الصفحات

الفوز في المسابقات الأدبية | بقلم: رائد الحسْن

تحدَّثنا في مقالاتٍ سابقة وأكّدنا على أن المسابقات هي الفاكهة اللذيذة التي تقدّمها إدارات المجموعات الأدبية لأعضائها والتي مِن خلالها تستقطب المزيد منهم لتستمر بنجاحها وتزدان بتألّقها لتحقيق غايتها المرجوة .
وكذلك هي الميدان الرحب الذي يتم فيه التباري بين أعضاء المجموعة الواحدة في فن أدبي ما ويجري تكريمهم كنوع مِن التشجيع والتحفيز وإبقاء شعلة النشاط مُتقِّدة، ومِن خلالها يعرِف المُتسابق موقعه بين أقرانِه(ضمن المجموعة الواحدة).

... وجود المسابقات في مجموعة ما يعمل على جذبِ أعضاء أكثر، سَعيًا نحو عرض الأفكار ووضعها في قائمةِ التنافس وطرحها في خانة التحكيم لتأخذ حصتها وحقها واستحقاقها مِن التقييم.
... في كل مسابقة، هناك تسلسلات تمنحها إدارة المجموعة، قد تكون للأوائل الثلاثة أو الخمسة أو العشرة وهذا الرقم يتبع سياسة المجموعة ونهجها وحجم وعدد النصوص المشاركة في المسابقة ونوع اللون الأدبي المشارَك به، وتظهر النتائج على ضوء تقييم لجنة التحكيم وحسب أفضلية النصوص وتلبيتها لشروط ذلك الفن.
... هناك مسابقات فصلية، شهرية، أسبوعية، ويومية، كذلك تتحدَّد وفق سياسة إدارة المجموعة ونوع الفن الأدبي، وغالبًا، المسابقات اليومية تتخصَّص لفن قصة الومضة ذات الإيقاع السريع.
... مِن البديهي كل مسابقة بها أوائل، لكن ليس بالضرورة أن كل هؤلاء الأوائل هم متمكّنين مِن الفن الأدبي المَعني، فهناك مسابقات تُعاني مِن رداءة النصوص وشحّة المُبدعين، وللأسف يظن أصحاب التسلسلات المتقدّمة(فيها) بان نصوصهم متميَّزة، وبالحقيقة تميّزها ليست سوى على نصوص أقرانهم المتواضعة (في تلك المسابقة فقط).
... المسابقات بشكل عام ليست هي المؤشّر الوحيد لمستوى الكاتب وخاصة عندما تتكرّر نتائج باهرة لمتسابقٍ ما في مجموعةٍ واحدة أو مجموعتين أو حتى ثلاثة، فالحصول على مراكز متقدّمة وبمجموعاتٍ عديدة ولأوقاتٍ طويلة مع اختلافِ وتغيير أسماء المحكّمين، ربما تهب إشارة واضحة لتفوّق ذلك المتسابق، وبكل الأحوال، المسابقات ليست هي الدليل القاطع والبرهان الأكيد والمعيار الوحيد على قدرةِ ذلك الكاتب أو المشارك وتمكّنه مِن ذلك اللون الأدبي.
... تعدّدتْ المجموعات وازدادت، بالرغم مِن تشابه ما تحمله مِن نفس الغاية والهدف، ودخلَ لميدان التحكيم بعض المُحكّمين (الطارئين) بسببِ النقص الحاصل في عددِ المُحكّمين لكثرة المجموعات والمسابقات؛ كثرتْ الشهادات، والسباق اتَّخذَ طابع المنافسة المَحمومة بين المجموعات، أكثر مِن التباري المحمود بين المشاركين بها(أنفسهم)؛ وكل حاجة تزداد، تقلّ قيمتها، فنرى الشهادات بكل جمالياتها وحللها وتصاميمها البديعة، تنتشر وبوفرة في كلِّ مكان، وأخذَ يغرفُ مِنها المستحق وغير المستحق، وأنسحبَ ذلك سلبًا على مكانةِ المسابقات وأهميتها وعلى الفنِّ الأدبي المَعني مِن خلال صعود(بعض النصوص) الهزيلة وحصولها على مراتب متقدّمة، والذي سيتبوّأ أصحابها، أماكنهم في لجانِ التحكيم (في المستقبل القريب)، مِمَّا يتعاظم الأثر السلبي على كل مرافق العملية الأدبية.

