الكتب العلمية سنة 1998م بتحقيق أحمد حسن بسج .
- ( ديوان الحماسة ) : أبو تمام 1 / 101 ، 102 - الوراق - الموسوعة الشاملة .
2 - (العقد الفريد) : أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ) الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، 1404 هـ
ج2 ص 274م - يذكر اسمه : حطان بن المعلي الطائي.
3 - شرح ديوان الحماسة (ديوان الحماسة: اختاره أبو تمام حبيب بن أوس ت 231 هـ) : لمؤلفه يحيى بن علي بن محمد الشيبانيّ التبريزي، أبو زكريا (المتوفى: 502هـ) الناشر: دار القلم - بيروت ج1 ص 101 ،102.
4 - شرح ديوان الحماسة : أبو على أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني (المتوفى: 421 هـ) المحقق: غريد الشيخ وضع فهارسه العامة: إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م. ج 1 ص 207 - 209 ، ويذكر اسمه (خطاب بن المعلّى)
5 - (الزهرة ) : أبو بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي الظاهري (المتوفى: 297هـ) - 1 / 195 - الوراق - الموسوعة الشاملة .
6 - (بهجة المجالس وأنس المجالس) : ابن عبد البر القرطبي أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي ( 368 هـ - 463هـ) - 1 / 163 - الوراق - الموسوعة الشاملة.
7 - ( محاضرات الأدباء) : الراغب الأصفهاني ( 502 هـ / 1108م) - 1 م 145 - ينقل بيتين منها ، ويشير إلى حماسة أبي تمام ، وأنّه إسلامي
8 - الأعلام : خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى : 1396هـ) ينقل منها بيتين : ج 2 ص 263
الناشر: دار العلم للملايين.
الطبعة: الخامسة عشرة - أيار / مايو 2002 م
1) ويهمش نقلاً عن : سمط اللآلي 803 والتبريزي 1: 151 وديوان الحماسة طبعة محمود توفيق 1: 108 9 - مجلة العربي "الكويت" - مارس 1962 م العدد40 ص20
ثالثاً : الشاعر حِطّان بنِ الْمُعَلَّي الطَّائِي.
شاعر عاش في صدر الإسلام، كما يذكر أبو تمام في (حماسته) ناقلاً أبياته السبعة ، وينقلها ابن عبد البر القرطبي في ( بهجة مجالسه) بترتيبٍ آخر ، ويذكر اسمه دون نسب ، ويقول عنه ( شاعر أعرابي) ، ولكن ينسبه ابن عبد ربّه الأندلسي إلى قبيلة طيء في ( عقد فريده ).وأبو علي المرزوقي الأصفهاني في شرحه ( ديوان الحماسة) لأبي تمّام ، يجعل اسمه (خطاب بن المعلّى) ، ربّما تحريف أو تصحيف في نقاط الاسمين ، وهو ينفرد بهذا الاسم .
لا نعرف تاريخ ميلاده ولا تاريخ وفاته، لم يذكرا في كل المراجع القديمة ، والمصادر الحديثة ، فقد أغفل مؤرخو الأدب ذلك ، ولكننا نعرف من شعره أنّه كان غنيّاً، وأطاح به الدهر فقرا ، وأذلَّه بعد عزّ ويسرى ، ووصف حاله بشكل مذهل ، وبين بعبقرية فذة مدى تشابك الوشائج بين الأباء والأبناء ، مما أكسب شعره الشهرة والخلود :
أنزلني الدهـرُ على حُكْمِـه*** مـن شامخٍ عـالٍ إلى خـَفْضِ
وغالني الدهرُ بوَفْرِ الغِنى*** فليس لي مالٌ سوى عِرْضي
رابعاً : وزنها الموسيقي من (البحرالسريع) ، عروضه مكسوفة مطويّة ( فاعلن، وضربه أصلم (فعْلنْ):
مستفعلن مستفعلن فاعلن ****مستفعلن مستفعلن فعْلن
جوازات البحر السريع لهذه القصيدة:
- الْخَبْن (حذف الثاني الساكن) فتصبح به (مُسْتَفْعِلُنْ): (مُتَفْعِلُنْ) وهو حسن.
