يفز من نومه مذعورا.. ثمة حرامي يتسلق حائط داره ..يسمع دبيب خطواته تقترب من باب غرفته .. يلتقط مسدسه من تحت وسادته .. داره تخلو من الأنارة .. محطة الكهرباء الحكومية معطلة منذ زمن طويل .. بقايا شمعته التي أوقدها أنطفأت قبل قليل .. بحث في جيوبه عن قداحته لم يجدها .. رآه شاخصاً أمامه وجهاً لوجه كالشبح الهلامي لاتبان ملامحه .. صاح به وهو يرتجف :
_من أنت ..كيف دخلت داري ؟ لم يجبه الشبح قهقه وبقي واقفا لا يتحرك .. مفاصله تكاد تنخلع رعباً , صوّب مسدسه نحوه ليقتله .. صاح به الشبح رافعا ذراعيه إلى الأعلى :
_توقف يا أخي أرجوك ؟ أشعل الشبح عود ثقاب وقربه من وجهه
_هل عرفتني الآن ؟ أنا أخاك محسن .. تقهقر رجل البيت..حدّق فيه طويلاً قبل أن يخفض ذراعه تمتم لا هثاً :
_لقد أرعبتني .. لمَ لم تطرق الباب كدتُ أن أقتلك ؟ اقتربا من بعضهما وتعانقا بقيا هكذا لدقيقتين ..
_ لقد اشتقتُ إليك كثيراً ..رجل البيت ينظر إليه بعينين دامعتين وهو يهمس بصوت متهدج :
_انقطعت أخبارك عنا .. قالوا قُتلتَ في احدى المعارك في ديزفول , وبعضهم قال أنك أسير لدى العدو .. يئستُ تماماً من عودتك لا أكاد أصدق إنك حيّ أمامي .. تعال معي يا حبيبي .. قاده من يده الى غرفته وأجلسه على الأريكة :
_اخلع ملابسك العسكرية وارتدِ
ملابس مريحة .. حتماً أنت جائع ؟ ينهض الأسير ليخلع ملابسه
_عذراً أخي العزيز فضلت أن أعبر الجدار كي لا أزعجكم .. كانت سنوات قاسية جداً .. كنتُ أسيراً لدى العدو . استطعت الهروب من قفص الاعتقال بمعجزة ..سأحكي لك فيما بعد كيف هربت . أدين بالفضل لرجل كردي طيب أوصلني الى الحدود من جهة الشمال . استدرك رجل البيت مقاطعاً :
_ سأعدُ لك طعاماً لتأكله ؟
تساءل الرجل الأسير وهو يتلفّت في أرجاء البيت بحثا عن شيء ما :
_لا أسمع صوتاً آخر في البيت .. أين زوجتي وأطفالي ؟
_سأعمل لك وجبة خفيفة بعد خروجك من الحمّام ..استدرك الأسير :
_ سألتك عن زوجتي وأطفالي ؟ ضحك رجل البيت ضحكة مفتعلة وأجاب :
_ لاعليك. إنهم بخير .. هيا أنهض لتستحم ياأخي .. قام باعداد الطعام له .. فيما دخل الرجل الأسير الى الحمّام ... يسمعُ طرطشة الماء .. يتناهى إليه صوته وهو يدندن بأغنية قديمة ( خدري الجاي خدري ) ابتسمَ رجل البيت وقد انهى اعداد وجبة الطعام ،وضعه في الطبق على طاولة صغيرة قائلاً :
_هل تريد احتساء الشاي مباشرة بعد الطعام كعادتك أم ....؟ قهقه الأسير وقال :
_لقد انتهيت الآن .. طبعاً أريد الشاي بعد الطعام (كعادتي) لم تنس شيئا أبدا ..قل لي يا أخي كيف هي أحوالكم ..ماهي أخبار زوجتك المريضةأم غائب ..هل مازالت عند أهلها في السماوة ؟ أشعر أنك تخفي عني أخبار زوجتي وأولادي ..اخبرني ماذا حدث لهم ؟ قبل أن يفكر له رجل البيت بجواب ..قال له الاسير من خلف الجدار :
_رأيتُ صورتي معلّقة على الجدار فوق رأسك تماما !