... لكلِّ مسابقة ظروفها ولا يعوّل على نتائجها دائمًا ولا يمكن اعتبار التقييم الظاهر هو دقيق ومؤشّر حقيقي لمستوى الكاتب، فالمسابقة الواحدة تخضع لمؤثرات وعوامل كثيرة، أهمَّها :
..... المحكّم، فوجود مُحكّم واحد(طارئ) أو عدم فهم محكّم ما لفكرة النص أو كان بمزاج سيء تلك اللحظة أو عدم تمكّنه وقلة درايته من شروط وأسس الفن الأدبي المَعني أو ضغط الوقت الذي يُحرَج به مُمكن أن يقلب ميزان الدرجات.
..... إدارة المجموعة و الآلية أو السياق الذي تتبعه في تلك المسابقة، هل تستلم النصوص كتعليق أسفل المنشور ويُرى من قبل الجميع، أم يرسل إلى صفحة المجموعة ويبقى مُعلًقًا لحد انتهاء المسابقة، أو يرسل على الخاص لمسؤول المسابقة، هل تقبَل النصوص المشاركة في مسابقة سابقة، السقف الزمني للمسابقة، نوع الفن الأدبي والموضوع المتسابق به، كيفية اختيار المحكّمين ونوعيتهم ومدى قدرتهم على القيام بالمُهِمَّة على أتم وجه؟.
..... نوعية وقوّة المتسابقين المشتركين في المتسابقة.
... يجب أن تتم المسابقات بروح رياضية عالية، وعلى المتسابق القبول بالنتيجة وعدم تعكير الأجواء، والابتعاد عن التشهير بالمحكّم الفلاني والطعن بنزاهة التحكيم أو التجاوز على الإدارة كرد فعل للتقييم غير العادل لنصّه، قد يكون هناك خطأ أو تقصير حقيقي (أو غير حقيقي ومجرّد وهم) في مفصل مِن مفاصل المسابقة بسبب هذا الطرف أو ذاك، لكن بالنهاية تبقى هي مسابقة، غايتها هو جمع كل الكتّاب والمشاركين على المحبة وإظهار درجات الإبداع الكثيرة والاستمتاع بالأفكار المتنوعة والاستفادة من الأساليب المختلفة والتعرّف على ألوان المواهب وأشكال الثقافات وتعدّد الإمكانيات، ويجب أن لا تكون النتيجة هي الهَم الأول والشغل الشاغل للمتسابق، الذي عليه الاقتناع بتقييم لجنة التحكيم.
وهنا تقع مسؤولية اختيار المحكمين على إدارة المجموعة وخاصة مسؤول المسابقة والمشرف عليها، حتى لا تظهَر أية شكوى وتبقى القناعة عند الجميع بان لجنة التحكيم كفوءة ونزيهة، لكن لو وقع خطأ جسيم، فيكتب المتسابق المعترض على الخاص إلى مسؤول المسابقة مُثبتًا ملاحظاته واعتراضه، و يتخَذ الإجراء المناسب للحالة السلبية التي وقعت، وبيان بتوضيح، عن سبب الخطأ الحاصل(لو كان حقيقيًا) ومعالجته بغية عدم تكراره.
