الصفحات

السومريون أقدم أسلوب للكتابة في المسيرة الانسانية | إعداد د . أدهم شقير

لم يكن اختراع السومريون لأقدم أسلوب للكتابة حدثاً عارضاً في المسيرة الانسانية، بل أعتبر بحق واحداً من أَعظم الانجازات الحضارية في تاريخ البشرية ،الذي وضع حداً فاصلاً بين مرحلتين أساسيتين من مراحل التطور الحضاري، حيث انتهت مرحلة عصور ما قبل التاريخ لتبدأ بعدها مرحلة العصور التاريخية.
وقد حدث هذا الانجاز الرائع ، الذي يؤرخ بحدود 3200 ق.م في مدينة (الوركاء) في التل المعروف بأسم (جمدة نصر) في مدينة بابل ، يبعد هذا الموقع 26 كلم شمال مدينة كيش السومرية.


عرف هذا الأسلوب من الكتابة بأسم (الكتابة المسمارية) نظراً لأشكالها التي تشبه المسامير،علماً أنه لايصح أطلاق هذه التسمية على المراحل الاولية من اسلوب الكتابة هذا ، بل في مراحلها اللاحقة فقط بعد أن أصبحت العلامات المكتوبة تأخذ الأشكال الشبيهة بالمسامير، نتيجة شكل وطريقة الكتابة بالأقلام المعمولة من القصب على الواح الطين الذي أصبح المادة الأساسية للكتابة، لتوفره وخفة وزنه ولسهولة تشكيله بأشكال وأحجام مختلفة حسب الحاجة، كما تجدر الاشارة الى أنه قد تمت الكتابة كذلك على مواد أخرى أيضاً كالحجر والخشب والعظم. استمر استعمال اسلوب التدوين هذا في المشرق العربي ومناطق الجوار (بلاد فارس والأناضول) طوال ثلاثة آلاف عام تقريباً.

الصعوبات التي واجهت علماء الاثار في تحليل رموز الكتابة المسمارية :

بدأت محاولات فك شفرة الكتابة المسمارية في القرن الثامن عشر ، بعد محاولة بعض العلماء الاوربيين البحث عن المناطق و الاحداث التي ذكرت في الانجيل (Bible).

لقي العلماء صعوبة في ترجمة الكتابة المسمارية لعدة اسباب منها :
1- الكتابة المسمارية كانت غير مستخدمة لالاف السنوات ، حيث استمر استخدام المسمارية حتى القرن الأول قبل الميلاد. مع مرور الزمن، أصبحت منسية حتى القرن 19 الميلادي، عندما قام علماء الاثار بفك رموزها.

3- تعتبر اللغة السومرية لغة معزولة لا تشابه أي لغة في المناطق الجغرافية القريبة منها.

2- العديد من الحروف كانت كلمات أو مقاطع. بالإضافة إلى ذلك فإن كثيرًا من الشعوب القديمة التي استخدمت هذه الكتابة استنبطت تفاسيرها الخاصة لرموز الكتابة المسمارية. ولهذا فقد يكون للرمز الواحد معان عديدة .

فك شفرة رموزالكتابة المسامرية :

1- كان فضل حل رموز اللغة السومرية يعود الى البابليين والاشوريين انفسهم اذ تركوا عدد من الرقم الطينية عبارة عن معاجم لغوية تكتب فيها الكلمة باللغة الاكدية ومقابلها لفظها السومري وذلك من اجل تعلم الكتاب اللغة السومرية.

2- بدأت الخطوات الأولى لحل رموز الخط المسماري من خلال الزيارات والرحلات التي قام بها الرحالة الأوربيون إلى الشرق. كان أول أولئك الرحالة الذين قاموا بزيارة الشرق هو الايطالي (بترو ديلا فاله) الذي زاره إطلال مدينة برسيبوليس("مدينة الفرس" عاصمة الدولة الاخمينية التي شيدها داريوس الكبير) في إيران، فعثر على أجرة مكتوبة بكتابة مسمارية، كما استنسخ بعض الكتابات، وقام بنشرها في أوروبا.

3- ثم قام العالم الدنماركي (كرستن نيبور) باستنساخ بعض كتابات برسيبوليس ونقلها إلى أوروبا عام ١٧٦٥، والتي كانت تتألف من ٤٢ علامة، والتي تم البرهنة لاحقا من قبل العلماء ان كتابات برسيبوليس (عاصمة الدولة الاخمينية) تتألف من تمثل ثلاث لغات مختلفة(البابلية-العيلامية-الفارسية).

وقد تمكن العالم (مونتر) في عام ١٨٠٢م من اثبات كون كتابات برسيبوليس تعود إلى الامبراطورية الأخمينية (559-331 قبل الميلاد)، وأن لغتها مشابهه إلى لغة الكتاب المقدس عند الزرادشتيين المعروف باسم (أفستا)(Avesta)، كما استطاع إن يحدد العلامات التي تؤلف كلمة "ملك".

4- من المعروف ان اللغة الفارسية القديمة كانت معروفة بالنسبة للباحثين من خلال دراسات الفرنسي دوبيرون الذي تعلمها من البارسيين الموجودين بالهند، وهم بقايا الزرادشتيين الذي هاجروا من ايران الى الهند وكانوا ما يزالون حتى القرن التاسع عشر يقرأون كتابهم المقدس بلغته القديمة.