_مابها ؟
_تضع في أعلى البرواز شريطا أسود ..هل تحسبني ميتا ؟!
فجأة أنطلقت صفارة الأنذار الرئيسة .. صوتها يمزق سكون الليل ..كان صاخبا يثير الرعب .. ويوقظ النائم السكران .. قال الأسير متذمراً :
_ألم ننتهِ من صفارات الأنذار اللعينة ؟ هذه الاسطوانة المشروخة تسمعونها كل يوم ..لم يكد يكمل عبارته حتى اشتعلت سماء المدينة بأصوات الأنفجارات .. صاح رجل البيت :
_من مدة طويلة لم يقصف العدو مدينتنا ..لا اعلم ما الذي يجري .. استمر الأسير يغني .. وأصوات الأنفجارات تزداد .. هذه المرة كان الصوت قريبا جداً .. دخان كثيف ملأ أجواء البيت ..صوت تحطم أبواب وزجاج يتناثر هنا وهناك .. سقط رجل البيت الى الأرض وهو يسعل ,..انقطع الغناء ..وكفّت طرطشة الماء ..خيّم صمت ثقيل .. هدأت اصوات القذائف .. زحف الرجل الى الحمّام وهو ينادي بأسى :
_ها محسن أين أنت ؟ أعاد النداء عليه:
_محسن حبيبي هل أنت بخير ؟ .. لم يسمع شيئاً .. انخلع قلبه هلعا .. يفتح باب الحمام الموارب،يلقي نظرة فاحصة .. يجده ممددا فوق بلاط الحمام يعلوه الغبار والدخان رأى السقف منهارا من جزئه القريب..يقترب منه ..لاشيء أمامه ..يزيحُ الأنقاض بيده المرتجفة ..يشعل قدّاحته ..الحمام خاليا منه ..يخرج باحثا عنه في أرجاء البيت ..يتعثر بكتل الطابوق والإسمنت..يخرج إلى باحة الدار ..يجد الباب الرئيس مفتوحا على مصراعيه وليس في فضاء الباب سوى العتمة ..لا شيء غير الصمت المريب ! يعود ليبحث عن ملابس أخيه.. رائحته فقط هي التي كانت هنا ...قبل قليل !
عادل المعموري
_من أنت ..كيف دخلت داري ؟ لم يجبه الشبح قهقه وبقي واقفا لا يتحرك .. مفاصله تكاد تنخلع رعباً , صوّب مسدسه نحوه ليقتله .. صاح به الشبح رافعا ذراعيه إلى الأعلى :
_توقف يا أخي أرجوك ؟ أشعل الشبح عود ثقاب وقربه من وجهه
_هل عرفتني الآن ؟ أنا أخاك محسن .. تقهقر رجل البيت..حدّق فيه طويلاً قبل أن يخفض ذراعه تمتم لا هثاً :
_لقد أرعبتني .. لمَ لم تطرق الباب كدتُ أن أقتلك ؟ اقتربا من بعضهما وتعانقا بقيا هكذا لدقيقتين ..