... في ظل وجود عشرات المجموعات الأدبية التي تحمل بصماتً مُتشابِهة وتعتمد نفس الأهداف وتهتم بذات الألوان الأدبية، تظهر مشكلة قلّة المُحكّمين القادرين على أداء دورهم بأكمل وجه، مِما يستدعي ترشيح أشخاصًا لا يمتلِكون خبرة في التحكيم ولا يفقهون شروط وأسس الفن المتسابَق به ويفتقرون إلى العمق المعرفي والأدبي والثقافي المطلوب توفّره كمحكّم وكاتب، ويتم استدعائهم من أجل إكمال نصاب عدد أعضاء اللجنة والحصول على هيكلية مسابقة توحي للمُتابع أنها مكتملة المظهر (دون الجوهر)، وهذا سيؤثر في النهاية على طبيعة عملية التحكيم برمّتها ومستوى التقييم وطبيعة النتائج، فتصعد نصوصٌ ليست ذات قيمة، ولا أريد القول بأنها رديئة، ويتبوّأ أشخاصٌ مراكز متقدّمة لا يستحقونها، وينسحب هذا(في الآخر) سلبًا على الفن الأدبي المَعني، لأن القارئ المُبتدئ سيظن أن النصوص الفائزة هي التي تمثّل ذلك الفن الأدبي المهتَم به.
... الاختيار السيئ للمحكّمين بسبب قلتهم(لكثرة المسابقات أو ندرة المتمكّنين المتخصّصين في اللون الأدبي) أو يكون الترشيح على أساسِ الصداقات والعلاقات أو (أمور أخرى)، يعود بالسوء على سمعة المجموعة والمحكّمين(أفرادًا وعمليةً) وبالتالي تشوّه معالم وجه ذلك الفن.
وتكرار نفس المحكّمين بنفس المجموعة، ستُظهِر نتائج متماثلة كل مرة بسبب جنوح محكّمي تلك المجموعة واعتمادهم نفس المعايير المُستخدمة في كل مسابقة وبنفس الذائقة الأدبية، فنرى النتائج وأسماء مُتصدّري القائمة، قريبة مِن التطابق.
كثرة المُسابقات وتكرار نفس المحكّمين في تقييم النصوص في مختلف المجموعات، سترهقهم وتضغط عليهم وتضيّق من فسحة وقتهم وتؤثّر حتى على التقييم والنتائج، خاصة في ظل غياب سقف زمني محدّد وعدم وجود رؤية واضحة لآلية التقييم الصحيح(في بعض المجموعات).
... يبقى لطعمِ الفوز مَذاقًا لذيذًا في أنفس المشتركين، ومن حقِّ أي إنسان أن يثبت الذات ويسعى نحو التفوّق والتألّق والنجاح وحصد جوائز المجموعات واعجابات أقرانه والمُهتَمين؛ بوجود عوامل استحقاق عديدة: بقدرته، قوّة موهبته، سعة ثقافته، تمكّنه من اللغة العربية، جهوده الذاتية ومتابعاته وقراءاته، خزينه المَعرفي، رصيده ألمعلوماتي، اطّلاعاته وتجاربه، اشتراكه في العديد من المُسابقات وفي مجموعات عديدة و كثيرة ولزمنٍ طويل (نسبيًا)، كلها تجتمع لتجسّد نتيجة مرموقة يأخذها اعتمادًا على آلية صحيحة شفّافة في المسابقات تركّز فيها إدارات المجموعات على نوعيتها دون عددها، (لا تكون فيها المسابقات غاية بل وسيلة، ولا تكون المسابقات بين المجموعات الأدبية لغرض التباري المحموم بينهم، بل تكون بين أعضائها للتنافس الشريف)، مُعتمدين آلية جيدة في المسابقة(من لحظة عرض إعلان المسابقة وبيان شروطها مرورًا بتوزيع النصوص على المحكمين انتهاءً بإعلان النتائج) واختيار مُحكّمين لهم مِن الخبرة والدراية والانجازات والمهارة الكثير، لأجل الوصول إلى نتائج أقرب ما تكون إلى العدالة والشفافية، ليكون فيها الفوز المُنال عن استحقاق وجدارة وله نتائجه وانعكاساته الإيجابية بشكل مباشر أو غير مباشر على كلِّ الأصعدة وأغلب المجالات، بدءًا من تأثيرِها الفاعل على الفائز وانتهاءً بمنافعها وفوائدها الكثيرة على الأدب.
________________________
رائد الحسْن/ العراق
في 17 كانون الثاني 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.