الصفحات

طبق القش | وليد.ع.العايش

يوميات رمضان 9
الطريق زلقة ، معبر يتيم يوصل إلى البيت الطيني ، الوحل لا يبرح مكانه ، سحابة بيضاء مازالت تتعلق بحبال السماء ، كانت تفكر بالهبوط ، لكن صوت الرعد أوقفها على حافة انهيار ، أوراق الخريف الشاحبة تلتقط بعضا من أنفاسها ، لعل العمر يمتد قليلا قبل انكسار الأفق ، كان الغسق قد بدأ يفرد أجنحته ، بينما سرب اللقالق يعبر إلى الضفة الأخرى بثالوثية محببة ، حملت طبق القش
بين ذراعي وانطلقت في المعبر الموحل ...
- الطريق صعبة يارجل ، تريث إلى الغد فربما يكون الحال أكثر قبولا .
- أمي تنتظر هناك يامرأة ، ستكون خلف النافذة الصغيرة تراقب وصولي ، ليتك تلملمي كلماتك في حقيبتك السوداء .
ابتسمت المرأة بسخرية نساء الكون ، هزت برأسها قبل أن تغلق الباب خلفه ...
- حقا ليتني لم أتكلم ، فهو عنيد كما غصن سنديان ...
قالت في نفسها وهي تركل شيئا ما ، واجهها في عمق الغرفة ...
المسافة لم تكن ذات ملامح طويلة ، لكن الوحل جعلها تبدو وكأنها معركة في زمن الجاهلية الأولى ، لم تعد ذراعاه تحملان طبق القش ، فرفعه إلى رأسه ، ثم ضحك بصوت مسموع .
- هكذا تحمل النسوة أطباق الطعام ، سأجرب ذلك اليوم ...
في تلك الأثناء كانت الغيمة البيضاء تدنو أكثر ، حتى كادت أن تلامس رأسه .
- هل أنت جائعة أيتها الغيمة ؟
انتظر جوابا منها وهو يعلم بأنه لن يأت ، فالغيوم قلما تتحدث بلغة البشر ، قدماه تغوصان في الوحل بعناد ، النور يحزم آخر أشياءه ، الزمن المتبقي لا يرحم قدميه العاريتين ، يتشبث أكثر بطبق القش ، عينان تطلان من نافذة ضيقة ، تلاقت مع نظراته التي كادت أن تهجر مكانها المعتاد ، لهاث يتسارع ، القلب أمسى بين مطرقة مسافة ، وسندان وحل ، تبتسم الأم لتوها ..
- ها هو قد شارف على الوصول .
تركت النافذة لتفتح باب البيت الطيني ، زوجها كان يتوضأ على قارعة طنجرة نحاسية ، ضجيج ثار فجأة قرب الباب ، طبق القش يتناثر كما عقد انفرط للتو ، الغيمة البيضاء أشاحت ، ثم غادرت ...
..............
وليد.ع.العايش
٩/رمضان/2017م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.