تقديـــــــــــــم:
يعتبر الوصف مكونا من مكونات الرحلة؛ إذ يحتل مكانة تسمح له بأن يشتغل على خصوصيات دقيقة تتعلق بكل الأشياء، بالإضافة إلى صعوبة تعريفه نظريا، خصوصا لما يتعلق الأمر بوصف أشياء غرائبية وعوالم مسحورة حلمية وغير منطقية'. فالرحَّالة دائما ما يتوسل بالوصف من أجل التقرب إلى ذهن المتلقي؛ إذ يعمل على وصف الأمكنة وصفا دقيقا يجعل المتلقي الفارغ الذهن عن المكان، يخرج بصورة كاملة عنه وينتقل معه ذهنيا إلى كل الأمكنة التي وطأتها أقدام الرحالة، دونما حاجة منه إلى الانتقال الفعلي للمكان. فالوصف في مثل هذه الحالة "وصف لأشياءٍ مجسمة تجعل الواصف يختار مفرداته بدقة، فيمزج الوصف بالحوار لتأكيد ما يَصِف". وهو في مثل هذا الموقف الوصفي يكون في حالة إخبار للمتلقي من حيث لا يشعر، على حد تعبير عبد الملك مرتاض، لأن "الوصف يضطلع عادة بإبلاغ معرفة". فإلى أي حد اضطلع الوصف بوظيفة جمالية وشكلية تجعله يتخذ صورة أروع في ذهن المتلقي؟ وكيف احتل الوصف مكانة مرموقة في الخطاب الرِّحلي؟ وهل قام الرحالة بوصف دقيق للأشياء التي رآها كما يجب؟ أم أن اللغة الواصفة لم تسعفه وحالة دون الأشياء الموصوفة؟
أهمية الوصف في السرد الرحلي: يعتبر الوصف وسيلة من وسائل التقريب داخل الرحلة، إذ يعمل على تشخيص المشاهد والصور والأحوال المرئية، المتعلقة بالآخر المختلف، وتبين كذلك مدى تفاعل الحالة معها، الى جانب دور آخر وهو تهويل المغامرة من خلال الأوضاع التي وصل اليها الوفد، نتيجة قساوة أحوال الطقس، وصعوبة الطريق. من خلال تأملنا في جميع التعاريف المتعلقة بالوصف يتبين لنا أنه يرتكز على مكونات أساسية، وهي:
أولا: التركيز على الأشياء إذ يقوم الوصف حسب "جيرار جنيت" بعرض الأشياء والشخصيات. كل الموجودات التي تمر عليها العين وتلتقطها. وخطاب الرحلة نص يحاول الرحالة فيه نقل ووصف وتقريب المشاهدات التي تكون في الغالب عبارة عن أشياء الى جانب الانسان.
ثانيا: التركيز على الرؤية نصف ما هو مرئي وما تقدر العين على وصفه، يقول هامون " تحديد شيء وجعله مرئيا" وبالتالي الاجماع على جعل الوصف تاما وفي متناول البصر والاحساس، وحسب فانطاني "عرض شيء ما أمام الأعين وجعله معروفا من خلال تفصيل أهم مكوناته. ما يعمل الرحالة على فعله وفق الامكانات المتاحة".
ثالثا: تعريف الشيء وإظهاره وكشفه، وهي الغاية المُثلى من الوصف يقول: قدامة بن جعفر "وأما الوصف فهو ذكر بعض الأشياء التي تخص الشيء الموصوف، وليست ثابته على حده كما يقال في الدار إنها الواسعة أو الضيقة أو المبنية بالجص والآجر؛ وكما يقال في الرجل الطويل الأسمر، وكل هذه أوصاف لا تأتي على الحد بل يشرك الموصوف بها غيره فيها" وبذكر شيء كما فيه من الأحوال والهيئات باعتبار الوصف وسيلة من وسائل الاظهار والكشف، والغاية منه هي تقديم معرفة عن الأشياء والأماكن والشخصيات الموصوفة بغاية نقلها للمتلقي وتعليمه، عرفه هامون قائلا: ملفوظ ديداكتيي يتم عبره نقل معلومة موضوعية حول عالم ما حقيقية أو مجرد ممكنة" وبالتالي ارتباطه الوثيق بالبعد التعليمي الذي يشتغل بالمعرفة وبنقلها عبر صيغة التقرير، والوصف آلية من آليات اشتغاله اذ يحاول ما أمكن التدقيق في نقل الأشياء. يقول سامي الدهان محقق الرحلة مشيدا بتقنية الوصف ومبرزا أهميتها " فيجيد في الوصف على أروع ما يجود فيه الأدباء يصور في نفسه من مشاعر الفرح والغبطة والخوف والفزع والعجب، فيقربنا من المشاهد التي رأى تقرب أديب أريب لا فقيه مبشر". ويضيف يصف الحكام والأمراء ورحال الشعب على حد سواء ويرسم الهيئات والوجوه على إيجاز الرسالة وقصرها.
