تذوقت طعم اليتم بموت أمي ، أفنت زهره شبابها في تربيتنا حتي هزلت ، خارت قواها ، من بعد أب معتقلً ، قضي نحبه بالمعتقل بجريمه الرأي.
صرت متشردًا ، أبحث عن مأوي، أتضور جوعًا بين أناس ضربهم الفقر بعصاه الغليظة مثلي ، لم أجد لديهم من بقايا.
لم يرحمني جوعي المسعور الذي يسكنني ، ينشب مخالبه و أنيابه الحادة في أحشائي بلا رحمة ، شعور لا يدركه الا من كان علي شاكلتي من المحرومين ، وسط ليل حالك الظلم والظلام .
تسوقني قدماي المتسولة الي صندوق القمامه العمومي ، حيث يتحلق حوله كلاب المدينة الضالة ، يبحثون فيه عن ضالتهم مثلي ، أقترب من أحدهم ، أربت علي ظهره ، أداعبه حتي أمن لي...يرقبني الآخرين عن كثب في توجس وريبة ....حتي ألفوا بعدها وجودي بينهم ، أتشجع ، أقترب أكثر لآخذ نصيبي من بواقي أصدقائي الأوفياء....ينمو الود ما بيننا مع الايام ،ألتمس فيهم ما أفتقده في غيرهم.
تسوقني مقاديري الي طريق المؤسسات الخيرية ؛ علني أجد ما يشبع جوعي ، ويحفظ لي ما تبقي من كرامة ، وألتمس أبجديات الحياة للمعرفه ...لكن وااأسفاه أقرأ عباره لن تمحي من ذاكرتي ماحييت (كثره المعرفه والجنس يورثا الحزن والكآبه).؛ وأحمد ربي لحذوي نصف الكآبه الاول دون غيره.
تصحبني الذكري الي أصدقائي الأوفياء شركائي بصندوق القمامة ، تتوطد أواصر التعاطف والوفاء .....يروون في شجن وحزن عن مطاردتهم ،وأعتقالهم ، أو رميهم بالرصاص في الطريق العام ،بسبب خطورتهم علي المجتمع وأمنه ، ووقايته من داء السعار.
يحكي لي أحدهم قصته مع كلاب القصر العالي ، بعدما شاهدهم عبر أسوار القصر الحديديه وهم يزدردون طعامهم في أواني مزخرفة نظيفة برعاية مدربهم ، ينهشون في اللحوم ، وصدور ، واوراك الطيور المطهية في نهم ظهرًا ، ويعبون من أقداح الحليب ليلًا...يصحبهم حارسهم الأمين الي مدرستهم بسيارة القصر الفارهة.
يستطرد صديقي الوفي في الحكي لي عن واقعة مطاردة حراس القصر له مع أصدقاؤه ، وهم يتلصصون عمن بالداخل ، ... ، ويعودوا خلسة ، يبحثوا في صندوق قمامه القصر علي ما يقتاتون به ، تذهلهم المفاجأة الكبري للوليمة الشهية من أرجل ، وأجنحة الطيور التي التهم صدورها ، واوراكها كلاب القصر....
أطرق برأسي ، أتذكر مندهشًا كيف تتطابق فرحتي مع فرحة صديقي ، وتلهفي علي التهام أرجل وأجنحة الطيور ، التي نادرًا ما أستطيع شراؤها.
تصير قضيه أصدقائي هي قضيتي عينها ، أثور من أجلهم حتي الموت ، تتوافد الحشود الغاضبة والجائعة تهدر بنباح ترج أركان القصر ، يضج مضجع ساكنيه ، تلتقط الكاميرات صورة كاملة للحشد المسعور الجائع ، يعلو نباحهم، وأصرخ معهم ، تأتي أوامر سيد القصر للحراس غاضبه :
_ ألقوا بكل هؤلاء الكلاب في المعتقل.
حسني الجنكوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.