... عندما كنّا أطفالا كنّا سذّجا حدّ الغباء. كانت الأمّهات الطيّبات الحاذقات يُغريننا بمقدم غزالة ساحرة تأتينا بالموز واللوز والحلوى وكلّ الطيّبات، إذا ما نمنا عند القيلولة. وكنّا نتسابق إلى الفراش وتلك الأحلام اللّذيذة تراودنا وتسبقنا إليه؛ بل إنّنا كنّا نفيق على شبع ورواء وحبور وكأنّ تلك الغزالة قد أكرمتنا فعلا، وما تساءلنا يوما عن مدى صدق الأمّهات... ! !
أبنائي كانوا أقلّ سذاجة ممّا كنتُ ولكنّهم كانوا يصدّقون أنّ لي عصفورة تخبرني بكلّ ما يفعلون عندما أكون خارج البيت؛ لذلك كانوا حذرين من ارتكاب ما يغضبني، بل إنّهم كانوا يصدّقون أنّي أراهم من قاعة الدّرس بالطابق الثاني بالمعهد الذي أعمل به ولا يبعد عن البيت كثيرا !
أحفادي ـ حفظهم الله ـ لا تنطلي عليهم حيلي وإن اجتهدتُ في حبكتها، فتراهم على صغر سنّهم يشكّون في كلّ ما أُحدّثهم به ويمطرونني أسئلة فأجهش ضحكا وينكشف أمري فيسعدون بانتصارهم عليّ ويمعنون في الرّفض وخاصة النوم نهارا !
أنا لا أزال إلى اليوم تلك الطفلة السّاذجة التي يغريها نوم القيلولة... لتحلمَ ! بيْد أنّي لم أعد أحلم بمقدم تلك الغزالة محمّلة بما لذّ وطاب... بل صار لي حلم مطّرد، صرتُ أحلم بسرب من الطّائرات العملاقة تحمل إلى أبناء شعبي المعوزين ما يقيهم القرّ والحرّ والظلم والخصاصة... وتدعو النّاس جميعا إلى الكدّ والجدّ وتزهّدهم في المقاهي وأكل الأعراض والأموال باطلا... وعند العودة إلى مراسيها تحمل على متنها كلّ لصوص البلد والخونة والمتسلّقين والمتأسلمين والأدعياء والمُرائين والمتشاعرين والسّماسرة...
صار لي حلم يتيم: أن أرى وطني ـ كما كلّ الأوطان ـ يُربع ويُزهر ويُثمر بعد سنوات عجاف من "ثورة الياسمين" !
مساكن، في 12 جانفي 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.