- الطَّيّ (حذف الرابع الساكن) فتصبح به (مُسْتَفْعِلُنْ): (مُسْتَعِلُنْ)، وهو صالح.
- الْخَبْل (حذف الثاني والرابع الساكنين) فتصبح به (مُسْتَفْعِلُنْ): (مُتَعِلُنْ) وهو قبيح.
- لا يجوز الخبن في عروضة وضرب هذا النوع من البحر السريع.
خامساً : أبيات القصيدة ، قصيدة قصيرة حتّى الكفاف ، خالدة على مدى الأسلاف ،سبعة أبيات :
1 - أنزلني الدّهـرُ على حُكْمِـه***مــن شامخٍ عالٍ إلــى خـَفْضِ
2 - وغالني الدّهرُ بوَفْرِ الغِنـى ***فليس لي مالٌ سوى عِرْضي
3 - أبكـانيَ الدّهــرُ، ويا طالمـا****أضحكني الدهـرُ بما يُرْضـي
4 - لولا بُنيّـــاتٌ كزُغْـبِ القَطـا ****رُدِدْنَ مـن بعـضٍ إلى بعضِ
5 - لكان لـي مُضْطَـرَبٌ واسعٌ **في الأرض ذاتِ الطول والعَرْضِ
6 - وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ****أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
7 - لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم ***لامتنـعتْ عيـني مـن الغَمْـضِ
سادساً : نظرة نقدية عن القصيدة .
قصيدة بليغة بصياغتها ، فصيحة بألفاظها ، خالية من التعقيد والتصنع والتكلف ، جاءت سهلة تصلح لكلّ عصرٍ وزمان ، وقطرٍ ومكان ، لأنها ابنة الإنسان ، سكب فيها الشاعر المرهف الحنون الحساس ، كلّ ما يختلج في قلوب الناس من مشاعر وعواطف صادقة لا يختلف فيها اثنان ...ومن هنا طاولت العقود الجمان على مدى الأزمان ، فخلّدها الإنسان :
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ****أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
والحق - وأكرر نفسي ، وأزيد - عبقرية الخلود لا تكمن في الأفكار والخواطر والصور والتخيلات والمعاني التي تمرُّ في عقول وأذهان ووجدان الناس ، وإنّما في الانتباه لها ، والإشارة إليها ، وتقديمها إلى الإنسانية في تشكيل بارعٍ ذائعٍ ، وإلا كما يقول جاحظنا العظيم المعاني مطروحة على الطرقات ... نعم العبقرية في الانتباه والإشارة والتشكيل ، وأزيد يجب أن يمتلك العبقري مقدرة فذة على توصيل نتاجه وإبداعه وفكره إلى عقول ونفوس الآخرين ، أو يساعده الآخرون من أبناء عصره ، أو العصور التالية على إتمام رسالته الفنية أو الفكرية ، ومن هنا - أيضاً - يجب أن نقرُّ بالعرفان والجميل الذي تفضل به عبقرينا الخالد أبو تمام لعرض المعلّى في (حماسته) ، فحمّسنا له و إليه ، ولا أريد أن أظلم شعر أبي تمام ، وهو في الطبقة الأولى من عمالقة شعرنا العربي بفنّه وبلاغته وتجديده ، ولكن مجرد إشارة إلى أهمية ( ديوان حماسته) ، يقول أحد النقاد : " أبو تمّام في حماسته أشعر منه في شعره ".
والشيء بالشيء يذكر ، ونحن نمرُّ على ( الحماسة) التمّامية ، لابد لنا أن نتساءل ، هل ابن عبد ربّه الأندلسي في ( عقد فريده) ، قد نسب حطان المعلّى إلى قبيلة طيء ، لأن أبا تمّام كان طائياً بالولاء ، أم اعتمد على مرجع آخر ، لم نقف عليه ؟!! الله أعلم !
ومن الجدير ذكره أنّ عدداً كبيراً من شعراء الحماسة ينتسبون لقبيلة طيء التي ينتمي إليها أبو تمّام بالولاء..(55 شاعراً من مجموع الشعراء -351 شاعراً - من قبيلته طىء) .