5- يعود الفضل الى العالم الالماني گروتفند في ترجمة النص الفارسي من كتابات برسيبوليس الذي كان يضم ٤٢علامة مسمارية تمثل حروفا هجائية وليس كتابة مقطعية ، كما تمكن من قراءة أسماء الأعلام وألقابهم المدونة باللغة الفارسية القديمة. وكان گروتفند قد استند في ترجمته على قاعدتين هما:
أ- ان نصوص برسيبولس تعود للإمبراطورية الاخمينية.
ب- معرفة العلماء بأسماء ملوك الامبراطورية الاخمينية من مصدرين هما:
اولا : الكتاب المقدس خاصة العهد القديم، اذ ترد فيه معلومات كثيرة عن ملوك الدولة الاخمينية واخبارهم.
ثانيا : الكتابات الكلاسيكية لاسيما المؤلفات الاغريقية واهمها كتاب المؤرخ الاغريقي هيرودوت.

المؤرخ الاغريقي هيرودوت

وهذا يمكن من خلال دراسة المؤلفات الاغريقية معرفة ان الملك الذي بنى برسيبولس هو داريوس الكبير(522-486 قبل الميلاد) وبالتالي بما ان كتابات برسيبولس كتابات ملكية فهي تبدأ باسم الملك وبذلك تمكن من ان يعرف اسم الملك داريوس في كتابات برسيبوليس.
وبما ان داريوس يرد اسمه بلقب ملك الملوك وهذا لقب فارسي تقليدي بذلك تمكن (گروتفند) من قراءة هذا اللقب في كتابات برسيبوليس، واخيرا كان الملك المؤسس للمدينة يرد اسمه بلقب ملكي في حين اسم ابيه لا يرد معه لقب ملكي وبذلك كان ترجيح داريوس مسألة منطقية لاسيما واننا نعرف اسم والده من خلال كتاب الافستا وهو فيشتاسبا، ويرد هذا الاسم في الكتابات الاغريقية هستاسبس وبهذا تمكن گروتفند عن طريق اسماء الاعلام من ترجمة اغلب الاحرف الفارسية المسمارية لان هذه الحروف قليلة وبذلك تتكرر باستمرار في النص.

5- كتابات برسيبوليس لم تساعد الباحثين من معرفة كل القيم الصوتية للعلامات المسمارية وهنا جاء دور العالم والضابط البريطاني (هنري رولنسون) الذي قام بمحاولة عام ١٨٥٣م حيث قام باستنساخ بعض النصوص القصيرة، إضافة إلى استنساخه اهم نصوص الدولة الاخمينية وهو (نقش بهستون) المدون على جبل قره داغ في مدينة كرمنشاه بإيران.

كتب نقش بهستون بثلاث لغات هي الفارسية والعيلامية والبابلية ، وهذه الكتابة تعود إلى الملك الاخميني داريوس (دارا الاول٤٨٦-٥٢٢م). وبما ان العلماء كانوا يعرفون الخط المسماري الفارسي لذا استخدموا هذه المعرفة في ترجمة النصين العيلامي والبابلي بالتعاقب.

6- ولكن النوع الثالث من الكتابة المدون باللغة البابلية كانت محاولات حله مضنيه للغاية ، حيث لاقى العلماء صعوبات كثيرة بسبب تدوينها بعلامات مقطعية تزيد عن (٥٠٠)علامة مسمارية ، ولكن ظهر ما يساعدهم على استكمال مشوارهم العلمي وحل ما تبقى من الكتابة المسمارية بسبب تزايد الحصول على الرقم الطينية، وقد تمكن العالم (هنكس) عام ١٨٤٧م من تحديد أسماء الأعلام، كما عرف بان بعض الكلمات كتبت بشكل مقطعي وبعضها بشكل رمزي ، وكذلك توصل إلى معرفة تشكيل العلامة من حرف علة زائد صحيح أو بالعكس وهكذا توصل العلماء وبسبب جهودهم الحثيثة المتواصلة وتعاونهم فيما بينهم واستكمال دراسة بعضهم إلى البعض الآخر من التوصل أخيراً إلى حل رمز الخط المسماري المدون باللغة البابلية وبالرغم من النتائج الحقيقية التي توصل إليها الباحثون في حل تلك الرموز والكتابات لكن الشك بقي موجودا حول صحة تلك القراءات لذلك ارتأت (الجمعية الملكية الآسيوية The Royal Asiatic Society) في لندن على قطع الشك باليقين فقامت بتوزيع نص من كتابة آشورية تعود إلى الملك الآشوري تجلاتبليزر الأول (١١١٥ق.م) على أربع من أبرز الباحثين والعلماء بالعالم آنذاك، وهم أوبرت، وهنكس، وتالبوت، ورولنصون لترجمة ذلك النص كل على انفراد، وبعد شهرين وصلت النتائج وكانت القراءات متقاربة، وبهذا أقرت المحافل العلمية الاعتراف بمولد علم جديد أطلق عليه، الآشوريات (Assyriology) نسبة إلى اللغة الآشورية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر
 ///المدونة التاريخية//

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.