الصفحات

بكاء الآس | وليد.ع.العايش

خيوط المساء تروي قصتها على ضفة رابية مازالت في أوائل ربيعها ، طيور السماء تنسج آخر تغاريدها قبل أن تبدأ رحلة المغادرة ، غيوم ملونة تبث بعض حكايا قديمة ، شاب مازال يحتفي بقطرات العمر الأولى ، يتأبط حزمة خضراء ، الطريق تبدو قاحلة ، التصحر يغزو الثرى منذ سنوات عجاف ، أوراق شجرة الزيتون تحترق رويداً رويداً ، إمرأة فاتها قطار الزمن تعاند قهر سويعات المساء ، المقل مبتلة كزورق يتيم في بحر أعرج ،
ربما كانت تحلم بشيء ما في تلك الأمسية ، تنكسر سنابل القمح على رصيف مترع بصور قزحية ، صراخ الطفل لم ينفع بعرقلة مسير الأنثى ، التفت إليه الشاب ، يتشبث بيده الفارغة ( أريد اللحاق بأمي ) قال الصغير ، ( هناك أبي ينتظر الغصن الأخضر وقطرات مياه وينتظر وصولنا ) تابع الطفل حديثه واللهاث يداعب أنفاسه ، ازداد ضغط الشاب على يد الطفل الطرية ، خيوط المساء وصلت لروايتها الأخيرة ، الغيوم تتراصف على ركن سماء أصابتها عدوى التصحر ، الطيور تختفي خلف جدران أندلسية ، على ضفة الرابية التقى الثلاثة ( عودوا من حيث جئتم ) قالت الرابية ، الهمسات تتقهقر على صرير كلماتها ، العيون تستجدي السماء ، يعاود الطفل صراخه ، لكنه هذه المرة نادى أباه القابع في منعطف صغير ، الشاب يغرق في كلمات أمه المنتظرة على بعد أمتار بدت دهوراً ، المرأة تمسح رأس صغيرها ، وضع الجميع أغصان الآس على ضفاف الرابية ، قبل أن يشيحوا بوجوهم إلى المدى المرتعش ، غصن الآس يخفي دموعه بين ثنايا وريقات داهمها الشحوب منذ قليل فقط ...
________
الآس : شجر سوري يضعه السوريون على قبور موتاهم في الأعياد .
وليد.ع.العايش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.