_ لقد اشتقتُ إليك كثيراً ..رجل البيت ينظر إليه بعينين دامعتين وهو يهمس بصوت متهدج :
_انقطعت أخبارك عنا .. قالوا قُتلتَ في احدى المعارك في ديزفول , وبعضهم قال أنك أسير لدى العدو .. يئستُ تماماً من عودتك لا أكاد أصدق إنك حيّ أمامي .. تعال معي يا حبيبي .. قاده من يده الى غرفته وأجلسه على الأريكة :
_اخلع ملابسك العسكرية وارتدِ
ملابس مريحة .. حتماً أنت جائع ؟ ينهض الأسير ليخلع ملابسه
_عذراً أخي العزيز فضلت أن أعبر الجدار كي لا أزعجكم .. كانت سنوات قاسية جداً .. كنتُ أسيراً لدى العدو . استطعت الهروب من قفص الاعتقال بمعجزة ..سأحكي لك فيما بعد كيف هربت . أدين بالفضل لرجل كردي طيب أوصلني الى الحدود من جهة الشمال . استدرك رجل البيت مقاطعاً :
_ سأعدُ لك طعاماً لتأكله ؟
تساءل الرجل الأسير وهو يتلفّت في أرجاء البيت بحثا عن شيء ما :
_لا أسمع صوتاً آخر في البيت .. أين زوجتي وأطفالي ؟
_سأعمل لك وجبة خفيفة بعد خروجك من الحمّام ..استدرك الأسير :
_ سألتك عن زوجتي وأطفالي ؟ ضحك رجل البيت ضحكة مفتعلة وأجاب :
_ لاعليك. إنهم بخير .. هيا أنهض لتستحم ياأخي .. قام باعداد الطعام له .. فيما دخل الرجل الأسير الى الحمّام ... يسمعُ طرطشة الماء .. يتناهى إليه صوته وهو يدندن بأغنية قديمة ( خدري الجاي خدري ) ابتسمَ رجل البيت وقد انهى اعداد وجبة الطعام ،وضعه في الطبق على طاولة صغيرة قائلاً :
_هل تريد احتساء الشاي مباشرة بعد الطعام كعادتك أم ....؟ قهقه الأسير وقال :
_لقد انتهيت الآن .. طبعاً أريد الشاي بعد الطعام (كعادتي) لم تنس شيئا أبدا ..قل لي يا أخي كيف هي أحوالكم ..ماهي أخبار زوجتك المريضةأم غائب ..هل مازالت عند أهلها في السماوة ؟ أشعر أنك تخفي عني أخبار زوجتي وأولادي ..اخبرني ماذا حدث لهم ؟ قبل أن يفكر له رجل البيت بجواب ..قال له الاسير من خلف الجدار :
_رأيتُ صورتي معلّقة على الجدار فوق رأسك تماما !
_مابها ؟
_تضع في أعلى البرواز شريطا أسود ..هل تحسبني ميتا ؟!
فجأة أنطلقت صفارة الأنذار الرئيسة .. صوتها يمزق سكون الليل ..كان صاخبا يثير الرعب .. ويوقظ النائم السكران .. قال الأسير متذمراً :
_ألم ننتهِ من صفارات الأنذار اللعينة ؟ هذه الاسطوانة المشروخة تسمعونها كل يوم ..لم يكد يكمل عبارته حتى اشتعلت سماء المدينة بأصوات الأنفجارات .. صاح رجل البيت :
_من مدة طويلة لم يقصف العدو مدينتنا ..لا اعلم ما الذي يجري .. استمر الأسير يغني .. وأصوات الأنفجارات تزداد .. هذه المرة كان الصوت قريبا جداً .. دخان كثيف ملأ أجواء البيت ..صوت تحطم أبواب وزجاج يتناثر هنا وهناك .. سقط رجل البيت الى الأرض وهو يسعل ,..انقطع الغناء ..وكفّت طرطشة الماء ..خيّم صمت ثقيل .. هدأت اصوات القذائف .. زحف الرجل الى الحمّام وهو ينادي بأسى :
_ها محسن أين أنت ؟ أعاد النداء عليه:
_محسن حبيبي هل أنت بخير ؟ .. لم يسمع شيئاً .. انخلع قلبه هلعا .. يفتح باب الحمام الموارب،يلقي نظرة فاحصة .. يجده ممددا فوق بلاط الحمام يعلوه الغبار والدخان رأى السقف منهارا من جزئه القريب..يقترب منه ..لاشيء أمامه ..يزيحُ الأنقاض بيده المرتجفة ..يشعل قدّاحته ..الحمام خاليا منه ..يخرج باحثا عنه في أرجاء البيت ..يتعثر بكتل الطابوق والإسمنت..يخرج إلى باحة الدار ..يجد الباب الرئيس مفتوحا على مصراعيه وليس في فضاء الباب سوى العتمة ..لا شيء غير الصمت المريب ! يعود ليبحث عن ملابس أخيه.. رائحته فقط هي التي كانت هنا ...قبل قليل !
عادل المعموري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.