طريقة التحديد والوصف التي تختلف بحسب الشيء الموصوف ومدى جدته وغرابته كما هي الحال بالنسبة لأشياء ابن فضلان التي تتميز معظمها بالجدة والغرابة اذ تستدعي التوقف للوصف والتدقيق فيها، وعلاقته بالواصف ومدى انفعاله معه وما آثاره فيه وما خلقه في نفسيته، فنحن لا نصف الا التي آثرتنا وبقيت عالقة بذاكرتنا، هذا يفسر الدور الانتقائي الذي يقوم به الواصف، وعلاقة الشيء الموصوف بذخيرة الواصف وعلاقته بالتالي بكشف المجودات المشابهة له أو المختلفة عنه.
استنتاج: لعلنا وقفنا على أهم خصوصيات الوصف داخل رحلة ابن فضلان، على اعتبار أنها تقوم على النموذج الارشادي العَيان، فالرحَّالة يذهب ليرى أشياء جديدة أو قديمة ليعود ويرويها للمتلقي، عبر هذه العملية تم الوصف، كما تطرقنا إلى عجز اللغة في بعض الأحيان عن احتواء الأشياء، وبالتالي لجوء ابن فضلان إلى أسلوب النفي والتفضيل. كذلك قلة الوصف، بالمقارنة مع السرد والتقرير، فالوصف يأتي في خضمِّهما، إما أي يعمل على تحبيك الحكاية وإعطاء تشويق للقارئ من خلال الأوصاف المقدمة عن الحالة التي وصل إليها الوفد الذي كان على رأسه ابن فضلان أو تقريب الأحكام والتقارير المقدمة من المتلقي.
الملحقــــــــــات
1- حليفي شعيب. شعرية الرواية الفانتاستيكية' ص 142.
2- مرتاض عبد الملك " في نظرية الرواية, ص,301.
3- قسومة الصادق, طرائق تحليل القصة، ص 203.
4- بوشعيب الساوري، الرحلة والنسق، دراسة في إنتاج النص الرحلي رحلة ابن فضلان نموذجا" ط1. 2007. ص230.
5- قدامة بن جعفر "نقدر الشعر"
6- رحلة ابن فضلان مقدمة المحقق ص. 28.
يعتبر الوصف مكونا من مكونات الرحلة؛ إذ يحتل مكانة تسمح له بأن يشتغل على خصوصيات دقيقة تتعلق بكل الأشياء، بالإضافة إلى صعوبة تعريفه نظريا، خصوصا لما يتعلق الأمر بوصف أشياء غرائبية وعوالم مسحورة حلمية وغير منطقية'. فالرحَّالة دائما ما يتوسل بالوصف من أجل التقرب إلى ذهن المتلقي؛ إذ يعمل على وصف الأمكنة وصفا دقيقا يجعل المتلقي الفارغ الذهن عن المكان، يخرج بصورة كاملة عنه وينتقل معه ذهنيا إلى كل الأمكنة التي وطأتها أقدام الرحالة، دونما حاجة منه إلى الانتقال الفعلي للمكان. فالوصف في مثل هذه الحالة "وصف لأشياءٍ مجسمة تجعل الواصف يختار مفرداته بدقة، فيمزج الوصف بالحوار لتأكيد ما يَصِف". وهو في مثل هذا الموقف الوصفي يكون في حالة إخبار للمتلقي من حيث لا يشعر، على حد تعبير عبد الملك مرتاض، لأن "الوصف يضطلع عادة بإبلاغ معرفة". فإلى أي حد اضطلع الوصف بوظيفة جمالية وشكلية تجعله يتخذ صورة أروع في ذهن المتلقي؟ وكيف احتل الوصف مكانة مرموقة في الخطاب الرِّحلي؟ وهل قام الرحالة بوصف دقيق للأشياء التي رآها كما يجب؟ أم أن اللغة الواصفة لم تسعفه وحالة دون الأشياء الموصوفة؟
أهمية الوصف في السرد الرحلي: يعتبر الوصف وسيلة من وسائل التقريب داخل الرحلة، إذ يعمل على تشخيص المشاهد والصور والأحوال المرئية، المتعلقة بالآخر المختلف، وتبين كذلك مدى تفاعل الحالة معها، الى جانب دور آخر وهو تهويل المغامرة من خلال الأوضاع التي وصل اليها الوفد، نتيجة قساوة أحوال الطقس، وصعوبة الطريق. من خلال تأملنا في جميع التعاريف المتعلقة بالوصف يتبين لنا أنه يرتكز على مكونات أساسية، وهي:
أولا: التركيز على الأشياء إذ يقوم الوصف حسب "جيرار جنيت" بعرض الأشياء والشخصيات. كل الموجودات التي تمر عليها العين وتلتقطها. وخطاب الرحلة نص يحاول الرحالة فيه نقل ووصف وتقريب المشاهدات التي تكون في الغالب عبارة عن أشياء الى جانب الانسان.