وعندي جميع الشعراء والأدباء من قبيلته ، أليس أبو تمام نفسه القائل ؟ !! :
إنْ يكدِ مطرفُ الإخاءَ فإننـا ***نغْدُو وَنَسْري في إِخَاءٍ تَالدِ
أوْ يختلفْ ماءُ الوصالِ فماؤنا **عذبٌ تحدرَ من غمامٍ واحدِ
أو يفْتَرقْ نَسَــبٌ ، يُؤَلف بَيْننا ****أدبٌ ، أقمناهُ مقامَ الوالدِ
نعود إلى أبيات القصيدة ، والعود أوجع...!!
يبدأ الشاعر الأبيات الثلاثة الأولى بأفعال تدلُّ على أحداث قاسية مريرة مؤلمة غادرة محزنة ، ثم يمسح دموعه ليتذكر في عجز البيت الثالث أحداثاً مفرحة فات عليها الزمن ساحقاً... والأحداث كلّها يرميها على الدّهر ، ويكرر الدّهر عدد الأفعال ، والدهر حيلة الإنسان ، يعلّق عليه كلّ أحزانه وأتراحه ، ويستعيره أنّى شاء استعارات مكنية أو معنوية عن نفسه أو ناسه ، أو قدره ، مثله مثل بقية البشر ...!!
أنزلني الدّهـرُ ....وغالني الدّهرُ... أبكـانيَ الدّهــرُ ....أضحكني الدهـرُ ...!!
يا ويلي ... ماذا حلّ بالرجل وأهله...!!
أنزله حكم الدهر أي منزلة ؟!!
مــن شامخٍ عالٍ إلــى خـَفْضِ....أراه أمام صاعقة حلّت ، فأودت به من القمّة الشّمّاء إلى الحضيض الأوهد ،من قويٍّ قادر إلى ضعيفٍ عاجز...!!
ثم ماذا؟!!
غاله الدهر اغتيالاً ، وأهلكه فقراً من غنيٍّ بماله حتى فقيرٍ بحاله...!!
ولهذا البيت رواية ثانية ، ورؤية أخرى فيذكر المرزوقي الأصقهاني في شرحه : يروى: عالني ومعناه غلبني، ويروى: غالني ومعناه أهلكني بارتجاع عواريه من المال، واستلاب ما كنت وفرت به من العتاد، فمالي مالٌ سوى نفسي، وليس النفس من المال في شيءٍ. وموضع سوى نصبٌ على أنه استثناءٌ خارجٌ، وهذا الاستثناء يتأكد به انتفاء الغنى. ومثله قوله :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهن فلولٌ من قراع الكتائب
ويجوز أن يكون المعن ى: ليس لي غنىً سوى غنى نفسي، فحذف المضاف، والمعنى : إن نفسي غنيةٌ فلا تطمع في المكاسب الوضيعة.
ثم ماذا يا صاحبي ؟!!
يحدّثنا عن الأحداث بلسان عربيٍّ فصيحٍ بليغٍ ، لا لفٌّ ولا دوران ...
أبكاني الدّهر ....ويا طالما أضحكني الدّهر ....طباق إيجابي بين أبكاني وأضحكني ، وهما كنايتان عن الحزن والفرح ، وطالما قد استعملا في الشعر العربي ، وهذا قول ابن زيدون في نونيته الشهيرة :
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا *** أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
ولكن الحال ليس مثل بعضه ، وللناس حالات وحالات ، ( ويا طالما ) - وفي رواية أخرى ( ويا ربّما) ... يا للتنبيه ، وهذا اللفظ ( ويا طالما) يقصد به التكثير ، ويا طلما استعملناه في لغتنا الدارجة ، واستعملته الآن تكراراً متعمداً ، وأنا أميل إليه من ( ويا ربّما) ...!!
