الصفحات

إلى الصديقة التي لم تعد | شيماء سلطاني ــ تونس

إلى الصديقة التي لم تعد  |  شيماء سلطاني   ــ تونس
أنا لا ادري ماذا حدث يومها كنت جالسة بمفردي في ذلك المقهى القديم المهترئة نوافذه الزجاجية و مقاعده الخشابية ككل مساء أحد أنتظر قدوم صديقتي "جميلة" لطالما ما نعتت "بفردة الثانية" لنتابع مراجعة بعض دروس لإجتياز إحدى المناظرات الوطنيةهذه المرة الألف التي نشارك بها, لكن ع غير عادتها هذا المساء جميلة تأخرت كثيرا، هاتفها يرن و لا احد يجيب. عزمت على المغادرة لكن شيئا بداخلي يبقيني قيد الإنتظار..
كانت المقهى تغلي بالزبائن و ككل مقهى لا تخلو من التجاذبات السياسية و النقاشات الساخنة التى تنتهي معظمها بكسر الكؤوس و تطاير الكراسي كنت لا اطيق ذلك إلا انّني مجبرة إعتدنا المكوث هناك كما ان كلفتها مناسبة. أخذ عقلي يذهب و يجيء ماذا حدث لجميلة أيمكن أن يكون ذلك السكير الملعون والديها منعها من الخروج أو طلب منها نقود ليشتري به علبة النحس فإمتنعت فعورها ككل مرة لا أظن. من المؤكد أن زوجة والديها الأفعى ألصقت بها احدى التهم كعادتها و حفرت لها مكيدة محبكة أسأل الله أن أكون مخطئة. جميلة ذكية و فطنة لن تتمكن منها تلك المصيبة إنها تحسن التصرف دائما لكنها طيبة جدا لا تقدر على مواجهة سموم تلك الأفعى. إني أعرفها أكثر من نفسي مسالمة و صبورة رغم ما تتكبده من متاعب. حتى أنها أكثر حرسا مني على مواعيدنا بل تتحين فرصة لقاءنا لتلقي ذلك الحمل الثقيل من على عاتقها كنت أعلم جيدا أن إنصاتي لها يخفف عنها الكثير لكني تمنيت لو بوسعي تقديم أكثر من ذلك. كنت سعيدة هذه المرة خبئت لجميلة نصف أول راتب أتقاضاه من التدريس الخاص كما أني جلبت لها قطعة شوكولا هذا سيكسوها فرحا و لو مؤقة فهي تعشق الشوكولا السوداء مع القهوة. نعم إني أفهمها و حفظتها عن ظهر قلب، لما تراها تأخرت نظرت من النافذة الزجاجية لعلي أرى طيفها لا شيء غير البرودة، سماء سوداء مثقلة بالذنوب و دوي صوت الرعد يقرع أذني كأني به أجراس الكنائس عندما تكون هناك مراسم تشييع جنازة زاده عويل الريح حدّة و أسى. برد فنجان القهوة الذي طلبته رغم ذلك أخذت أترشف ذلك الصقيع إرتعشت يدي فإنسكبى مني لا ادري كيف كأنه يأبى أن أشربه في غياب جميلة. أحسن لقد أزاح عني عبء شرابه فقط لأني دفعت حقه. لن تأتي جميلة و لا ادري ما قصتها عليا المغادرة تأخر الوقت،هممت بالإنصراف. فوجئت بإرسالية قصيرة إنها من جميلة "صديقتي لن أستطيع المجيئ أحبك جميلة وداعا" خرجت مذعورة لم أفهم هاتفها لا يجيب أحسست أنها قريبة كان هناك حشد من الناس مجتمعين بشكل دائري و الشارع شبه مسدود كانت العجوز من الأمام تردد بصوت متقطع لقد قصف عمرها المسكينة ماذا يحدث سيارة دعست صبية جميلة. لا ادري شيئا ما غير الفضول دفعني للإقتراب شيئا فشيئا تقدمت بخطى متثاقلة كانت تتضح الصورة نوعا ما حتى خانتني قدماي و هويت على الأرض رباه.. إنها حقا "جميلة "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.