ثانيا: التركيز على الرؤية نصف ما هو مرئي وما تقدر العين على وصفه، يقول هامون " تحديد شيء وجعله مرئيا" وبالتالي الاجماع على جعل الوصف تاما وفي متناول البصر والاحساس، وحسب فانطاني "عرض شيء ما أمام الأعين وجعله معروفا من خلال تفصيل أهم مكوناته. ما يعمل الرحالة على فعله وفق الامكانات المتاحة".
ثالثا: تعريف الشيء وإظهاره وكشفه، وهي الغاية المُثلى من الوصف يقول: قدامة بن جعفر "وأما الوصف فهو ذكر بعض الأشياء التي تخص الشيء الموصوف، وليست ثابته على حده كما يقال في الدار إنها الواسعة أو الضيقة أو المبنية بالجص والآجر؛ وكما يقال في الرجل الطويل الأسمر، وكل هذه أوصاف لا تأتي على الحد بل يشرك الموصوف بها غيره فيها" وبذكر شيء كما فيه من الأحوال والهيئات باعتبار الوصف وسيلة من وسائل الاظهار والكشف، والغاية منه هي تقديم معرفة عن الأشياء والأماكن والشخصيات الموصوفة بغاية نقلها للمتلقي وتعليمه، عرفه هامون قائلا: ملفوظ ديداكتيي يتم عبره نقل معلومة موضوعية حول عالم ما حقيقية أو مجرد ممكنة" وبالتالي ارتباطه الوثيق بالبعد التعليمي الذي يشتغل بالمعرفة وبنقلها عبر صيغة التقرير، والوصف آلية من آليات اشتغاله اذ يحاول ما أمكن التدقيق في نقل الأشياء. يقول سامي الدهان محقق الرحلة مشيدا بتقنية الوصف ومبرزا أهميتها " فيجيد في الوصف على أروع ما يجود فيه الأدباء يصور في نفسه من مشاعر الفرح والغبطة والخوف والفزع والعجب، فيقربنا من المشاهد التي رأى تقرب أديب أريب لا فقيه مبشر". ويضيف يصف الحكام والأمراء ورحال الشعب على حد سواء ويرسم الهيئات والوجوه على إيجاز الرسالة وقصرها.
طريقة التحديد والوصف التي تختلف بحسب الشيء الموصوف ومدى جدته وغرابته كما هي الحال بالنسبة لأشياء ابن فضلان التي تتميز معظمها بالجدة والغرابة اذ تستدعي التوقف للوصف والتدقيق فيها، وعلاقته بالواصف ومدى انفعاله معه وما آثاره فيه وما خلقه في نفسيته، فنحن لا نصف الا التي آثرتنا وبقيت عالقة بذاكرتنا، هذا يفسر الدور الانتقائي الذي يقوم به الواصف، وعلاقة الشيء الموصوف بذخيرة الواصف وعلاقته بالتالي بكشف المجودات المشابهة له أو المختلفة عنه.
استنتاج: لعلنا وقفنا على أهم خصوصيات الوصف داخل رحلة ابن فضلان، على اعتبار أنها تقوم على النموذج الارشادي العَيان، فالرحَّالة يذهب ليرى أشياء جديدة أو قديمة ليعود ويرويها للمتلقي، عبر هذه العملية تم الوصف، كما تطرقنا إلى عجز اللغة في بعض الأحيان عن احتواء الأشياء، وبالتالي لجوء ابن فضلان إلى أسلوب النفي والتفضيل. كذلك قلة الوصف، بالمقارنة مع السرد والتقرير، فالوصف يأتي في خضمِّهما، إما أي يعمل على تحبيك الحكاية وإعطاء تشويق للقارئ من خلال الأوصاف المقدمة عن الحالة التي وصل إليها الوفد الذي كان على رأسه ابن فضلان أو تقريب الأحكام والتقارير المقدمة من المتلقي.
الملحقــــــــــات
1- حليفي شعيب. شعرية الرواية الفانتاستيكية' ص 142.
2- مرتاض عبد الملك " في نظرية الرواية, ص,301.
3- قسومة الصادق, طرائق تحليل القصة، ص 203.
4- بوشعيب الساوري، الرحلة والنسق، دراسة في إنتاج النص الرحلي رحلة ابن فضلان نموذجا" ط1. 2007. ص230.
5- قدامة بن جعفر "نقدر الشعر"
6- رحلة ابن فضلان مقدمة المحقق ص. 28.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.