قصة هواجس:
ما إن استقرّ في مقعده، حتى عاود تلمّسَ جيوبه; متأكداً أنه لم ينسَ شيئاً قد يعرّضه للمساءلة، الهوية، دفتر خدمة العلم، وثيقة التأجيل الدراسي; ثم تحسس -بعناية- العلبة الحمراء الصغيرة. تململ وهو يفكّر، “ليت السائق يسرع ؛ ويكون (فهلويا) بالتعامل مع الحواجز” علّه يصل إلى ضيعته قبل الغروب فيتسنى له أن يستحمّ ويذهب إلى الحلاققبل التوجه إلى بيت أبي خولة. أخرج جواله فجأة كمن تذكر أمراً هاماً، لابدّ أن يمسح محادثاته مع المتشدق عدنان; والصور العائلية لا بد من حذفها, فلربما طُلِب منه فتح جهازه . توقف برهة عند صورة “خولته” ، ملّى ناظريه من شفتيها المكتنزتين ، هذه المرة لن تمنعه من تقبيلها فقد صار حقا مكتسبا له . ليت أمها تكون مشغولة ولا تجثم على صدره كالعادة . التمعت عيناه بابتسامة شبقة وهو يكتب لها ذلك.
عند مدخل الضّيعة كانت هناك صبيةٌ ساهمة؛ تتأمل الإسفلت الممتد باتجاه المدينة, تعيد قراءة رسالة عشق كتبها حبيبها في حافلة ، كانت آخر ما وصل منه قبل سنة وخمسة ٲشهر وتسعة ٲيام.
قراءة:
الهَاجِسُ: الخاطر ، كل ما يتصوّره الفكر، إحساساسم فاعل من هجَسَ / هجَسَ في
اِشْتَدَّتْ بِهِ الْهَوَاجِسُ : مَا يَخْطُرُ مِنْ أَفْكَارٍ أَوْ صُوَرٍ بِبَالِ الْإِنْسَانِ نَتِيجَةَ قَلَقٍ أَوْحَيْرَةٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ شَيْءٍ مَّا
ما إنْ نمرّ على العتبة، هواجس حتى تختلج في نفسنا الهواجسُ والحسابات المتعددة المتناقضة، إلامَ يجرّنا العنوان، وأين يقودنا؟.
لنضطربَ بمقدار اضطرابه، وأكثرَ، نفتّشُ معه عنْ مستلزمات رفقتنا، ونخشى أشدّ خشيةً منه، أن نكون قد نسينا بعضًا منها، ونتعرّض لغضبٍ شديدٍ، وملامةٍ عظيمةٍ، وسوءَ عاقبةٍ.
يستعجل الوصولَ، شوقُه عارمٌ، ولهفتُه قتّالةٌ، هديّتُها جاهزة، قيد التسليم.
يدخل في التفاصيل الناعمة والدقيقة، تفاصيل رحلته تلك، وخطّة الطريق الذي سوف يسلكه خلال الدقائق الباقية له قيد الوصول.
يبدأ في مراجعة كل ما يمكن لأيّنا أن يراجعه في مثل تلك الظروف.
ندخلُ في حقيقة الواقع، الحال حال حربٍ، فقدان للأمن والأمان، حواجز على الطرقاتِ، تبحث عن تفاصيل التفاصيل، وأدقّ الأمور الشخصية.
ويذكر رغبته القوية فيها وبحبّها الذي ملكَ عليه قلبه وروحه.
وننتقل إلى الخاتمة الصادمة حتى انهمار العبراتِ، والنواح، حيث نكتشفُ أنها كلها عبارة عن ذكرياتٍ لحالةِ حبٍّ افتقدَ فيها الحبيب، ونتوه في طريقة فقده، هل قُتلَ؟ أو اعتقِلَ أوخُطفَ؟، ليترك عروسَه المستقبلية وحيدةً تتلظى في نار الفقد.
ترى هل تحققت هواجسه؟، وكتمت أنفاسه، وقتلت زهرة الحبّ، قبلَ أن تثمرَ.
هي “ق ق ج” متميزة بواقعيتها، وجملها الرصينة والمحكمة الضبط والإنشاء، المتمكنة منَ الحدث بدقائقه، وتفاصيله، عن المونولوج الداخلي الصادق الذي ينتابنا.
وطريقة السرد الجميلة التي تتهادى كما الحافلة على الطريق نحو الرّيف، بحبٍّ وتلقائيةٍ، لتظهرَ لنا العلاقات العاطفية، والحب البسيط الذي يميّز العلاقات.
خاتمة رائعة، مبهرة، حقيقةً تصعق المتلقي الذي كان يحلمُ بتلصصٍ نحوهما لحظة اللقاء، فينتشي منْ كمِّ الحبّ والشوق، ليدخلَ أو يسقطَ في سوادِ حدادٍ، وظلام افتقادٍ.
قصة متقنة، من قاصّة متمكنة، لااستغرابَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.