الصفحات

أَطلال الكَذِب | مريم بغيبغ ــ الجزائر


مَرّت سَنة، وَمازِلت أحتَضِن فُستَانكِ الوَرديِّ الذِّي مَا لبِستهِ يَومًا...فَقط لَمستِه بِأصابِعك الجَمِيلة. ..سَنة وأنَا أنَام فِي سَريرِك الذّي اختَرتيِه ذلِك اليَوم المُمطِر، فوَحدَه مازَال يَضُمّ ذكرَى ابتِسامَاتكِ الحزِِينة. ...أتَدرِين سنَة وأنَا أرَاقِب شَرُوق الشَّمسِ وَغُرُوبِها وَحدِي مِن دُونكِ... فَوقَ تلكَ القِمّة الجَبليّة الرّيفيّة التِّي انتَمينَاإلَيهَا ذَلك اليَوم عِندمَا كَان الجُنون يَتسلّل إلىَ قَدمَينا فوَجدنا أنفسَنا فَوقها نعَانق الرِّيَاح.
أتَذكَّر زَغارِيد خِطبتِنا الجَمِيلة....قُلتُ لكِ يَومَها هَامسًا :
أحقًّا صِرت لِي ؟

تَأمَّلتِني وللمرَّة الأُولىَ أرَى تفَاصِيل مُدهشَة فِي وَجهِك وأنتِ تقُوليِ
ن لِي:
نعم عِزيزَتي هَا قد صِرت لك ...
أنتِ كاذِبة. ...كاذبَة بِكلِّ جَمالك الرَّائِع كَاذِبة حتَّى فِي صِدقِك... عَينَاك تُحدِّقانِ بِي أرَدتِي إخبارِي المَزيد مِن الكَذب. ..
أتذكَّر حَدائقَ اللَّوز التِّي كانَت مَلاذَنا الوَحِيد عِندَمَا تَضيقُ بنا المَدِينة بِضجِيجِها وفَوضَاها...نُنفِّس عَن بعضِنا نتَبادل الحَدِيث نَتَبادل الكَذِب، حَياتنا مُستقبلنا أَنا وَأنتِ قُُلت لكِ يَومهَا وَنحن نتأمّل فِي خشُوع عُشَّ النّوارِس. ..مَاذا لو بنَيت لكِ عُشا كهَذا فِي قِلبي هل تِسكنِين فِيه ؟
قاطَعتنِي بدَندَنات عُصفورٍ برِيء:
لا أحِبّ عُشَّ النّوارِس لأنّهَا تهجُرها لا تستِقرّ فيهَا إلَّا لتَبِيض، وأنَا أرِيد أن أستَقِرَّ فِي قلبِك دون عُش فَسأكتفِي بِذلك، يَومها ودَدت أن أضمَّك بَين أحضَانِي لَكانَت لحَظات أتذَكّرُها الآَن لتُؤنِس وِحدَتِي ، مَاذا بَعد رحِيلك ؟ لَم يَبق إلَّا هَذا الفُستَان الوَردّي أضُمّه فأشُمّ رائحَة ملَوِّن الأظَافِر ، فُستان كَان يَجبُ أن ترتَدِيه فِي عِيد ميِلادِك ، تلَهَّفت يَدك إليه ونَحن نتَبضِّع ...فَجأة عمّ الصُّراخ والضَّجِيج الكلُّ هَارب فِي اتِّجاهٍ وَاحِد طلقَات نارِيّة أرعَبتنَا، فَجأة بَعدَما كنَّا نطِير مِن الفرَح ، مُواجَهة بَين الشُّرطَة وأشخَاصًا لا نَعرفُهم فقط نَسمَع عَنهُم تلكَ الأخبَار المُخيفَة من ذلكَ الصُّندوق الذِّي لا يُخبرنا إلَاّ بالعَجَب ، كلّ شَيء اختَلط الهَارب والمُتَّهم البَائع والمُشتَري ولَم نَعُد نَعي شَيئا لتَسقُطي أَمامِي ويَسقُط الفُستان مِن يَدك ، حَملتَه يدَاي ورُحت فِي هَلع أتأَمّل جَسدَك المَمدُود علىَ الأرضِ ،طلقاتٍ نارِيّة طَائشة أَيقظَتنِي فَجأةً مِن شُرودِي ،أرَدت لَمس أَصابِعك للمَرّة الأُولَى ،صَرَخت بِكل قُوَّتي: كَفى كَفى... ولَكن لَا أحَد يُبالِي ...ضَمَمتك فِي لَحظة ضُعفٍ وَصِحت:
أيّتهَا الكاَذبة مَا كُنت يَومًا لِي شَيَّعت جَنازَتك لأشَيّع مَعَها أحلاَمِي المُغتالَة علَى مِقصلِة الكَذِب، أيَّتها الكَاذبَة هَا قد أصبَحت كالنَّوارِس فَسَأظَلّ وَحدِي أرَاقِب شُرُوق وغُروبِ الشَّمس وأنَا أحتَضِن فُستانَك الوَردِيِّ الكَاذِب .

مريم بغيبغ/ الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.