الصفحات

زهرة | لما عصام سخنيني

تنويعات على وتر منفرد  5
ومرت الأيام متشابهة، وخلال أربع سنوات صرت أما لثلاثة صبية. في يوم من الأيام جاء حليم للدار فرحا، يخبرنا بأنه حصل على عقد عمل كسائق لأحد الشيوخ في أبو ظبي. لأول مرة منذ يوم زفافنا أرى بعينيه ذلك البريق، بريق من تم انقاذه من الغرق.
وبذلك غادرنا أبو جواد، وصار يبعث الينا برأس كل شهر مبلغا يكفينا معاشنا ويزيد قليلا فتحفظه عمتي تحسبا للأيام الصعبة. وفي كل صيف كان يأتي لزيارتنا ويبقى في عمان لشهر كامل. بذلك الشهر كنت أتناول حبوب منع الحمل خفية عنه وعن عمتي، فانا لا أستطيع أن أكون مسؤولة وحدي عن المزيد من الأطفال. صار أبو جواد يرتدي الثوب الخليجي التقليدي و لكن من غير غطاء للرأس وبلا سروال أو وزرة. وصار يصلي الصلوات الخمس بأوقاتها. وفي هذه الأيام يكون دائم الشكوى ودائم الإنتقاد لكل ما يدور حوله، أراد تعليمي الصلاة ولكني أبيت إلا أن أصلي على طريقة أمي، وأراد تعليمي الأكل بالشوكة والسكين حتى أكون لائقة به عندما يصطحبني إلى مطعم، و لكني كرهت ذلك. وكان دائم الصراخ على أبنائنا، ويتهمني بأني لم أحسن تربيتهم، فأضيق ذرعا بوجوده، وأعد الأيام المتبقية لعودته لبلده.
لم يخطر ببالي قط أن أرافقه إلى أبو ظبي، وهو لم يطلب ذلك، فأنا كنت سعيدة ببيتي مع أولادي وعمتي وعمي، وزياراتي المتقطعة والقليلة لأهلي. أكنت أشتاق لزوجي؟ لا أعلم، ولكني لم أكن أشتاق لوجوده في سريري، لن أخبركم تفاصيل ذلك فانا أخجل من ذكرها حتى لنفسي.
ألم أرغب بوجود رجل يحبني بحياتي؟ لم يخطر ببالي هذا السؤال إلى أن كان ذلك اليوم الذي به صادفت أحمد ساعي الكهرباء على باب شقتنا. شاب طويل رائق العينين وفي صوته سلام. لدقائق طويلة بقيت عيناي معلقتين بعينيه وهو صامت وأنا محتارة. همس "ما أحلاكي!" لم يقل لي أحد من قبل ذلك، دق قلبي عدة دقات زائدة. أرخيت جفني مخبئة نظراتي. تركته ودخلت بيتي. أغلقت الباب خلفي، وركضت الى مرآتي أتأكد من جمالي. كانت المرة الأولى التي أحسست بها بتدفق الأنوثة في دمي.
صار أحمد يأتي لتفقد عداد الكهرباء كل أسبوع وليس كل شهر كما يجب. أخبرته عني و أخبرني عنه بكلمات بسيطة. لم يستمع لي أحد قبله. لم يعرف لون عيني أحد قبله. في تلك الأيام وددت لو أني ملكه، لو أسكن صدره، لو رافقني في كل دقيقة من يومي. صار طيفه دائم الوجود في حياتي. أهذا ما يسمونه الحب! الكلمة كانت حلوة في قلبي ومرة على شفتي. وكان قدري أن أعيش في كلمة مكتومة، خلف حواجز الصمت الأصم، ليلي صار جارحا لقلبي.
في تلك الأيام تمنيت لحظة سلام، الليالي كانت طويلة وبلا شروق، الكلمات دائمة الضجيج في رأسي، رؤياه لم تكن تفارقني، أغادر دفء سريري الى كنبتي مقابلة نافذتي، أنتظر طيفاً لن يأتي. قال لي "اتركي زوجاً غائبا و كوني لي". خفت من مجرد التفكير بالفكرة. خفت من العبور من ما أعرفه إلى ما لا أعرفه. وماذا عن أبنائي، فأنا لست وحدي، فنحن كائن رباعي، مستحيل التجزئة.
وفي أحد الأيام تساءلت ماذا لو عرف عمي وأبي بما أفعله، سيذبحاني من غير أن يسميا علي، فالطلاق كلمة مستحيلة الوجود. سقطت الفكرة على رأسي كالصاعقة.
وفي أحد الصباحات الرمادية اتخذت قراري. سمعت صوت خطوات أحمد على الدرج، بقيت في مكاني لا أتحرك، لا هو يجرؤ على قرع الباب ولا أنا عندي الشجاعة الكافية للاقتراب. تكرر المشهد مرتين اخريين، سمعت صوته يحادث جارتنا بصوت عال، هو يريده أن يصلني وفعلا وصلني وأبكاني. في تلك الأيام أحسست بشعور مدمر وكأن يدا ضخمة تقبض على قلبي، وبغصة دائمة في حلقي وكأني على وشك البكاء. كنت أراه يقف في الشارع مقابلا نافذتي. وصلتني منه رسالتان، مزقتهما من غير أن أقرأهما خوفا من ضعفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.