من فوق هذا الجرف تدحرجت قصتنا، وقفنا شهودا على انتحارها ، كنا حياديين ، أدرنا ظهرينا ، ومشى كل في طريق ..
فوق هذ الجرف ، ولدت قصتنا ، كنا في رحلة جامعية ، كنت بالنسبة لي زميلاً بليداً ،
لا يجيد القراءة ولا يحسن الرسم . ما أحيلاه شغبنا ، وصوت البحر الذي موسق خطواتنا المتنافرة كم تفاخرت بمدينتك البحرية ، كم تنافسنا كشاعرين عريقين في إظهار جمال مدينتنا قلت لك : هل باستطاعتك إحصاء القصائد التي تغنت بحجارة مدينتي ؟ قلبت شفتك السفلى كتلميذ كسول ، وتركتني مع سؤالي معلقين بطيفك .. كان الحب يعرّش فوق شفتيك الخمريتين ثم يذوي ... ثم يذبل .. كم وددت لو أني أقطف تلك الكلمات الحبيبة التي قالتها عيناك ، وتهدج بها صوتك ونبضك .. ها قد أبعدتنا متطلبات الحياة ودفنا قصتنا القصيرة في رمال الأحلام .. لكن هاتفك جاء ودغدغ وجه النسيان ... لقد دعوتني إلى مدينتك الزرقاء كما تحلو لك تسميتها ... أقفلت هاتفي لا أريد سماع صوت بعد صوتك .. أين سأحبس فرحي .. ؟ إذن لم تنسني ؟! ما زالت ذاكرتك تجيش بتلك الأيام ، ما زلت مخلصاً لرواحنا ومجيئنا ، لاستنطاقنا المقاعد والأشجار التي ترتجف على ضفا ف مدينتي ,حزمت أمتعتي ، وخرجت أغرد للطرقات ، وأصابعي تضغط بقوة على ورقة سجلت فيها عناوينك ، كنت أستظهرها بين الفنة والفينة وأنا أتخيلك تجلس فوق كل حرف فيه..
بعد لوبان فوق مدارج الأسفار ، وقفت كالبلهاء ... لقد رفضت مدينتك فتح الأبواب ! أخبرتها بأنك بانتظاري في الجهة المقابلة ، وأخاف أن تتوه مني في هذا الزحام حدثتها عن مدينتي التي تركتها ، وأنا في عطش للأزرق ، لكن آمالي تبخرت وأنا مسمّرة خلف الأسوار ، يتسرّب غناء البحارة الحزين عبر الشقوق ، ويجرح قلبي صراخ الصيادين .. أيتها المدينة ما زلت أحلم بدخول أوقيانوسك العظيم فلا تخذليني .. فقد خرجت من مدينتي أحمل أسراراً صغيرة وحكايا كثيرة عن معارك التخمة والجوع .
قلت لي: ستجديني أزجي الوقت بتعلم مشية السرطان المائلة قلت لي : وسأفشل بالتأكيد لأن تلك السرطانات الحمراء ، اللعينة لن تعطي سرها لأحد وقلت لي : وإن لم تجديني على تلك الصورة فسأرتدي البحر ، وأتزنر بزبده يالغبائي ! متى سأدرك بأن هؤلاء الرجال لا يمكن أن يتزنروا بالزبد ، فما الزبد سوى صرخات رغوية لحورية خرجت على نواميس قبيلتها من أجل رجل سيخونها ، فكيف يتزنر القاتل بكفن قتيله ؟! أيتها المدينة المتغطرسة ، افتحي الأبواب كي أرسم لك أزقة مدينتي وشرفات بيوتها المتعانقة ، وكما لديك من القصص ما جعل ملوك الأنس والجن يركعون عند قدميك فأنا أحمل سفر مدينتي من ألفها إلى يائها مدينتي التي تتغنى بأسماء شوارعها ، وألقاب أبطالها ، وعناوين جميلاتها وألغاز دراويشها افتحي الأبواب كي أرى بعينيك ، وأتنفس برئتيك ، وأعشق بقلبك .. فمدينتي لا تغلق أبوابها ، ولها موعد كما لكل المدن مع قصص الحب الذي يستوطن بين البيوت المرسومة بالأبيض والأسود .. ليس ذنباً إن حزمت أمتعتي ، فقد تسلل صوت ذلك الرجل ، وأحرقت أنفاسه مسامعي ، ومن جملة هلوساته تعالي فلدينا بحر أزرق ، ونوارس ، وجزر وحيدة تنتظرنا..
عندما داست قدماي الساحات المكتظة ، استوقفتني تنهدات البحر المختلطة بتثاؤب الأحاديث ، وعواء القلوب ، وكلمات الحب الفاحشة ، والخجولة ، والمساومات التجارية ، والجسدية .. قلبت الوجوه وأنا أبحث عن رجل فشل في أن يكون سرطاناً بمشية مائلة ، ولم يرتد البحر ، ويتزنر بزبدة .. بحثت عن مدينة تغري مريديها بشالها الأزرق ، وقبعتها البرتقالية ، فخاب ظني وما و جدت بغيتي جلست فوق الأرصفة أغني حكايا الصيادين ، وأخترع أسماء وبطولات ما سجلتها كتب التاريخ لم يسمعني سوى زعيق النوارس التي كانت تدنو .. وتنأى .. جمعت أمتعتي وغادرتك أيها البحر الذي ما لامست أمواجه ، ولا تغلغلت في حضن رماله . غادرتك وفي قلبي ألف غصة زرع بعضها ، رجل تنساه المواعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.