وفي البيتين الرابع والخامس ، يلهم الصبر الجميل ، ويهدّىء من روعه ، ويعلل نفسه :
( لولا بنيّات...) ليس التصغير هنا مكان الدلع والدلال ، بل تهويل أمر الخوف عليهن من نائبات الدهر الأقسى ، وصروفه الأمر ... وهنّ صغيرات كفراخ القطا الزواغب الريش ، يخشى عليهن أن يرددن مجتمعات خائفات من أهوال المصائب ، وخفايا المجهول ، تذكرت قول الحطيئة ، وهو يخاطب الخليفة عمر بن الخطاب حين سجنه في قعر مظلمةٍ ، لهجائه المقذع الشرير:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ *** زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ونواصل مسيرتنا ( الحطانية ) ، ولترابط البيتين الرابع والخامس إعراباً ، نقول : (لولا ) أداة شرط غير جازمة ، وهي حرف امتناع لوجود ، و(بنياتٌ) في موضع المبتدأ، وجاز الابتداء به لكونه محدوداً بما اتصل به من الصفات. وجواب لولا (لكان لي مضطربٌ واسعٌ) ، وهو أول البيت الخامس ، واستغنى به عن خبر المبتدأ، والتقدير: لولا البنيّات الصغيرات ، وخوفي عليهن من الضياع والبؤس، لكان الاضطراب والحركة والتنقل ، والعزُّ في النقلِ ، كما قال الطغرائي من بعدُ :
إنَّ العلا حدّثتني وهْي صادقـةٌ *** فيما تحدّث إنّ العزّ في النقـلِ
أو كما قال الشنفرى من قبلُ :
وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى **** وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ
لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمــرئٍ ***سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقــلُ
ولكن البنيّات الصغيرات منعن الأب المفجوع بالفقر والذلّ والغدر من أن يشدَّ الرحال لطلب الرزق الحلال في أرض الله الواسعة ، ويواصل حجّته الدامغة بالبيتين الشهيرين، والبيت السادس حصراً ، هو بيت القصيد ، تردده الألسن العربية من يومه إلى يومنا ، ولا تدري بحطان أو فلان ، لأنه يعبّر عن لسان الأمة ، بل لسان الإنسانية
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا ****أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
( تمشي على الأرض) جملة في محل نصب حال ، تقديرها ( ماشيةً) ، تعود على الأكباد الأولاد ، وظرفها المكاني ( بيننا ) ، لو كنتم تعلمون ، لا من حيث الإعراب البسيط ، بل المعنى الإنساني العميق ، وهذا سر الله في خلقه لاستمرارية حياة الأنواع بعد ممات الأفراد.
ويدعم غريزة الأبوة البشرية بخاتمة القصيدة السبعية ( لو هبّتِ الرّيحُ ....)
وأبو تمّام يصنف قصائد ( ديوان حماسته) حسب موضوعاتها وأغراضها ، فتجد قبل أبيات المعلّى أبيات قصيدة أخرى لشاعر آخر يدعى إسحاق بن خلف ، يصور فيها مدى تعلقه بابنته ، وخوفه عليها بعد موته من التيتم والفقر والعوز ، مشاعر إنسانية عامة ، يشترك فيها الجميع ، ولكن القلة النادرة من يستطيع أن يعكسها ، ويصف خوالج وجدانه ، وانفعالات نفسه ، كما هي ، أو كاد صدقاً ، وإليك أبيات من الإسحاق:
لولا أميمةُ لم أجزعْ من العـَدَمِ **** ولم أقاسِ الدُّجُى في حنِدسِ الظلمِ
وزادني رغبةً في العيشِ معرفتي **** ذُلَّ اليتيمةِ يجفوها ذوو الرحــمِ
أُحَـــاذرُ الفَقْرَ يوماً أن يلـمَّ بهـا **** فيهتكَ الســـترَ عن لَحْمٍ على وَضَمِ
تَهْوى حياتي وأهـــوى مَوْتَها شفقاً **** والموتُ أكرمُ نَزَّالٍ على الحـرمِ
أَخْشَى فَظاظةَ عمٍ أو جَفــــــاءَ أخٍ **** وكنتُ أبقي عليها مــن أَذى الكِلَمِ
هذه هي الدنيا، لا يعرف سرّها إلا الذي خلقا ، يعِزُّ مَن يشَاءُ ، وَيذِلُّ مَن تَشَاءُ ،بِيَدِه الْخَيْرُ، وهو على كلِّ شيءٍ قدير ....والإنسان كبير صغير ....!!
كريم مرزة الأسدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.