الصفحات

المرأة التي هوتْ | وليد.ع.العايش

يومٌ اِشتاقَ لخاتمته ، أرهقهُ طول الدقائق , وتثاؤب الساعة المكوّرة ، اِحتفظ لنفسه ببعضٍ مِنَ القوّة كي يبقى على قيدِ الحياة ، بدأتْ شمسهُ تميلُ كما عذراءَ على كتفِ حبيبها ، لم يكن ( أسعدُ ) يحمِلُ منْ اسمهِ سوى ذاكَ اللقبْ ، انهمكَ طيلةَ ساعاتٍ بعملهِ الشاق ، لمْ يتبق لهُ سوى طريق الرجوع إلى شريانِ بيتهِ القابعِ في زقاقٍ ضيقْ
( لابدّ أنْ أشتري حاجياتِ اليوم ، وإلاّ ... ) قال لنفسه وهو يبتسمُ في كُمِّ قميصهِ , وصمتْ ... اِرتدى ثيابَ العودةْ , قبلَ أن يحتسي أجرة أسبوعٍ ويومينِ مِنَ العمل ، هُناكَ السوقُ بانتظارِ النقود الشهيّة ، ورغداء تنتظرُ هي الأخرى ، تُرى مَنْ سيفرحُ أكثرْ ، تساءلَ لمراتٍ , انتعلَ حذاءه اليتيم , وغادرَ المكانَ صاغراً ... كانَ السوقُ يعِجُّ بمنْ هبَّ ودبْ ، حاجياتٌ وأُناس ، نساءٌ ورِجال ، اِنتبهَ أسعد إلى تلكَ الفتاةِ الطويلة القوام ، جميلةٌ بما يكفي لتُثيرَ كلَّ ما لديه ، لم تتجاوز العشرين ، هكذا بدَتْ وهو يرمِقُها بنظراتٍ مُرتعشةِ ( هذه هي النساء وإلاّ فلا ، تلكَ القصيرة قضتْ على مستقبلي ) تلفتَ حوله , كان يسخر منْ نفسهْ ، ورُبّما منْ حظّهِ الذي دَفعهُ إلى حُضنِ رغداء ، اشترى حاجياتهِ الأسبوعية ، لمْ ينس شيئاً ، لا يجرؤ أنْ ينسى ، الحِمْلُ ثقيلٌ عليه , لكنّه لا يُحبُّ التبذيرْ ، فتّشَ جيوبه قبلَ أن يُغادرَ السوق ، ثلاثُ مائةِ ليرة ونيفْ , كانتْ جامدة كما صقيعِ كانونْ ( يا إلهي ... أفقطْ هذا ما تبقّى لديّ ، ماذا سأقولُ للقصيرة ، لنْ تُصدّقني ... ) كلماته كانت تشارفُ على الانتحار في جوفه ، لكنْ لا مَناصَ من العودة ، حملَ كلّ أشياءهِ , وانطلقَ صوبَ البيتِ الذي مازالَ قابعاً على ضِفّةِ النهرِ الخائفة ( حتى أنتِ أيتُّها الضفّة تخشينها ، تجاوزَ آخر مُنعطفٍ , بدأتْ أطرافه ترتعدُ ، هو البرد الذي يأتي في مثلِ هذا الوقتِ منَ السنة ، ضَحك أكثر , وتابعَ بخطواتٍ كادت أن تتكلّمَ عنه ، لملّم بقايا قوّته في لحظاتْ ، وضعَ حاجياته أمامَ الباب ، هلْ كانْ يعِدُّ إلى العشرةْ ، ( لا ... لا تكفي ... يحتاجُ أكثرَ منْ ذلك ، قرأ آية الكرسيّ ثلاثَ مراتٍ ، أتبعها بالمعوذاتْ ، وقتذاكَ كانَ صوتهُ مسموعاً...
- ما بِكَ يا أسعد ؟ ... قفزَ قلبه كعصفورٍ أحسّ ببندقيّةِ الصياد تتوجهُ نحوه ، جاره الأشقرُ كانَ يُراقبهُ ويَضحكْ , فهو يعلمُ ما في العلنِ , وكلّ ما في السرّ ، البابُ كان موارباً لمْ يشأ الجارُ أن يفتحه كي لا يلجَ البردُ باندفاعتهِ العاتية ْ...
- لا شيء ... لا شيء ... خليكْ بحالك ... قالَ مُتجهماً كما غُرابٍ أسودْ ، نعمْ إنّه أسودْ ، فثلاثمائةِ ليرة لن تدَعْهُ يَفلِتُ منَ العقابْ ، لكن ماذا يفعلْ , إنْ كانَ السوقُ فاغراً فاهُ , يبتلعُ الأخضرَ واليابس ... طرقَ الباب بهدوءِ العالمِ كُلّه ، فتحتْ الحسناءُ القصيرة ، لم تكن ترتدي حِجابها ، شعرُها الأشعثُ ينتظرُ على قمّةِ رأسها - تأخرتَ كثيراً , أينَ كُنت لهذا الوقت ...
- في السوق ... في السوق ... اشتريتُ كل ما أوصيتني عليه... انظري ... ساعديني كي أُدخلها إلى المطبخ
- ألاّ ترى بأني لا أرتدي حِجابي ... أما زِلت أحمقاً أيّها الرجل ....
رُبّما كانت مِنَ المراتِ النادرة التي تنعَتَهُ بهذا الوصفْ ، أسعدُ أصبحَ الآنَ أسعد ... كلّ الحاجيات حطّتْ رِحالها في المَطبخ ، تنهّدَ قليلاً ، لكنَّ العاصفة في الخارج بدأتْ تشتدُّ بشكلٍ مُريب
- أعطني ما تبقى من نقودٍ لديك...
اِمتدّتْ يدهُ إلى كُلِّ جيوبه ، لكنّه في النهاية لم يُخرِج سوى الثلاثمائة ليرة ، أخرجها بتؤدةٍ وخوف ، دفعَ بها إلى رغداء ، رمقتْ النقود , ثُمّ رمقتهُ ...
- أهذا كلّ ما معكْ ...
- صرفتُ الباقي في السوقْ , اشتريتُ كلّ هذه الحاجيات , وحملتها كما الحمار في عزِّ الحرّ ...
صفعتّهُ بالنقود ، وانطلقتْ تبحثُ عن عصا ( نشافة مدببة الرأس !!! ) كانتْ تُخبئها لمثلِ هذه اللحظة , عادتْ تحملُ عصاها ، كان صُراخُها يسبِقُها ، فوقَ البابِ وجدتْ ورقةً بيضاءَ صغيرةْ ، تعرِفُ خَطَّ زوجها المُخربش ، قرأتْ في الورقة كلمةً واحدة ...
.....................
وليد.ع.العايش
24 / رمضان/2017م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.